بكين – لطالما كان الجوع مشكلة رئيسة في الصين القديمة شبه المستعمرة وشبه الإقطاعية. ومع كل مناسبة يحتدم جدل في الصين حول ما إذا كانت الأمة الكبيرة تواجه أزمة غذائية.
وأشعل ذلك، منذ فترة ليست بالقصيرة، حرب الرئيس شي جين بينغ على هدر الطعام، وقيود تصدير الطعام من بعض دول جنوب شرق آسيا وسط جائحة “كوفيد-19″، وإدراج الأمن الغذائي في تقرير عمل الحكومة لعام 2021.
وشهدت الأيام الأخيرة إرباكا، محليا وعالميا، بسبب إعلان أصدرته وزارة التجارة الصينية في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، تدعو فيه المواطنين في مناطق محددة لتخزين احتياجاتهم اليومية الأساسية “تحسبا لأي طارئ”، لكن هذا الإعلان فسره مواطنون داخل الصين، ووسائل إعلام خارجها، على أنه استعداد لحالة حرب، فما حقيقة ذلك؟
حالة طوارئ مفاجئة
أتبعت وزارة التجارة الصينية إعلانها بتفسيرات عديدة لإنهاء حالة الجدل، “ووضع حد للتفسيرات التي ذهبت بعيدا عن المعنى المقصود”، حسب قولها.
وقالت الوزارة في توضيحها إن القصد الأصلي للإشعار هو الخوف من أن يفاجأ الناس بالتفشي المتناثر لوباء “كوفيد-19”. وقد يتسبب الإغلاق المؤقت لبعض المجمعات السكنية في إرباك حياة المواطنين، وهو ما يستدعي تشجيع السكان على زيادة وعيهم بإدارة الطوارئ، وزيادة احتياطي سلع الطوارئ المنزلية الضرورية كمكمل ضروري لنظام الطوارئ الوطني.
ومنذ بدء انتشار وباء كورونا في العالم، لقيت قضية الأمن الغذائي اهتمامًا كبيرًا من المجتمع الصيني بأسره، كما أصبحت محطّ اهتمام السياسيين والبرلمانيين في البلاد هذا العام.
واقع الأمن الغذائي الصيني
يقول دان وانغ، كبير الاقتصاديين في بنك هانغ سنغ “Hang Seng” الصيني، إن “لدى السوق والجمهور كثيرا من المفاهيم الخاطئة عن الأمن الغذائي في الصين”، وأشار إلى أن الصين لا تواجه تهديدا مباشرا أو طويل الأمد بنقص الغذاء.
وأوضح في تقرير نشرته “China Macro Economy” أن “الأمن الغذائي هو في الواقع مشكلة مواد وسيطة، لأن الصين لا تستطيع إنتاج ما يكفي من الحبوب العلفية، مثل فول الصويا لدعم صناعة الثروة الحيوانية الكبيرة والمتنامية بسرعة، ومن ثم يجب أن تعتمد على الواردات”.
وأدّى ارتفاع الطلب على اللحوم والبيض والحليب إلى زيادة الحاجة إلى علف الحيوانات التقليدية، مثل وجبة فول الصويا والذرة.
وتواجه الصين عاملا آخر يعرقل حملتها الشاقة للاكتفاء الذاتي، وهو أن صناعة الثروة الحيوانية تعتمد على البلازما الجرثومية الأجنبية، والأنسجة الوراثية التي تُربى منها الخنازير والماشية، وعادة ما يتم استيرادها من أستراليا أو أوروبا بأسعار مرتفعة.
وتستثمر الصين بكثافة في التعديل الوراثي لتطوير أنواع جديدة من الحيوانات والنباتات. وخلال الفترة من 2008 إلى 2020، بلغ إجمالي الاستثمار الوطني في البحث والتطوير من أجل التعديل الوراثي 24 مليار يوان (3.7 مليارات دولار أميركي)، لكن لم يصل أي من هذا إلى تسويق أو تطبيق أوسع.
الإنتاج والاستيراد
وتتوقع الجهات المختصة أن يبلغ عدد السكان الصينيين الذروة في عام 2030 بواقع 1.6 مليار نسمة، وسيكون نصيب الفرد من الغذاء نحو 400 كيلوغرام، وسيبلغ إجمالي الطلب على الغذاء 640 مليون طن سنويًّا.
وتعمل الصين جاهدة على زيادة إنتاج الحبوب المحلي، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب بنسبة 95%.
ويختلف محصول الحبوب للهكتار الواحد (10 آلاف متر مربع) في النوع نفسه من المنطقة في الصين اختلافًا كبيرًا، حيث يصل أعلى إنتاج للهكتار الواحد من 7500 كيلوغرام إلى 15 ألف كيلوغرام، والأقل هو 3 آلاف إلى 5 آلاف كيلوغرام فقط.
وحسب المكتب الوطني للإحصاء، فإن إجمالي إنتاج الحبوب الوطنية في عام 2020 بلغ 669.49 مليون طن، بزيادة عن العام السابق بلغت 0.9% وقدرها 5.65 ملايين طن.
ومن حيث الأصناف، بلغ إنتاج الأرز 21.86 مليون طن بزيادة 1.1%، وبلغ إنتاج القمح 134.25 مليون طن بزيادة 0.5%، وبلغ إنتاج الذرة 260.67 مليون طن بانخفاض طفيف، في حين بلغ إنتاج فول الصويا 19.6 مليون طن بزيادة 8.3%.
وتقول الجمارك الصينية إن الواردات من الحبوب من يناير/كانون الثاني إلى سبتمبر/أيلول بلغت 128 مليونا و273 ألف طن، مقارنة بـ99.226 مليون طن في الفترة نفسها من العام الماضي، بزيادة سنوية قدرها 29.3%. وشكلت واردات فول الصويا 57.67% من إجمالي واردات الحبوب هذا العام.
واستوردت الصين 100 مليون طن من فول الصويا عام 2020، 25.8% منها من الولايات المتحدة.
كما استوردت الصين رقمًا قياسيًّا قدره 11.3 مليون طن من الذرة، بزيادة قدرها 135.7% عن الفترة نفسها من العام السابق، وتجاوز حجم الشراء الحصة السنوية للبلاد لأول مرة، التي تم تحديدها عند 7.2 ملايين طن.
ووفقا لوكالة أنباء شينخوا الرسمية، فإن نحو 65% من الذرة المستوردة تستخدم علفا للثروة الحيوانية، في حين بلغت حصة القمح المستورد العام الماضي 8.38 ملايين طن، بزيادة سنوية قدرها 140.2%.
المصدر : الجزيرة