أحيت إيران الأسبوع الماضي “يوم الكفاح الوطني” في ذكرى السيطرة على السفارة الأمريكية في تشرين الثاني 1979. فقد احتج عشرات الدبلوماسيين الأمريكيين كرهائن على مدى أشهر في أيدي رعاع محرضين أرسلهم النظام الإيراني إلى المهمة بقيادة آية الله الخميني. وبعد أن استسلمت إدارة جيمي كارتر لمعظم مطالب الإيرانيين، حرر الرهائن.
شكلت الأزمة درساً مهماً للنظام الإيراني الذي كان في بداية طريقه في حينه، وبموجبه لا يفهم الأمريكيون إلا لغة القوة، وأنه تحت الضغط والتهديد سيسارعون إلى الاستسلام. مرت أكثر من 30 سنة ولا يزال الإيرانيون مقتنعين –ويخيل انهم اليوم كذلك أكثر من أي وقت مضى– بأن القوة هي اللغة الوحيدة التي يفهمها الأمريكيون. لقد كان يمكن للدول سليمة النظام أن تحاول التواضع وطي ذكرى حدث السيطرة على سفارة أجنبية في عاصمتها، كون هذا خرقاً فظاً لقواعد سلوك أساسية في العلاقات الدولية. لكن إيران تتباهى بهذا الفصل من ماضيها.
هذه السنة وقف في مركز الاحتفال نجاح آخر سجله الإيرانيون في الصراع الطويل الذي يخوضونه مع الولايات المتحدة؛ فقد قررت طهران استئناف المفاوضات التي تديرها مع واشنطن بوساطة باقي القوى العظمى الكبرى، بهدف تحقيق اتفاق نووي محسن، يتضمن رفعاً للعقوبات الأمريكية التي مست بالاقتصاد الإيراني وربما تتضمن تعهداً أمريكياً متصلباً بعدم الانسحاب من الاتفاق مثلما فعل ترامب في العام 2018. وبالمقابل، تبدي إيران الاستعداد لإبطاء السباق نحو النووي، بل وربما الامتناع عن تجاوز حافة إنتاج قنبلة نووية.
يبحث الأمريكيون عن اتفاق كهذا من اللحظة التي دخل فيها بايدن البيت الأبيض، ومنذ نيسان استأنفوا المحادثات غير المباشرة مع إيران في هذا الشأن. ولكن الإيرانيين بقوا مخلصين لطريقهم، لممارسة الضغط وخلق أزمات في الطريق إلى تحقيق هدفهم، وفي حزيران في أعقاب انتخاب جزار طهران، إبراهيم رئيسي، رئيساً لإيران، أوقفوا المفاوضات.
في الزمن الذي انقضى، سرعت إيران تقدمها في الحملة نحو النووي، وهكذا، أعلنت في موعد قريب من نشر البيان عن استعدادها لاستئناف المحادثات مع الولايات المتحدة، وبأن زادت في حوزتها أربعة أضعاف مخزون اليورانيوم المخصب الحيوي لإنتاج قنبلة نووية. كما سرع الإيرانيون الصراع لسحب البساط من تحت أقدام واشنطن في المنطقة، وتثبيت سيطرتهم في سوريا والعراق واليمن. إجراءات الاستفزاز والتصعيد، التي كانت ذروتها الهجوم على قاعدة أمريكية قام به الإيرانيون وفروعهم قبل نحو أسبوعين، لم يؤدِ بعدُ إلى رد فعل عسكري أمريكي، بل العكس زاد شهية وإرادة واشنطن للوصول إلى اتفاق بكل ثمن. لا غرو أن قائد الحرس الثوري حسين سلامة، سارع للإعلان بأن الولايات المتحدة ضعيفة لدرجة أنها لم تعد قادرة للدفاع عن إسرائيل.
قد لا تريد إيران غير التسويف وخوض مفاوضات عقيمة، تسمح لها بمواصلة التقدم نحو النووي في ظروف مريحة ودون ضغط من جانب الولايات المتحدة. ولكن قد يرضى الإيرانيون أخيراً ويوقعوا على اتفاق جديد يمكنهم أن يكسبوا منه. إذ لا يكون فيه ما يوقف رحلتهم نحو القنبلة التي يبدو أنها اجتازت نقطة اللاعودة، بل يعيق الإعلان العلني عنه، بينما إيران تحظى بالاعتراف وبالشرعية في هذه الأثناء.
القدس العربي