السويداء بعد درعا: خصوصية تفرض مقاربة أمنية مختلفة

السويداء بعد درعا: خصوصية تفرض مقاربة أمنية مختلفة

يتجه النظام السوري للتعامل مع الملف الأمني في محافظة السويداء جنوبي سورية، بعدما انتهى من إجراء “تسويات” في محافظة درعا المتاخمة، إذ سحب النظام الكثير من مجموعاته العسكرية والأمنية إلى مواقع داخل السويداء ذات الغالبية الدرزية من السُكان، وهو الأمر الذي يكسبها خصوصية تفرض مقاربة مختلفة. وذكرت مصادر محلية أن أرتالاً تتبع لـ”الفرقة 15″، انسحبت يوم الخميس الماضي من محافظة درعا، وعادت إلى مواقعها في السويداء التي يوجد فيها مقر وقيادة هذه الفرقة التي تنتشر على مساحات واسعة، وتعد من الفرق المهمة لقوات النظام في جنوبي سورية. وأشارت المصادر إلى وصول آليات عسكرية تابعة لقوات النظام إلى السويداء خلال الأيام القليلة الماضية عبر طريق دمشق – السويداء، موضحة أن هذه الآليات المحملة بالعناصر، توجّه قسم منها إلى الفوج 404 في الريف الغربي للمحافظة، وقسم آخر إلى مقر الفرقة 15 قوات خاصة. وذكر الناشط الإعلامي يوسف المصلح من “تجمع أحرار حوران”، وهو تجمع يضم صحافيين وناشطين ينقل أخبار الجنوب السوري، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن “معظم القوات التابعة للفرقة 15 التي كان النظام استقدمها للضغط على الأهالي في درعا، عادت إلى قواعدها السابقة في السويداء”، مشيراً إلى أن القوات العائدة “تضم آليات ثقيلة وسيارات دفع رباعي ومضادات أرضية وسيارات زيل عسكرية”.

سحب النظام الكثير من مجموعاته العسكرية والأمنية من درعا إلى مواقع داخل السويداء

وفي السياق، ذكرت شبكات أخبار محلية، منها “السويداء 24″، أن “تحركات أمنية جديدة ستشهدها محافظة السويداء خلال اليومين المقبلين، بعد اتخاذ السلطات في دمشق قراراً يتعلق بالملف الأمني”. وأشارت هذه الشبكات إلى أن النظام يتجه نحو “نشر دوريات مشتركة لأجهزة الاستخبارات، وقوى الأمن الداخلي والدفاع الوطني، في مناطق متفرقة، مع وجود قوة مؤازرة للجيش في الثكنات، تحسباً لأي طارئ وللتدخل السريع”، بحسب “السويداء 24”.

يعاني أهالي السويداء من تدهور الأمن (Getty)
قضايا وناس
تضييق على السكان وانفلات أمني في السويداء السورية
ويتجه النظام السوري إلى التفرغ للتعامل مع الملف الأمني في السويداء، بعدما أنهى التسويات مع مدن وبلدات محافظة درعا التي تقع إلى الغرب من الحدود الإدارية للسويداء. ووفق مصادر في ريف السويداء الغربي، تنتشر في عموم المحافظة عصابات، بعضها مرتبطة بالأجهزة الأمنية وتمتهن الخطف للحصول على أموال، خصوصاً من محافظة درعا المجاورة. وكان النظام قد عمل منذ عام 2011 على تعميق هوّة الخلاف على أساس طائفي بين المحافظتين لإبقاء السويداء على الحياد حيال ما يجري في سورية. كما ظهرت خلال العام الحالي العديد من العصابات التي تعمل في المخدرات، ودخلت في منافسة بينها أدت إلى مواجهات سقط فيها قتلى ومصابون من أفراد هذه العصابات. وبيّنت مصادر في ريف درعا الشرقي لـ”العربي الجديد”، أن عمليات الخطف المتبادل بين ريف درعا الشرقي وريف السويداء الغربي “خفّت في الآونة الأخيرة إلى حد كبير”، مشيرة إلى أن ذلك “يؤكد ضلوع النظام في العمليات التي كانت تحدث لإبقاء حالة الاحتقان الشعبي بين أبناء المحافظتين الجارتين”، وفق المصادر.

ولطالما قدّم النظام نفسه على أنه “حامي الأقليات” في سورية، ولم يتعامل مع أي حراك مناهض له في السويداء كما تعامل مع المحافظات الأخرى، حيث القتل أو الاعتقال أو القصف بكل أصناف الأسلحة. ويقطن ضمن الحدود الإدارية لمحافظة السويداء آلاف من البدو الذين لطالما دخلوا في خلافات مع الدروز حول حقوق الرعي وانتهاك حرمة بعض المزارع الخاصة بسُكّان السويداء.
ولكن ظهرت في محافظة السويداء حركات وتيارات معارضة للنظام، كما شهدت المحافظة أكثر من حراك شعبي مناهض للنظام بسبب تردي الأحوال المعيشية. ونظّم عدد كبير من أبناء السويداء، في مطلع عام 2020، فعاليات شعبية تحت شعار “بدنا نعيش” للتنديد بالواقع الاقتصادي والمعيشي، استمرت أياماً عدة. وردد المحتجون شعارات الثورة السورية، وهو ما أربك النظام في حينه، ولجأ إلى التهدئة والتعامل “الناعم” مع التظاهرات كيلا تخرج المحافظة عن سيطرته.

حافظ قرقوط: ربما يكثف النظام عدد حواجز قواته في المحافظة مع تنشيط ما يسمّى بالدفاع الوطني

ولعل أبرز الحركات التي تقف في وجه النظام هي “حركة رجال الكرامة” التي تأسست على يد الشيخ وحيد البلعوس عام 2013، لمنع أجهزة النظام الأمنية من اعتقال الشبّان الرافضين تأدية الخدمة الإلزامية في قواته. ولكن سرعان ما تعددت المهام التي بدأت تقوم بها الحركة، خصوصاً على الصعيد الاجتماعي، إذ بات لها تأثير كبير على الرأي العام في المحافظة، وهو ما كان يشكل خطراً على النظام برمّته. وفي منتصف 2015، اغتيل الشيخ البلعوس في تفجير دامٍ، اتُهم النظام حينها بالوقوف وراءه. وحاصر أفراد هذه الحركة في سبتمبر/أيلول الماضي مقر فرع “أمن الدولة” في مدينة السويداء اعتراضاً على ممارسات متزعمي عصابات محلية مرتبطين بهذا الفرع، ما يؤكد قدرة هذه الحركة على التأثير في مجرى الأحداث في المحافظة. وكان ظهر منتصف العام حزب يطلق على نفسه اسم “اللواء السوري” في محافظة السويداء من قبل شخصيات معارضة للنظام، إلا أن هذا الحزب لم يلق ترحيباً من “مشيخة العقل”، القيادة الروحية للدروز.

ورأى عضو الائتلاف الوطني السوري المعارض، حافظ قرطوط، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “موسكو هي من تستعجل فتح ملف محافظة السويداء بعد إشرافها على إنهاء الملف في محافظة درعا”، لكنه لفت إلى أن التحرك الروسي في السويداء “ليس جديداً”. وأوضح قرطوط (وهو من أبناء السويداء) أن هذه المحافظة “لم تخرج من قبضة النظام طيلة سنوات الثورة السورية، حيث إن النظام موجود فيها بأجهزته الأمنية وحواجزه وقواته”. وأشار إلى أن القوات التي دخلت السويداء خلال الأيام الماضية “عادت إلى قواعدها الموجودة في المحافظة منذ سنوات عدة”، معرباً عن اعتقاده بأن النظام “لن يستفز أهالي السويداء كما فعل في محافظة درعا”. وإذ لفت إلى أن الفصائل الموجودة في السويداء “لم تعلن أنها معارضة للنظام أو تابعة لفصائل المعارضة السورية، بل للمحافظة على الأمن العام”، أكد أن “كل العصابات التي تعمل في المخدرات والخطف تحركها الأجهزة الأمنية”. وقال عضو الائتلاف الوطني السوري المعارض إن النظام: “ربما يكثف عدد حواجز قواته في المحافظة، مع تنشيط ما يسمّى بالدفاع الوطني”، مضيفاً أن “القيادات الدينية والاجتماعية الموجودة في السويداء تتماهى مع خطط النظام، فهو من صنعها خلال عقود، وهي جاهزة لدعمه في ما يخطط للقيام به في المحافظة مع الجانب الروسي”.

العربي الجديد