نجا رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، فجر أمس الأحد، من محاولة اغتيال باستهداف منزله في المنطقة الخضراء شديدة التحصين، بصواريخ كانت تحملها طائرتان مسيّرة، الأمر الذي أدى إلى إلحاق أضرار مادية بالمنزل، فضلاً عن إصابات في صفوف الحماية.
تعتبر المحاولة تطورا أمنيا وسياسيا خطيرا، فهي العملية الأولى بهذا الحجم منذ سقوط نظام الرئيس الأسبق صدام حسين، والتي تستهدف من يعتبر، دستوريا، رأس السلطة التنفيذية في الدولة (إضافة إلى كونه «القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة»).
يجيء الاستهداف هذا بعد الانتخابات النيابية العراقية التي جرت في العاشر من تشرين الأول/أكتوبر الماضي والتوتّر الكبير الذي أحدثته نتائجها، خصوصا لدى ميليشيات الولائية التي عبّرت بطرق شتى عن رفضها لنتائج تلك الانتخابات، واعتبرتها تزويرا، ودفعت جماهير محسوبة عليها لاحتجاجات دموية مع قوات الأمن العراقية.
وفي أول تعليق للكاظمي عقب الاستهداف أكد أن “صواريخ الغدر لن تثبط عزيمة المؤمنين” . وقال في “تغريدة” له على “تويتر”، “كنت وما زلت مشروع فداء للعراق وشعب العراق”.
وأضاف: “أنا بخير والحمد لله، وسط شعبي”، داعيا إلى “التهدئة وضبط النفس من الجميع، من أجل العراق” . واستقبل الكاظمي رئيس الجمهورية، برهم صالح، الذي استنكر الأفعال التي وصفها بـ “المفلسة” لزعزعة أمن العراق.
كما تأتي محاولة اغتيال الكاظمي، بمثابة تصعيد خطير بهدف وقف أي نوايا لمعاودة ترشيحه لدورة مقبلة لرئاسة الحكومة، لا سيما أنه يحظى بتأييد الكتلة “المرجحة” الأكبر المتمثلة بالتيار الصدري، وأن “الولائيين” فشلوا في الحصول على التقسيم العرضي ذاته “شيعة وسنة وأكراد”، فيما فضّل الصدر قائمة طولية تضم هذه الطوائف معاً، تكون فيها فرصة الكاظمي المرجحة للاستمرار في رئاسة الوزراء، وهذا خط أحمر بالنسبة إلى إيران و”الولائيين” الذين وضعوه في خانه الخصومة بل العداء، ومارسوا كل العراقيل لإبعاده، بخاصة اتهامه بالمشاركة في تزوير الانتخابات وبتواطئه مع جهات خارجية لعبت في نتائج الانتخابات كما يصرحون ليل نهار، عبر نصب “سيرفرات” خاصة غيّرت نتائجها ورجحت كفة الصدريين للفوز بـ74 مقعداً تؤهلهم لترشيح رئيس الحكومة المقبل، على الرغم من زيف ذلك الادعاء، وتضارب الأنباء عن الجهة التي استهدفت الكاظمي في حكومة تسيير الأعمال الحالية، وتأكيد الناطق باسم الداخلية العراقية أن “استهداف رئيس الوزراء عمل إرهابي مرفوض، جملة وتفصيلاً، وأن محاولة الاغتيال تمت من خلال ثلاث طائرات، وأن تحقيقاً واسعاً يجرى الآن لمعرفة الجناة والوصول إليهم من خلال متابعة وتحديد الكاميرات ومناطق الانطلاق فضلاً عن الآلية المستخدمة، مشيراً إلى “وجود جرحى من الموجودين في المنزل يتلقّون العلاج”، من دون الإعلان إن كانوا من أفراد العائلة أو من الحمايات”.
وقد اعتبر بعض النافذين العراقيين ما جرى فجر الأحد الدامي أنه “انقلاب على الحكومة الشرعية”، كما يقول الشيخ ثائر البياتي الذي دعا الكاظمي الى “إصدار قرار بفصل كل من فالح الفياض وأبو فدك من هيئة الحشد واعتقالهما وإعلان حالة الطوارئ وتشكيل حكومة طوارئ وإيقاف العمل بالدستور واعتقال كبار قادة الانقلاب، وكل قادة الميليشيات الولائية”، على حد قوله .
وتخشى الجماعات الولائية خسارة النفوذ إذا ابتعدت عن السلطة، وتتخوّف من انكشاف ملفات الفساد والانتهاكات، الأمر الذي يمكن أن يضع قياداتها تحت طائلة القانون، لاسيما أن بعضها لا يتردد في الاعتراف بمسؤوليته عن ارتكاب أعمال إرهاب.
ويقول مراقبون إن محاولة الاغتيال الفاشلة يُفترض أن تضع حدا لبقاء هذه الجماعات كقوة مسلحة شاذة، تمارس التهديدات وترتكب الجرائم وتخدم أجندات إيران، بينما تتلقى أموالا من الحكومة العراقية.
ويخشى كبار قادة الميليشيات في الحشد الشعبي أن يكون تشكيل الحكومة الجديدة نهاية لوجودهم كقوة مسيطرة على ما يسمى الدولة العميقة. كما يتخوّف كبار المسؤولين في الميليشيات من أن يتم فتح ملفات أعمال الاختطاف والقتل والفساد التي ستقودهم في النهاية إلى الإدانة القضائية والحكم عليهم. ويرى كبار قادة الميليشيات أن مجرد تهميشهم في الحكومة الجديدة يعني نهايتهم السياسية، مؤكدين أنهم على استعداد لمواجهة أي وضع آخر لا يحافظ على نفوذهم في الحكومة المقبلة.
غير أن معنى العملية الأكثر وضوحا هو أن الميليشيات الولائية والحركات العسكرية التي نشأت نتيجة التحاق الآلاف من المتطوعين إلى «الحشد الشعبي» (إثر فتوى «الجهاد الكفائي» للمرجع الشيعي السيد علي السيستاني عام 2014 لمواجهة تنظيم داعش الإرهابي) صارت من القوة التي يمكنها أن تهدد الدولة، وأن تعترض على المنظومة السياسية الراهنة وطريقة اشتغالها، بحيث تعتبر الانتخابات، حين لا تصب في صالحها، مزورة، ويتحوّل رئيس الوزراء، إلى محط للسخرية باعتباره «مخلوقا فيسبوكيا» (على حد تعبير أحد قادة تلك الميليشيات) إلى درجة الاستهزاء به بالقول إنه لا يستحق أن تخسر تلك الميليشيا طائرة مسيّرة على اغتياله.
يعتبر الاعتداء على مقر الكاظمي، مع ذلك، اختراقا للخطوط الحمراء، وإشارة إلى أن القوات التي ساهمت في مواجهة تنظيم داعش الإرهابي تحوّلت من حام للدولة والمنظومة السياسية العراقية إلى تهديد لهما، وإذا لم يكن بإمكان الميليشيات تغيير نتائج الانتخابات، فهي تظهر أنها قادرة على تهديد كل المنظومة التي صنعت الانتخابات.
أسئلة كثيرة تطرحها محاولة اغتيال الكاظمي، لكن الأهم هو هل ستعرقل تشكيل الحكومة المقبلة، وتثير الفوضى؟ أم ستكون ورقة ضغط للتحرك بسرعة لتشكيلها؟ والأخطر انتقال الصراع إلى الشارع المحتقن الذي انقسم بين مؤيد لنتائج الانتخابات التي توصف بالنزيهة، لا سيما بعد تطابق العد الإلكتروني ونظيره اليدوي، وبين رافض لتلك النتائج مرجحاً تزويرها سيبرانياً من دون دليل قاطع، وهذا ما يثيره “الولائيون” الذين على ما يبدو صُدموا بنتائج غير متوقعة أقصتهم عن أن يكونوا الكتلة الأكبر التي ترجحهم لتشكيل الحكومة، كما اعتادوا الفوز في الدورات الأربع السابقة التي سبقت ترشح الكاظمي كمرشح تسوية سياسية ندموا عليها كثيراً.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية