أي وساطة سياسية للجامعة العربية في الأزمة السودانية

أي وساطة سياسية للجامعة العربية في الأزمة السودانية

القاهرة – أشار ذهاب وفد من الجامعة العربية برئاسة السفير حسام زكي مساعد الأمين العام للخرطوم وإجراء حوارات مع أطراف الأزمة السودانية، إلى دخول الجامعة سباق الوساطات التي تحاول تجسير الهوة بين المكونين العسكري والمدني.

وأجرى وفد الجامعة الأحد مباحثات منفصلة مع كل قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان ورئيس الحكومة المعزولة عبدالله حمدوك، أكد خلالها على أهمية الحوار لمعالجة الأزمة الراهنة، معربا عن “ثقته الكاملة في الحكمة التي تتحلى بها القيادات السودانية، وأنها ستنجح في تخطي جميع التحديات الراهنة”.

وقام الوفد بخطوته السياسية الجديدة بعد مضي أسبوعين على حل الجيش مكونات السلطة التنفيذية التي تدير المرحلة الانتقالية في السودان، وبدأ تحركه بشكل منفصل عن الجهود التي تبذلها كل من: الأمم المتحدة، والترويكا الرباعية المكونة من الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات، ودولة جنوب السودان، ناهيك عن تحركات تقوم بها شخصيات محلية.

وبَدَتْ هناك رغبة للاستفادة من الفراغ الذي تركه غياب الاتحاد الأفريقي عن الأزمة السودانية، والذي لم يعد متسقا مع ما قام به من دور حيوي بعد سقوط نظام عمر البشير منذ أكثر من عامين، ووقتها أسهم بدور مهم في التوصل لتفاهمات أفضت إلى التوقيع على الوثيقة الدستورية التي وضعت قواعد إدارة المرحلة الانتقالية في البلاد.

وسعى وفد الجامعة العربية للحصول على تعويض رمزي لغياباتها المتكررة عن الأزمات العربية التي تدار معظم تطوراتها من قبل أطراف خارجية بعد أن ضربت هياكل الجامعة الكثير من المشاكل السياسية التي أعاقت دورها، وحاولت أن تجد في أزمة السودان منفذا للإيحاء بأن أمراضها المزمنة لن تمنعها عن القيام بدور الوساطة.

وأوحى موقف الجامعة السابق إلى أنها منحازة لإجراءات البرهان على حساب القوى المدنية، بما قلل من أهمية تحركات وفدها في الخرطوم، ووضع أمامه عراقيل لم تمكنه من إقناع أحد أهم الأطراف في الأزمة بإمكانية أن تسهم بوساطة ناجعة.

ولا ترتاح القوى المدنية المتخاصمة مع الجيش لموقف الأمين العام المصري أحمد أبوالغيط الذي ظهرت معالمه مبكرا من خلال البيان الذي أصدره عقب الانقلاب العسكري مباشرة في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، واستخدم عبارات مطاطة وحث فيه على ضبط النفس والحفاظ على أمن السودان واستقراره ووحدته.

وفهمت القوى المدنية أن هذه النوعية من المفردات تصبّ في صالح دعم انقلاب الجنرال البرهان، ما يضعف الدور الذي يمكن أن تلعبه الجامعة العربية في الأزمة، فثمة موقف مبدئي في صفوف المدنيين من الجامعة لا يميل للتعاطي معها كوسيط نزيه وأن هناك شكوكا حول ارتباطها بتقديرات القاهرة للأزمة.

وشبهت مصادر سودانية لـ”العرب” موقف الجامعة من الأزمة بالموقف المصري الذي لم يدن الانقلاب ولم يطالب بعودة الحكومة المدنية المعزولة، ولجأ إلى عبارات شبيهة بما جاء في بيان أبوالغيط، ما وضعهما في سلة سياسية واحدة، لاسيما أن رئيس الوفد، مساعد الأمين العام حسام زكي هو مصري الجنسية أيضا، ما يجعله خاضعا للحسابات الرسمية لبلاده أكثر من الجامعة العربية.

وأشارت المصادر ذاتها إلى أن وفد الجامعة عكس الموقف العربي العام الذي رفض إدانة الانقلاب، وعكس أيضا فحوى الموقف المصري الخاص المحسوب أنه مؤيد لتحرك البرهان ضد المدنيين، وهذا كان كافيا للتعامل مع الوفد بعدم اكتراث من جانب القوى السياسية التي مثلتهم والإعلان عن فشل مهمته قبل أن تبدأ فعليا من الخرطوم.

ورأت دوائر سودانية زيارة الوفد العربي الرفيع من قبيل رفع العتب السياسي، لأن الجامعة التي لم تظهر كرامات في أي من الأزمات المنتشرة على الساحة العربية منذ سنوات لن تدبّ فيها الحياة مرة واحدة في السودان، ما أثر سلبا على قيمة نشاطها المفاجئ وأدرجه ضمن رؤية لا علاقة لها بتذويب الفجوة بين عسكريين ومدنيين.

وقال عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير رخا أحمد حسن، إن الجامعة العربية رأت ضرورة مشاركتها ضمن جهود دولية أخرى بحثا عن الوصول إلى حل، لكنها واجهت جملة من العقبات على رأسها ماهية المنطلق الذي ستتحرك على أساسه، وهل سيكون ذلك على أساس البيان الرباعي الذي أصدرته أخيرا الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات، أم أن لديها رؤية جديدة للحل؟

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن السعي نحو الوساطة جرت على مستوى الأمين العام المساعد وليس الأمين العام للجامعة ما كان له تأثير آخر على قدرة المبعوث العربي في الوصول إلى توافق بين القوى المتباينة، إلى جانب أن الجامعة العربية لا تمتلك الأدوات الكافية التي تجعلها قادرة على نجاح مبادراتها، لأن تلك الأدوات بيد الدول منفردة، سواء على المستوى المصري أو السعودي أو الإماراتي.

وأشار إلى أن المكون العسكري في السودان اتخذ العديد من القرارات التي تقطع خط العودة إلى ما قبلها بسهولة، بالتالي فأي وساطة عربية ربما لا تحقق المرجو منها سياسيا، لكن تعقيدات الوضع الاقتصادي والتهديدات الدولية بسحب الدعم عن السودان تشكل عاملا للضغط قد يسهم في التأثير على تحريك الجمود الحالي من أي جهة.

وأكد أستاذ العلاقات الدولية بالمركز الدبلوماسي التابع للخارجية السودانية عبدالرحمن أبوخريس، أن الجامعة العربية تقود آخر محاولات الوساطة، ونجاحها يتوقف على قدرتها في الاستفادة من تجارب الوساطات السابقة والبناء عليها، وليس البدء من نقطة الصفر، ففي تلك الحالة سوف تستغرق المزيد من الوقت دون الوصول إلى حل.

وذكر في تصريح لـ”العرب” أن المبادرة جاءت متأخرة ومن المفترض أن تكون درست أبعاد الأزمة على نحو أكبر، ومطالبة بالنظر إلى الآراء المختلفة للقوى السياسية، وتقليل الفوارق بين قوى الحرية والتغيير والمجموعة المنشقة عنها، لأن التوصل إلى حل مع أي منهما دون الآخر يقود إلى استمرار الأزمة.

ووصل المكون العسكري إلى طريق مسدود مع قوى الحرية والتغيير (مجموعة المجلس المركزي) ولن يقبل بعودة الحكومة السابقة بنفس الوزراء وهناك خلافات كبيرة حول عبدالله حمدوك نفسه، بالتالي فوساطة الجامعة العربية متعثرة للغاية، ما يضاعف من صعوبة التنبؤ بإمكانية تحقيق نتائج إيجابية في المدى المنظور.

العرب