قاآني في بغداد لمنع الكاظمي من توجيه ضربة شديدة للحشد

قاآني في بغداد لمنع الكاظمي من توجيه ضربة شديدة للحشد

بغداد – كشفت مصادر سياسية في بغداد عن سبب الزيارة التي قام بها قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال إسماعيل قاآني إلى العاصمة العراقية في وقت متأخر من ليل الأحد، موضحة أنها تمت بناء على توجيه من أعلى السلطات في طهران لتطويق محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي التي توجه فيها أصابع الاتهام إلى مجموعات موالية لإيران.

وعلمت “العرب” من مصادر مقربة من رئيس الوزراء العراقي أن “طهران أرسلت قاآني إلى بغداد بعدما تثبتت من نوايا خطرة يضمرها الكاظمي لزعماء الميليشيات الشيعية الموالية لإيران بوصفهم أبرز المتورطين في عملية اغتياله”.

وتزامنت زيارة قاآني إلى بغداد مع تحركات عسكرية واسعة في العاصمة العراقية، قالت القوات المسلحة إنها جاءت لطمأنة السكان بعد محاولة اغتيال أهم مسؤول في الدولة. لكن مصادر “العرب” أكدت أن محاولة الاغتيال وفرت للكاظمي فرصة ذهبية لتوجيه ضربة قوية لميليشيا الحشد الشعبي.

جو بايدن: يجب معاقبة المسؤولين عن الاعتداء الإرهابي على الدولة العراقية

ولم تعكس التحركات العسكرية التي شاركت فيها طائرات مقاتلة ومروحية ودبابات وآليات مدرعة، فضلا عن الآلاف من الجنود، الهدوء الذي طبع خطاب الكاظمي يوم الأحد وهو يحدّث العراقيين عن تفاصيل الهجوم على مقر إقامته الشخصي، حيث دعا إلى ضبط النفس وعدم الانجرار إلى العنف.

ولا يُعرف إلى حد الآن ما إذا كانت الضربة التي سيوجهها الكاظمي، أيا كان نوعها سياسية أو عسكرية، ستستهدف قيادات ميليشيا الحشد أم كل الحشد.

وتعرض منزل رئيس الوزراء العراقي في المنطقة الخضراء المحصنة وسط بغداد إلى هجوم بالطائرات المسيرة فجر السبت كاد يودي بحياته، متسببا في جرح سبعة من حراسه الشخصيين، فضلا عن الأضرار المادية الكبيرة.

وعقب الهجوم الذي استهدف منزل الكاظمي وقوبل بإدانات داخلية وخارجية واسعة حطت طائرة إيرانية في مطار بغداد تقل الجنرال قاآني الذي عينته طهران مسؤولا عن ملف العراق خلفا لقاسم سليماني الذي قتله الأميركيون في هجوم بالطائرات المسيرة في العاصمة العراقية مطلع العام الماضي.

وأدان الرئيس الأميركي جو بايدن الهجوم الإرهابي الذي استهدف مقر إقامة الكاظمي، مشيراً إلى أنه “يجب معاقبة المسؤولين عن الاعتداء الإرهابي على الدولة العراقية”.

وطالب بايدن فريق الأمن القومي بتقديم جميع المساعدات المناسبة للقوات الأمنية العراقية في البحث عن المسؤولين عن الاعتداء.

وقال مسؤول في بغداد لـ”العرب” إن “قاآني التقى الكاظمي في بغداد مساء الأحد وعبر له عن إدانة إيران الشديدة لمحاولة اغتياله”، مؤكدا أن “الجنرال الإيراني لم يحاول التلاعب بالكلمات بشأن الجهات المتورطة في عملية اغتيال رئيس الوزراء العراقي، ما يثبت أن الميليشيات الشيعية هي المسؤولة عن تدبير هذا الهجوم”.

وحاول الجنرال الإيراني، وفقا للمسؤول الذي تحدث لمراسل “العرب” في بغداد، معرفة نوايا رئيس الوزراء العراقي بشأن ردة فعله على استهداف المسيّرات لمنزله الشخصي، ملمحا إلى أن إيران لم تكن على علم مسبق بهذه العملية رغم أن الطائرات المسيرة والمتفجرات المستخدمة في الهجوم إيرانية الصنع كما قالت مصادر مختلفة.

وذكر المسؤول العراقي أن الكاظمي لم يبدُ عليه الانفعال وهو يتحدث إلى قاآني، لكنه لم يتردد في إبلاغه بأنه مصر على “ملاحقة المتورطين الحقيقيين في جريمة الاغتيال” التي كان منزله مسرحا لها فجر الأحد.

وبتشديد الكاظمي على معرفة المسؤولين الحقيقيين فإنه ربما يشير إلى زعماء كبار في الميليشيات الشيعية الموالية لإيران، مثل قيس الخزعلي زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق وأبوعلي العسكري زعيم ميليشيا كتائب حزب الله، اللذين اعتادا على توجيه التهديدات العلنية لأجهزة الدولة وقادتها.

ولا ينوي الكاظمي، على حد تعبير مسؤولين حكوميين، السكوت عن أي ظهور ميليشياوي استعراضي مسلح في شوارع بغداد أو أي محافظة، وهو ما يفسر الاستنفار الكبير في صفوف القوات المسلحة والأجهزة الأمنية التابعة لمكتب رئيس الوزراء ووزارة الداخلية.

ونقلت وكالة رويترز عن مسؤوليْن أمنيّيْن عراقيين وثلاثة مصادر مقربة من الجماعات المسلحة التي تدعمها إيران في العراق أن الهجوم ارتكبته واحدة على الأقل من تلك الجماعات، لكنهم قدموا تقييمات مختلفة قليلا بشأن أي الفصائل تحديدا.

وقال المسؤولان الأمنيان إن ميليشيا حزب الله وعصائب أهل الحق نفذتاه جنبا إلى جنب. وقال مصدر في جماعة مسلحة إن ميليشيا حزب الله متورطة وإنه لا يستطيع تأكيد دور العصائب.

ويوم الاثنين كان الوضع طبيعيا في بغداد، لكن الانتشار العسكري الكثيف كان لافتا، دون أن يؤثر ذلك على حركة الموظفين وطلبة الجامعات والمدارس.

وشوهد الضابط البارز أحمد أبورغيف المصنفُ العدوَّ الأول للميليشيات الشيعية الموالية لإيران وهو يتجول على رأس رتل عسكري كبير في منطقة الكرادة وسط بغداد فجر الاثنين.

ويرأس أبورغيف جهازا أمنيا خاصا لملاحقة الفاسدين وعناصر الميليشيات الشيعية المتورطين في عمليات اغتيال واختطاف وابتزاز، ويتعرض إلى هجوم مستمر من قبل وسائل الإعلام العراقية التابعة لإيران. ويقول مراقبون في بغداد إن معركة الكاظمي مع الميليشيات الشيعية والنفوذ الإيراني طويلة، ولن تحسم من جولة واحدة.

وجاءت محاولة اغتيال الكاظمي بعد يوم واحد من محاولة مدنيين ضمن ميليشيا الحشد الشعبي اقتحام المنطقة الخضراء تنديدا بنتائج الانتخابات العامة التي شهدتها البلاد في أكتوبر الماضي.

ولا يريد زعماء الميليشيات الشيعية الموالية لإيران الاعتراف بنتائج الانتخابات لأنها تضعهم في حجم سياسي حرج، لا يوفر الغطاء الكافي لأنشطتهم المشبوهة.

وتعرض زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق قيس الخزعلي إلى اتهامات صريحة من جمهور شيعي بأنه استخدم مسلحين تابعين لميليشيا الحشد بزي مدني لتنظيم تظاهرات رافضة لنتائج الانتخابات على أبواب المنطقة الخضراء.

وتضمنت الاتهامات تفاصيل عن خطة أعدها الخزعلي وأشرف على تنفيذها يوم الجمعة، تتضمن تصعيدا كبيرا في الاحتجاج والتوجه نحو اقتحام المنطقة الخضراء عبر بوابتين تؤديان إلى السفارة الأميركية ووزارة الدفاع.

واتهم الخزعلي بأنه سعى للضغط على القوات العراقية التي تحمي المنطقة الخضراء لارتكاب مجزرة بحق عناصر ميليشيا الحشد الشعبي الذين يرتدون الزي المدني، بهدف خلق رأي عام شيعي مضاد للحكومة والقوات المسلحة ومفوضية الانتخابات والأجهزة القضائية، وصولا إلى إلغاء نتائج الاقتراع العام أو تجميدها.وكادت خطة الخزعلي تنجح، إذ اصطدمت قوى الأمن يوم الجمعة بعناصر الميليشيا الذين يرتدون الزي المدني، وسقط قتلى في صفوفهم، مع عشرات الجرحى من الجانبين.

ولم تفوت الميليشيات الشيعية هذه الفرصة، إذ أقامت سرادقات كبيرة قرب بوابات المنطقة الخضراء بحجة إقامة مجالس عزاء على أرواح القتلى الذين سقطوا خلال الاحتجاج على نتائج الانتخابات يوم الجمعة.

وذهب نوري المالكي، وهو ثاني الفائزين الشيعة في الانتخابات الأخيرة بعد مقتدى الصدر، لتقديم العزاء، فيما أطلق من هناك تصريحات ضد “قمع المتظاهرين السلميين”.

وظهر في مجلس العزاء فالح الفياض رئيس ميليشيا الحشد الشعبي وكذلك رئيس الأركان في الميليشيا عبدالعزيز المحمداوي، الملقب بـ”أبوفدك”، بينما كان قيس الخزعلي على رأس متلقي العزاء.

وبالرغم من وجود مجالس العزاء قرب المنطقة الخضراء حتى ساعة إعداد هذا التقرير يوم الاثنين فإن استمرارها بات أمرا مشكوكا فيه، إذ لم تعد سوى قطعة أثاث ضمن مسرح مكشوف أعدته الميليشيات الشيعية للضغط على الحكومة.

العرب