يكشف مسؤولون عراقيون بارزون في بغداد، أحدهم جنرال في الجيش العراقي، عن مواصلة القوات الأميركية عمليات الانسحاب التدريجي من البلاد مصطحبة معها أسلحة ثقيلة ومعدات، يصفونها بـ”الحساسة”. ويؤكد هؤلاء أن 31 ديسمبر/كانون الأول المقبل ما زال موعداً نهائياً لانسحاب جميع القوات القتالية الأميركية من البلاد، واستبدالها بفرق عسكرية استشارية وتدريبية، مع الإبقاء على الجهد العسكري الجوي الأميركي في الأجواء العراقية، تحديداً بين خطي عرض 32 و35، التي تشمل شمالي العراق وغربه، حيث ينشط تنظيم “داعش”، فضلاً عن كونها تحاذي الأراضي السورية، شمالاً وغرباً، لجهة البوكمال والحسكة السوريتين. وكان الرئيس الأميركي جو بايدن قد حسم ملف الانسحاب، خلال استقباله في البيت الأبيض، رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، في يوليو/تموز الماضي. وشدّد بايدن، بعد لقاء مغلق مع الكاظمي، على أن دور الولايات المتحدة في العراق سيتمحور حول مواصلة التدريب، وأن “نساعد العراق في مواجهة تنظيم داعش، لكننا لن نكون بحلول نهاية العام الحالي في مهمة قتالية”.
أجلى الأميركيون أكثر من 3 دفعات من القوات القتالية خلال الشهرين الماضيين
وتضغط الفصائل المسلحة الحليفة لإيران على الحكومة من أجل إجلاء القوات الأميركية والقوات الأخرى العاملة ضمن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة للحرب على تنظيم “داعش”. ونفذت هذه الفصائل منذ مطلع العام الماضي العشرات من الهجمات الصاروخية وأخرى بواسطة طائرات مسيرة مفخخة، طاولت المعسكرات والقواعد التي تضم تلك القوات في مناطق عدة من العراق، إضافة إلى قيامها بهجمات بواسطة عبوات ناسفة استهدفت أرتالاً تعمل لصالح التحالف الدولي، تحمل عادة مواد غير عسكرية. وفي مطلع الشهر الحالي عقد فريق عسكري وأمني عراقي رفيع اجتماعاً مغلقاً في بغداد، ضم مستشار الأمن الوطني قاسم الأعرجي ونائب قائد العمليات المشتركة الفريق الأول الركن عبد الأمير الشمري، مع فريق من قوات التحالف برئاسة قائد قوات عمليات “العزم الصلب” في العراق اللواء الأميركي جون برينان ونائبه البريطاني العميد ريتشارد بيل، ومدير الإدارة المشتركة في التحالف العميد الفرنسي فنسان كوست. وأكد البيان الختامي للاجتماع استمرار العمل على تنفيذ بنود الاتفاقية الخاصة بتحول مهام القوات الأميركية من قتالية إلى تدريبية واستشارية.
وفي هذا الإطار تحدث مسؤولان عراقيان في بغداد، أحدهم جنرال في قيادة العمليات المشتركة، عن استمرار عمليات نقل القوات الأميركية القتالية من البلاد جواً، وبالتنسيق مع السلطات العراقية. وقال أحدهم لـ”العربي الجديد”، إن الجيش الأميركي أجلى أكثر من ثلاث دفعات من القوات القتالية خلال الشهرين الماضيين، وهناك دفعة أخرى تستعد للمغادرة وجميعهم يعملون بمهام قتالية ضمن جهود التحالف الدولي. كما أكد الآخر بأن معدات عسكرية حساسة وأسلحة ثقيلة نقلتها فعلاً الولايات المتحدة من قاعدة عين الأسد، غربي الأنبار، من بينها مروحيات قتالية استُخدمت بين عامي 2015 و2017 لإسناد القوات العراقية خلال عمليات تحرير المدن من سيطرة تنظيم “داعش”. وكشف أن الفترة المتبقية كافية لإنهاء الاتفاق الموقع بين البلدين، وهناك لجان فنية ستتولى عملية استبدال تلك القوات بأخرى استشارية وتدريبية ستعمل على إدخال وحدات الجيش العراقي في برامج تطوير، إضافة إلى جهاز مكافحة الإرهاب. وأكد أن عمليات الدعم والتدخل الجوي لطيران التحالف ستتواصل، بسبب قدرته على تنفيذ الضربات والاستجابة السريعة للعمليات العسكرية ضد مسلحي “داعش”، في الشمال العراقي وغربه.
في السياق، كشف عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي السابق بدر الزيادي، في حديث مع “العربي الجديد”، عن تسلم العراق أخيراً أكثر من 800 عربة عسكرية مختلفة من القوات الأميركية، وتسليم أخرى إلى قوات البشمركة في إقليم كردستان. ولفت إلى أن الانسحاب يتمّ بطائرات الجيش الأميركي عبر دولة الكويت. وأضاف أن “القوات القتالية المهمة بالجيش الأميركي تجري عمليات الانسحاب بشكل سري للغاية، وعدد العناصر الموجودة حالياً في قاعدتي عين الأسد وحرير (في قضاء شقلاوة في إقليم كردستان) قليل، وستنسحب بدورها أيضاً”.
الانسحاب يتمّ بطائرات الجيش الأميركي عبر دولة الكويت
وتحدث الزيادي عن وجود نحو 1500 جندي أميركي حالياً في العراق من أصل 2500، مشيراً إلى أنه “وفقاً لمعلوماتي فإن الخطوة الثانية للانسحاب ستكون غداً الإثنين، وسيتم نقل أسلحة ومعدات على متن طائرات من العراق إلى قواعد في الخليج، وستشمل الأسلحة المهمة”. وشدّد على أن “خطوات الانسحاب تسير بصورة صحيحة”، متوقعاً أن تعاود “القوات الدولية الانتشار مرة أخرى في العراق إذا حصلت فوضى في البلاد وطلبت الحكومة العراقية رسمياً التدخل، وفقاً للاتفاقات الموقعة بين العراق والولايات المتحدة”، على الرغم من استبعاده هذا الأمر بسبب “قدرة القوات العراقية على الإمساك بالملف الأمني”. وكشف عن استمرار الوجود الأميركي الاستشاري في العراق، بما يتعلق بصيانة وتشغيل سرب مقاتلات “أف 16″، العمود الفقري لسلاح الجو العراقي. وسبق أن تعهدت الحكومة العراقية في وقت سابق بـ”حماية أفراد التحالف الدولي الذين يقدمون المشورة والمساعدة والتمكين للقوات الأمنية العراقية”، موضحة أن “أفراد التحالف موجودون بدعوة من العراق، وفقاً للسيادة العراقية والقوانين والأعراف الدولية”.
بدوره، أشار الخبير أحمد الشريفي إلى أن الخطوات الحالية المتعلقة بمغادرة القوات الأميركية القتالية، لا يمكن اعتبارها انسحاباً بقدر ما هي استبدال قوات بأخرى. واعتبر في حديثٍ مع “العربي الجديد”، أن “ما يحصل الآن هو إتمام لبنود الاتفاقية الأمنية الموقعة بين البلدين، وسيُصار إلى الاستعاضة بالقدرات العراقية المحلية مسنودة بالدعم الدولي”. ورأى أن “هذه الخطوات منسّقة، على اعتبار أن هناك انحساراً في العمليات العسكرية والأمنية في العراق، ما يجعلها ضمن القدرات الوطنية”. وشدّد على أنه “بالنسبة لمستقبل العلاقة العراقية الأميركية، فإن العراق ما يزال حليفاً مهماً للولايات المتحدة، وهذه قضية محسومة”. وفي وقت سابق، قال عضو المكتب السياسي لجماعة “عصائب أهل الحق”، سعد السعدي، إن الجماعة لا تثق بالكاظمي فيما يتعلق بإدارة الحوار مع الولايات المتحدة، موضحاً في تصريحات له أن من وصفها بـ”فصائل المقاومة”، غير معنية بمخرجات الحوار مع واشنطن. ولوّح بما قال عنه: مشروع مقاومة الاحتلال في حال لم ينفذ وعوده بالانسحاب من العراق.
العربي الجديد