أنقرة- بدا إقليم قره باغ في أذربيجان عقب انتهاء الحرب فيه كأنه منطقة أشباح نتيجة الأضرار التي لحقت به جراء القصف والاشتباكات وعُزلته طوال 30 سنة، وانطلقت باكو بتعاون من حليفتها أنقرة في حملة إعادة إعمار شاملة لمدن الاقليم، ما زالت مستمرة.
وفي 27 سبتمبر/أيلول 2020، أطلق الجيش الأذربيجاني -بدعم مباشر من نظيره التركي- عملية “لتحرير” إقليم قره باغ، وبعد معارك ضارية استمرت 44 يوما أعلنت روسيا في العاشر من نوفمبر/تشرين الثاني 2020 توصل أذربيجان وأرمينيا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، ينص على استعادة باكو السيطرة على محافظات محتلة.
تركيا شريكة في الإعمار
وشدد الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف -في محافل عديدة- على أن بلاده أولت الشركات التركية أولوية في المناقصات المتعلقة بعملية إعادة الإعمار بهدف تحسين جودة مشاريع البناء في إقليمها المُحرر.
وقال وزير التجارة التركي محمد موش إن المقاولين الأتراك يعززون دورهم في إعادة إعمار المناطق المحررة في إقليم قره باغ، مشيرا إلى أن أنقرة وباكو تهدفان إلى رفع حجم التبادل التجاري بينهما إلى 15 مليار دولار.
وقال سينك إينيهان، المدير التنفيذي لبنك باشا في إسطنبول ومقره الرئيسي في العاصمة الأذربيجانية باكو، إن العاصمة الأذربيجانية تريد العمل مع المقاولين الأتراك المعروفين بخبرتهم العريقة في البناء، مؤكدا أن المقاولين الأتراك يلتزمون بدور محوري في عملية إعادة إعمار الأراضي الأذربيجانية المحررة، منوها إلى أن ذلك يحدث عبر عملية شاملة من البنية التحتية إلى الطرق والمستشفيات.
وصدّرت أنقرة آليات إزالة ألغام إلى باكو، وأرسلت القوات المسلحة التركية فرقا مختصة في البحث عن الألغام وإزالتها، بدءا من ديسمبر/كانون الأول 2020.
ممر “زنغازور”.
مع تنفيذ ممر “زنغازور” عبر الأراضي الأرمينية -بناء على اتفاقية وقف إطلاق النار- ستُقلص المسافة بين أذربيجان وتركيا، إذ سيكون الخط الجديد أقصر من خط السكة الحديدية الممتد من مدينة قارص التركية (شرقي الأناضول) مرورا بالعاصمة الجورجية تبليسي وصولا لباكو عاصمة أذربيجان.
من الجانب التركي، ستمتد السكة الحديدية التي تبدأ من أنقرة باتجاه مدينة قارص ومنها إلى نخجوان الأذربيجانية ذاتية الحكم، ومن هذا المكان سيلعب ممر “زنغازور” دورا محوريا في إيصال السكة الحديدية إلى باكو عبر الأراضي الأرمينية البالغ عرضها 43 كيلومترا فقط.
في أواخر الشهر الماضي، قال الرئيس الأذربيجاني “إن ممر زنغازور الذي يربط بين تركيا وأذربيجان عبر أراضي أرمينيا سيوحد العالم التركي”.
وذكرت تقارير تركية أنه بعد تنفيذ مشروع الممر -كما هو مخطط وحسب الاتفاقيات الموقعة بين روسيا وأذربيجان وأرمينيا- سيفوق دوره كونه طريقا، فمثلما سيفتح الأبواب أمام حركة تجارية بالمليارات، سيربط تركيا مع القوقاز وبحر قزوين، فضلا عن دول وسط آسيا التركية، التي انقطع تواصلها البري مع تركيا منذ سيطرة أرمينيا على إقليم قره باغ قبل 30 عاما.
أهمية الإقليم الاقتصادية
يقع إقليم قره باغ في منطقة جنوب القوقاز، ويبعد نحو 170 ميلا عن العاصمة الأذرية باكو، كما يحد الإقليم الحبيس من الشمال والشرق أذربيجان، ومن الغرب أرمينيا، ومن الجنوب إيران، ليقع في وسط منطقة غنية بالثروات الطبيعية، ولكن ماذا عن الإقليم نفسه؟
في قلب أراضي أذربيجان يظهر على الخريطة إقليم قره باغ، ويشغل مساحة 4 آلاف و800 كيلومتر مربع، تغلب عليه الطبيعة الجبلية، كما يقطنه نحو 150 ألف نسمة، ويعد اقتصاده صغيرا نسبيا.
وتنحصر استثمارات الإقليم في قطاع الاتصالات والتعدين والمصوغات والزراعة، كل هذا إلى جانب إنتاج العنب؛ فالإقليم صاحب أكبر إنتاج للفرد من العنب في الاتحاد السوفياتي المنهار، ويعتمد الإقليم على الزراعة وتربية الماشية وبعض الصناعات الغذائية من المحاصيل المشهورة، كالحبوب والقطن والتبغ.
والإقليم مرشح لأن يكون بعد إعادة إعماره وجهة سياحية، كونه يحتوي على مناظر خلابة وعيون كبريتية كثيرة وأنواع من الزهور التي تستخدم في العلاج الطبيعي، كما أن جباله غنية بالمعادن الثمينة وشبه الثمينة مثل الذهب والنحاس.
وأكثر من 90% من أنابيب النفط والغاز تمر من خلال إقليم قره باغ، تأتي من أذربيجان أو من منطقة القوقاز وتمر من العاصمة الجورجية وبعد ذلك تتجه إلى إحدى المدن التركية، ومن ثَم إلى جنوب البحر الأبيض المتوسط.
الباحث والكاتب الصحفي أيوب صاغجانأيوب صاغجان: المشاريع الاقتصادية في إقليم قره باغ أسهمت في تطوير عمل الشركات التركية (الجزيرة)
شراكات اقتصادية
وفي السياق، ذكر الباحث والكاتب الصحفي أيوب صاغجان للجزيرة نت أن الاستفادة الاقتصادية لأنقرة بعد مرور عام على تحرير إقليم قره باغ تجلت من خلال عشرات الشركات التركية التي عقدت شراكات مع نظيراتها الأذرية وبدأتا معا بناء الإقليم وتنميته.
وقال صاغجان “هذه المشاريع أسهمت في تطوير عمل الشركات التركية، وكذلك فتح فرص واسعة لليد العاملة التركية للعمل في أذربيجان، وبالتالي تقليص البطالة في تركيا وأذربيجان على حد سواء”.
وأضاف “المشاريع المنفذة في الإقليم المحرر عديدة؛ من مطارات إلى طرق إلى أنفاق إلى مستشفيات ومدارس وشبكات للمياه والكهرباء والصرف الصحي والإنترنت؛ أي تنمية شاملة للإقليم الذي كان يفتقر لكل شيء، والرئيس التركي افتتح شخصيا مع نظيره الأذري عددا من المدارس والمرافق التنموية”.
ولفت الكاتب التركي إلى أن عوائد ممر “زنغازور” الاقتصادية ستكون إستراتيجية على أذربيجان وتركيا، تتلخص بأنه سيربط تركيا بدول العالم التركي؛ وبالتالي سيكون هناك تبادل تجاري بمئات مليارات الدولارات، ونهضة اقتصادية لكل المنطقة.
المصدر : الجزيرة