تابعت “المقاومة” تهديد قيس الخزعلي للكاظمي بشنها هجوماً حقيقياً بطائرة مسيّرة على منزله، ما أدى على ما يبدو إلى تحطيم سردية الضحية التي كانت تبنيها الميليشيات.
في الجزء الأول من هذه السلسلة المؤلفة من جزأين، تناولت “الأضواء الكاشفة للميليشيات” الجهود السريعة والمتكاملة التي بذلتها “عصائب أهل الحق” و “كتائب حزب الله” للردّ على انعزالهما السياسي المتزايد عبر تنظيم تظاهرات ضد مركز الحكومة، في محاولة لاستفزاز قوات الأمن وحملها على إلحاق الأذى بالمتظاهرين. وبعد ذلك، شنّت “عصائب أهل الحق” و”كتائب حزب الله” حملةً إعلامية مكثفة لإضعاف رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وكبار قادته العسكريين، وفي الوقت نفسه إجبار القيادات الأخرى في المقاومة على الابتعاد عن مفاوضاتها للانضمام إلى حكومة جديدة خالية من “عصائب أهل الحق” و”كتائب حزب الله”.
* *
في الخامس من تشرين الثاني (نوفمبر)، هدد أمين عام “عصائب أهل الحق”، قيس الخزعلي، رئيس حكومة تصريف الأعمال الكاظمي شخصياً، قائلاً: “رسالتي إلى الكاظمي نفسه، اسمعها من شروكي أصيل، حق دماء الشهداء برقبتي (وسنأخذ بحقهم عبر محاكمتك … ومحاكمة كل من شارك في إطلاق الرصاص على المتظاهرين). إلا أن الخطوة الأولى التي اتُّخذت ضد الكاظمي كانت بعيدة كل البعد عن أن تكون قانونية: ففي وقت مبكر من السابع من تشرين الثاني (نوفمبر)، ضربت طائرتان مسيّرتان رباعيتا المراوح ومحمّلتان بالمتفجرات مكان إقامة رئيس الوزراء الكاظمي، فأوقعتا أضراراً في البناء، لكنهما لم تصيبا الكاظمي بأذى.
المقاومة تنفي شن هجوم حقيقي بطائرة مسيرة
في 7 تشرين الثاني (نوفمبر)، عند حوالي الساعة 2:30 (بتوقيت بغداد)، نشرت القنوات الإعلامية التابعة لـ”كتائب حزب الله” خبر وقوع انفجارات وإطلاق نار في “المنطقة الخضراء” في بغداد، فأثارت تكهنات في قنوات “المقاومة” باحتمال وقوع انقلاب. وسرعان ما بدأت قنوات “المقاومة” الإعلامية في تطوير خط من الجدل صوّر الهجمات على أنها عملية زائفة، زاعمة أن وكالات الاستخبارات الغربية أو فريق الكاظمي اصطنعا هجوم الطائرات من دون طيار. وما خدم هذه الرواية، هو تساؤل “قيادة العمليات المشتركة العراقية” عن سبب عدم إطلاق نظام الدفاع الأميركي (المثبت لحماية السفارة الأميركية) النار لحماية رئيس الوزراء لو وقعت فعلاً ضربة بطائرة مسيّرة (علماً أنه من من غير المرجح أن تتدخل الدفاعات الأميركية من هذه المسافة البعيدة عن السفارة وعلى مقربة من أسطح المباني).
وعند الساعة 4:17 (بتوقيت بغداد) من يوم 7 تشرين الثاني (نوفمبر)، نشر أبو علي العسكري من “كتائب حزب الله” بياناً زعم فيه أنه “لا أحد في العراق لديه حتى الرغبة في خسارة طائرة مسيّرة على منزل رئيس وزراء سابق”، على حد قوله، وأشار إلى أنه إذا كان أي شخص قد فعل ذلك، “فتوجد طرق كثيرة جداً أقل تكلفة”. وعند الساعة 9:54 (بتوقيت بغداد) من اليوم نفسه، كرّر أمين عام “عصائب أهل الحق” قيس الخزعلي سردية العمل الزائف، لافتاً إلى ضرورة البحث بجدّ عن منفّذي العملية لأنه (الانفجار) “محاولة لخلط الأوراق (أي تعكير المياه) لمجيئها بعد يوم واحد على الجريمة الواضحة بقتل المتظاهرين والاعتداء عليهم وحرق خيمهم”.
الطائرات رباعية المراوح المستخدمة في الهجوم
كانت الطائرات المسيّرة التي استُخدمت في هجوم 7 تشرين الثاني (نوفمبر) عبارة عن أنظمة رباعية المراوح قصيرة المدى من النوع الذي شوهد بشكل دوري منذ تموز (يوليو) 2020.
23 تموز (يوليو) 2020: تم العثور على طائرة رباعية المراوح على سطح مبنى في منطقة “الجادرية” ببغداد عند الضفة المقابلة من ضفة نهر دجلة التي تقع عندها السفارة الأميركية. وكانت مفخخة بذخيرة تطابق بشكل وثيق النوع الذي عُثر عليه (غير منفجر) على سطح منزل الكاظمي في 7 تشرين الثاني (نوفمبر).
4 آذار (مارس) 2021: تم استخدام طائرة رباعية المراوح مشابهة لتلك التي عثر عليها في 23 تموز (يوليو) في محاولة التحليق فوق مجمّع القيادة الكردية في أربيل خلال فترة توتر بين عناصر “المقاومة” المدعومة من إيران و”الحزب الديمقراطي الكردستاني” بسبب تفاوض الأكراد المسبق مع مقتدى الصدر. وتم الإبلاغ عن مشاهدة طائرة ثانية رباعية المراوح عند منزل رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في الليلة نفسها، ما يعكس على الأرجح قلق “المقاومة” من المحادثات التي جرت بين الصدر والكاظمي و”الحزب الديمقراطي الكردستاني” قبل الانتخابات.
2 تموز (يوليو) 2021: تم العثور على طائرة رباعية المراوح ومطابقة تقريباً للطائرة المحطّمة التي عثر عليها في 23 تموز (يوليو) في بغداد.
5 تموز (يوليو) 2021: كشفت الدفاعات الأميركية في بغداد عن طائرة أخرى رباعية المراوح ومطابقة تقريباً للطائرتين اللتين عثر عليهما في 23 تموز (يوليو) 2020 و2 تموز (يوليو) 2021، وأسقطتها تلك الدفاعات.
تقدّر “الأضواء الكاشفة للميليشيات” أن الجهة التي نفّذت الهجمات السابقة ربما تكون هي نفسها التي شغّلت الطائرات رباعية المراوح التي استُخدمت لاستهداف الكاظمي في 7 تشرين الثاني (نوفمبر) 2021. وتشير الخصائص التقنية للطائرات المسيرة (المظهر، نظام إدارة البطارية عالي الجودة، علبة البطارية المطبوعة بالتقنية ثلاثية الأبعاد، ونظام القياس عن بُعد، والكابلات المميزة) إلى تورّط فريق هندسي ماهر في الهجمات ضد خصوم “المقاومة” في العراق.
التداعيات السياسية
لم تتخذ “المقاومة” موقفاً موحّداً حول مسألة الهجوم بالطائرات من دون طيار. فقد أدان كلٌّ من “منظمة بدر” ونوري المالكي الهجوم ووصفاه بالاعتداء الحقيقي على رئيس الوزراء، حيث قال قائد “بدر” هادي العامري: “إننا ندين بشدة الاستهداف الذي حصل ليلة البارحة لمنزل رئيس مجلس الوزراء المحترم. ونطالب الجهات المختصة بالتحقيق في الموضوع والتثبت من الحقائق وكشف من يقف وراء ذلك ومحاسبته أياً كان. ونحذر من أن طرفاً ثالثاً يقف وراء الحدث من أجل خلط الأوراق وخلق الفتنة”. ومع أن العامري ما يزال يتخذ الحيطة، فمن الواضح أنه لن يذهب إلى حد ما ذهبت إليه “عصائب أهل الحق” أو “كتائب حزب الله”. وإذا كان قيس الخزعلي و”كتائب حزب الله” يسعيان إلى حمل عناصر “المقاومة” على التكاتف مرة أخرى من خلال مناوراتهم الاحتجاجية بين 4 و6 تشرين الثاني (نوفمبر)، فإن هجوم الطائرات من دون طيار قوّض هذا الهدف، ومن المحتمل أن يترك “عصائب أهل الحق” و”كتائب حزب الله” أكثر انعزالاً من ذي قبل، في حين أن الكاظمي نال دعماً قوياً في الخطابات الدولية بعد الهجوم بالطائرات المسيّرة. وقد يكون ذلك مؤشراً إضافياً على أن “عصائب أهل الحق” أو “كتائب حزب الله” أو كلا التنظيمين فاقدٌ للحس السياسي.
الغد