الباحثة شذى خليل *
كما هو معروف تعتمد ميزانية العراق العامة بأكثر من 95% على الإيرادات المالية المتحققة من بيع الذهب الأسود، حيث حجم الإنتاج النفطي أكثر من 4 ملايين برميل في اليوم، في حين يبلغ حجم التصدير أكثر من 3 ملايين برميل يوميا، وذلك وفقا لوزارة النفط العراقية، مما يجعله أكثر عرضا لتقلبات الأسعار التي تتأثر بالظروف التي تعصف بالعالم من أزمات سياسية او صحية او عسكرية واجتماعية وغيرها من طوارئ.
كانت لجائحة كورونا تأثير كبير على الناتج المحلي الإجمالي للعراق في عام 2020 ، والذي تقلص بنسبة 15.7٪ ، وتقلصت إيرادات الموازنة بنسبة 9٪ لتصل إلى 32٪ من الناتج المحلي الاجمالي ، مما أدى إلى انخفاض حاد في الإنفاق العام و الاستثمارات.
حيث زادت نسبة البطالة أكثر من 10% عما كانت عليه قبل الجائحة والتي كانت 12.7%، وتبقى المخاوف المتعلقة بالأمن الغذائي على الرغم من التزايد الأخير في الأسر التي تتلقى المنافع الاجتماعية من الحكومة وفي مقدمتها رواتب شبكة الحماية الاجتماعية والحصص الغذائية من نظام البطاقة التموينية ، فضلا عن الجهود التي بذلت في توفير اللقاحات لعلاج وباء كورونا .
مستشار الحكومة العراقية للشؤون الاقتصادية مظهر محمد صالح قال إن التراجع الحاد في معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي تراوح بين 9 إلى 10% وكان مؤثرا كبيرا في تراجع الاقتصاد الوطني، وجاء تحت تأثير نمطين ريعيين منخفضين أسهما في ذلك التراجع.
الأول نتيجة ضعف النمو الزراعي بسبب شح المياه وقلة الأمطار والجفاف، مما أدى إلى انخفاض مساهمة الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي حتى تحول العراق لمستورد صاف للمواد الغذائية من دول الجوار الإقليمي.
والنمط الآخر هو تدهور إسهام القطاع النفطي في الناتج المحلي الإجمالي وانخفاضه نحو النصف؛ وهو ما أسماها “الضربة الريعية المزدوجة” للناتج المحلي، أي ضربة انخفاض مساهمة “الزراعة والنفط” متمثلة في انخفاض وتدهور النمو الاقتصادي إلى جانب انغلاق الاقتصاد العالمي والمحلي بسبب جائحة كورونا، مما تسبب في تفاقم الحياة المعيشية التي وضعت نحو 2.7 مليون عائلة عراقية جديدة دون خط الفقر.
أزمة الديون تشكل عقبة أمام انتعاش الاقتصاد العراقي:
في المنظور الاقتصادي، تلجأ الدول عادة إلى الاقتراض الداخلي أو الخارجي عندما تكون إيراداتها العامة عاجزة عن تغطية النفقات العامة، التي تتطلبها الأحوال الطارئة؛ مثل الحرب وحالة التضخم الشديد لتمويل مشروعات التنمية، إلا أن مسودة الموازنة لعام 2021، التي صوّت البرلمان العراقي عليها، ثبت فيها العديد من القروض الخارجية، التي تُثقل كاهل العراق اقتصاديا، وتلزمه بدفع الديون حتى عام 2048 مع الفوائد المترتبة على تلك القروض.
من جهة نجح العراق عام 2004 في شطب نحو 100 مليار دولار أميركي من ديونه على خلفية توقيع اتفاقية نادي باريس، لحل الديون السيادية المترتبة بذمته لـ65 دولة، منها 19 دولة ضمن نادي باريس و46 دولة خارجه.
وكما هو معروف يعد نادي باريس مؤسسة غير رسمية تمثل تجمع الدائنين من الدول الغنية في العالم، والذي أنشئ عام 1956 نتيجة المحادثات، التي تمت في باريس بين حكومة الأرجنتين ودائنيها، ويتولى النادي مهمة إعادة هيكلة الديون السيادية للدول، أو تخفيف أعباء بعض الديون، أو حتى إلغاء بعضها مثلما حدث عندما قام النادي بإلغاء كافة ديون العراق في 2004.
وغالبا ما تستند قرارات النادي إلى توصية من صندوق النقد الدولي؛ لكن يصبح القرار السياسي للبلد رهنا بصندوق النقد الدولي.
مصادر رسمية حكومة تؤكد أن الديون الداخلية والخارجية بلغت 113 مليار دولار، تشمل 40 مليار دولار ديونا معلقة منذ ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، بالإضافة إلى تراكم الديون بسبب الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي، ومشاريع التنمية التي قدمتها بعض الصناديق العالمية، وتبلغ إجمالا 23 مليار دولار واجبة الدفع، وللحكومة العراقية ديون داخلية تبلغ 50 مليار دولار، إضافة إلى ديون معلقة لـ8 دول، منها إيران والسعودية وقطر والإمارات والكويت، وتبلغ 40 مليار دولار، وهذه الدول لم تشطب ديونها بعد، رغم أنها خاضعة لنادي باريس، وهناك 23 مليار دولار واجبة الدفع إلى صناديق تنموية.
الكويت لم تتنازل عن التعويضات الناجمة عن غزوها وظلت تطالب بها رغم سقوط النظام السابق (نظام صدام حسين) بكل أسبابه وظروفه الخاصة ، حيث تشكلت لجنة أممية للتعويضات في 1991، ألزمت بغداد بدفع 52.4 مليار دولار كتعويضات للأفراد والشركات والمنظمات الحكومية وغيرها.
من جهة أخرى هناك تفاؤل حسب ما ورد في بيان وزارة المالية العراقية والذي أشار إلى أن الاقتصاد العراقي يتعافى تدريجيًا من صدمته المزدوجة في عام 2020 المتمثلة بـ (انخفاض أسعار النفط وتفشي جائحة كورونا) ، أي في أعقاب الانكماش الذي أصابه نتيجة جائحة كورونا في العام الماضي ، وهذا يعود بشكل جزئي الى زيادة النشاط غير النفطي. ومن المتوقع أن يؤدي التحسن في ظروف سوق النفط العالمية إلى تعزيز النمو الاقتصادي على المدى المتوسط وتحويل الأرصدة المالية والخارجية إلى فوائض من عام 2021، لتعاكس الارتفاع الأخير في الديون. وتعود مخاطر الهبوط الرئيسة الى التطورات الوبائية المحتملة، وتقلب أسعار النفط، وانتكاسات الوضع الأمني، وتعرقل تنفيذ الإصلاح الاقتصادي.
حيث تقرأ الإحصاءات الى الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.9٪ للنصف الاول من عام 2021، ونمو الاقتصاد غير النفطي بنسبة تزيد عن 21 % في النصف الأول من عام 2021 وهذا يعود لقوة الأداء في قطاعات الخدمات بعد تخفيف تدابير الوقاية من فيروس كورونا المستجد، بعد انتشار حملة التطعيم وانخفاض الإصابات.
حيث بدأ تحسن في قطاع النفط، بنسبة 10 % في النصف الأول من عام 2021 ، حيث عدل العراق حصته في أوبك في وقت مبكر من العام. ومنذ ذلك الحين ، زادت أوبك من حصة إنتاج الدول الأعضاء تدريجيا مما انعكس على زيادة في الناتج المحلي الإجمالي وبلغ معدل التضخم العام والأساسي في العراق في الفترة من كانون الثاني الى تموز 2021 ، 5.2 % و 6.3 % على التوالي ، بسبب زيادة الطلب المحلي وعدم كفاية المعروض السلعي على تلبية كامل الطلب المتزايد ، إلى جانب تأثر التضخم إيجابيا بسبب انخفاض أسعار الواردات في بعض البلدان المصدرة التي تواجه تدهور في قيمة عملاتها المحلية .
وتُظهر البيانات المالية للنصف الأول من عام 2021 مكاسب مهمة في إيرادات الموازنة (زيادة بنسبة 42 %) حيث ارتفع معدل السعر التصديري بما لا يقل عن 64 دولارًا أمريكيًا للبرميل. وقد تضاعفت هذه المكاسب في الموازنة أيضًا بسبب الآثار المالية لتخفيض قيمة العملة في العام الماضي. إضافة الى ذلك ، بدأت إصلاحات الهيئة العامة للكمارك والهيئة العامة للضرائب الواردة في قانون موازنة 2021 تؤتي ثمارها ، حيث ارتفعت الإيرادات السيادية عما كانت عليه سابقا بنسبة 53% . مما أسهم في تخفيض عجز الموازنة العامة .
على الصعيد الخارجي ، تحول عجز الحساب الجاري أيضًا إلى فائض بنسبة 4.7 % من الناتج المحلي الإجمالي في الربع الاول من عام 2021 مما اسهم في ارتفاع إجمالي الاحتياطيات الرسمية للبنك المركزي العراقي بنحو 5 مليارات دولار أمريكي لتصل إلى 58.5 مليار دولار أمريكي في الربع الأول من عام 2021 مقارنة بـ 54 مليار دولار أمريكي في نهاية عام 2020.
وحسب المحللين الاقتصاديين، فإنه وعلى الرغم من أن عائدات النفط العراقي في الأشهر الأخيرة وصلت إلى ضعف عائدات العام الماضي، فإن مؤشرات النمو في الناتج المحلي الإجمالي ما زالت متواضعة تقارب 1% فقط، وهذا نمو متباطئ يبقى دون معدل نمو السكان السنوي البالغ 2.6%، وسيتولد عنها مشكلات في الرفاهية الاقتصادية وعدالة توزيع الدخل بين السكان.
ختاما يبقى الوضع الاقتصادي غير مستقر ويخضع للتقلبات وبحاجة إلى المزيد لخطط التنمية والاستثمار والبناء وتعزيزها بخطوط التكنولوجيا العصرية والرقمية لتحقيق طفرة في النمو الاقتصادي لا تقل عن 5%، حيث تمثل ضعف معدلات نمو السكان على وجه التقريب، ومن ثم الزحف لمعدل الهدف المنشود للنمو بمعدل 7%.، كي ترتقي التحسينات الطفيفة لتصل الى مستوى لائق لبلد نفطي مثل العراق.
حيث ومن المتوقع أن يتعافى الاقتصاد تدريجياً على خلفية ارتفاع أسعار النفط وزيادة حصص إنتاج أوبك التي من المقرر إلغاؤها تدريجياً في عام 2022. وسيكون الناتج المحلي الإجمالي النفطي المحرك الرئيس للنمو على المدى المتوسط. ومن المتوقع أن يتحسن الناتج المحلي الاجمالي غير النفطي، لكنه سيظل بمتوسط نمو أقل من 3٪ بين الأعوام 2021- 2023 بسبب الأجيال المتحورة من فيروس كورونا، إضافة الى التحديات التي يواجهها الاقتصاد العراقي وفي مقدمتها نقص المياه والطاقة الكهربائية التي تؤثر على الزراعة والصناعة.
وحدة الدراسات الاقتصادية/ مكتب شمال امريكا
مركز الراوبط للبحوث والدراسات الاستراتيجية