يواجه الإطار التنسيقي الذي يضم القوى الخاسرة في الانتخابات التشريعية العراقية تحدّيات كبرى لعل أبرزها التباينات الكثيرة في صفوفه والمرجّح أن تتفاقم بعد حسم نتائج الاستحقاق.
بغداد – تحاول القوى الممثلة داخل الإطار التنسيقي أن تبدو منسجمة ومتحدة في الموقف، لكنها في واقع الأمر أبعد من ذلك، لاسيما في كيفية التعاطي مع نتائج الانتخابات، حيث توجد تباينات كبيرة، غير مستبعد أن تنفجر بعد إعلان المفوضية العليا للانتخابات عن النتائج النهائية ومصادقة المحكمة الاتحادية عليها.
وقالت مصادر مطلعة لـ”العرب”، إن حالة ارتياب شديدة بين قادة قوى الإطار التنسيقي خصوصا في صفوف ميليشيات تحالف الفتح، الذين يخشون من إقدام حلفائهم في الإطار على الاتفاق مع التيار الصدري وتهميشهم.
وعزت المصادر حالة الارتياب المتزايدة إلى قيام بعض قادة القوى المنضوية في الإطار التنسيقي بالعمل بشكل منفرد خصوصا في ما يتعلق بالتفاوض مع الكتل الأخرى.
وفشل مؤخرا اجتماع لقادة الإطار التنسيقي كان من المقرر عقده في منزل زعيم ائتلاف “دولة القانون” نوري المالكي. وعزت أوساط سياسية مقربة أسباب الفشل إلى وجود مواقف ترى بعدم ضرورة عقد لقاءات سياسية قد يفهم منها أنه تم تجاوز قضية “تزوير” الانتخابات.
وتتفق قيادات الإطار التنسيقي في الموقف حيال وقوع “خروقات” انتخابية لصالح أطراف بعينها بينما تختلف حول كيفية معالجة هذا الوضع بين قوى تميل إلى ممارسة الضغط السياسي والقانوني على غرار تيار الحكمة وتحالف النصر، وأخرى تتمسك بالخيارات المفتوحة في التصدي لما تعتبره تزويرا واسعا شاب النتائج الأولية.
وجاء ذلك في بيان غداة لقاء جمع قادة الإطار مع ممثلة الأمم المتحدة جنين بلاسخارت في منزل زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم، الذي كان تقدم في وقت سابق بمبادرة لحل الأزمة قوبلت برفض من التيار الصدري المتصدر لنتائج الاستحقاق.
وأفاد البيان بـ”توافر الأدلة والمعطيات الواضحة والأكيدة على الخلل الكبير الذي رافق مجريات الانتخابات العراقية، والذي يبيّن بلا أدنى شك وقوع عمليات سرقة ممنهجة لأصوات صحيحة”.
وأوضح أنه “تم استعراض بعض الأدلة في اجتماع مساء الخميس، بحضور جنين بلاسخارت رئيسة البعثة الأممية لمساعدة العراق، والتي طلبت استضافتها في الإطار التنسيقي للاستماع إلى أوجه اعتراضه على نتائج الانتخابات”.
وأضاف أن “الاجتماع تناول الإشكالات الفنية والقانونية في احتساب وإعلان نتائج الانتخابات، وقدم شرحا مفصلا مدعما بالأدلة على الخلل الكبير الذي رافق العملية الانتخابية والتلاعب الواضح في احتساب النتائج وإعلانها”.
وأكد الإطار التنسيقي على “المضي في المسار القضائي في الطعن على نتائج الانتخابات، حرصا على استقرار العملية السياسية وتعزيز ثقة الجمهور بالعملية الانتخابية”.
ويرى مراقبون أن الوضع يزداد تعقيدا داخل الإطار التنسيقي خصوصا مع بدء العد التنازلي للإعلان عن النتائج النهائية، والمرتقب أن يجري الأسبوع المقبل، لاسيما بعد انتهاء الهيئة القضائية في مفوضية الانتخابات من النظر في الطعون المقدمة والتي قبلت منها سبعة طعون من أصل 1200 طعن تقدمت بها القوى الخاسرة في الانتخابات.
ويبدو وضع تحالف الفتح الذي يشكل المظلة السياسية للميليشيات الموالية لإيران الأكثر سوءا، خصوصا بعد خطاب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي وضع حزمة شروط مستحيلة لمشاركة التحالف الموالي لإيران في الحكومة المقبلة من ضمنها حل الفصائل المسلحة دفعة واحدة وتطهير الحشد الشعبي من العناصر المنفلتة، فيما بدا أن المعنيين كتائب حزب الله العراقي، وعصائب أهل الحق.
وأعلن الصدر الجمعة عن حل تشكيل لواء اليوم الموعود وغلق مقاره كبادرة حسن نية. وقال رجل الدين الشيعي في تغريدة على تويتر “كبادرة حسن نية مني أعلن حل تشكيل لواء اليوم الموعود، وغلق مقراتهم، ولولا أنهم سلموا سلاحهم لسرايا السلام سابقا أو ما يسمّى حاليا لواء 313 و314 و315 في سامراء، لأمرتهم بتسليم سلاحهم ولأطاعوا فهم مازالوا مخلصين لنا ولوطنهم”.
وأضاف الصدر في تغريدته “وإن وجد فعليهم خلال مدة 48 ساعة عسى أن تكون هذه الخطوة بداية لحل الفصائل المسلحة، وتسليم أسلحتهم وغلق مقراتهم، بل وتكون رسالة أمان وسلام للشعب كافة، فعلى مسؤول اللواء تنفيذ هذا القرار”.
و”لواء اليوم الموعود” حركة مسلحة أسسها مقتدى الصدر في سبتمبر من العام 2008 بهدف مقاومة الوجود الأميركي في العراق.
ويرى مراقبون أن حل لواء اليوم الموعود هو محاولة من الصدر لإحراج الميليشيات، التي من غير الوارد أن تقبل بشروط الصدر، حيث أن السلاح يشكل مصدر قوتها، وبفقدانه ستخسر حضورها.
وتقول المصادر المطلعة إن التباينات المسجلة في صفوف القوى الخاسرة لا تقف فقط عند أعتاب القوى المنضوية ضمن الإطار التنسيقي بل تتعداها إلى تحالف الفتح نفسه الذي يواجه خلافات وعدم ثقة متصاعدة بين زعيم عصائب أهل قيس الخزعلي ورئيس منظمة بدر هادي العامري، بشأن أي تسوية مقبلة تحفظ ماء الوجه.
ويرى مراقبون أن الخيارات المتاحة قليلة جدا أمام الإطار التنسيقي وخاصة كتلة الفتح متعددة الفصائل والزعامات قليلة المقاعد.
وقال السياسي العراقي المستقل جبار المشهداني “بغض النظر عن الصراع داخل منظومة الفتح على زعامتها التي ربما تؤول إلى الخزعلي كبديل عن العامري، فهناك تحدّ آخر وهو إمكانية انفراط عقد الإطار في حال منح مقتدى الصدر وزارات كافية لدولة القانون أو حصلت حالة تقارب ومصالحة بين نوري المالكي والصدر”.
ولطالما طغى التوتر على العلاقة بين الصدر والمالكي وسبق وأن هاجم رجل الدين الشيعي رئيس الوزراء الأسبق خلال الحملة الانتخابية.
حل لواء اليوم الموعود محاولة من الصدر لإحراج الميليشيات التي من غير الوارد أن تقبل بشروط مقتدى حيث أن السلاح يشكل مصدر قوتها وبفقدانه ستخسر حضورها
وهناك حالة عداء مستفحلة بين الرجلين اللذين سبق وأن تواجها خلال ولاية نوري المالكي الأولى بين سنتي 2006 و2010 حينما أمر الأخير القوات الحكومية بشن حملة عسكرية على الميليشيا التابعة للصدر والمعروفة آنذاك بجيش المهدي.
ويرى متابعون أن في السياسة لا عداء دائم ولا صداقة دائمة، خصوصا في حضرة الصدر المعروف عنه تقلباته، وبالتالي فإن خيار تحالف الطرفين يبقى واردا، وقد تدفع باتجاهه إيران، وهو ما يقلق الميليشيات.
واعتبر المشهداني في تصريح لـ”العرب” إن التحدي الأخطر الذي قد يواجه تحالف الفتح ، هو دفع ثمن أي تقارب إيراني خليجي أو إيراني أميركي.
وظهر “الإطار التنسيقي”، لأول مرة في المشهد العراقي عقب الإعلان عن نتائج الانتخابات الشهر الماضي، كغطاء يجمع القوى الموالية لطهران قبل أن يتوسع ويشمل الرافضين من الأطراف الشيعية للنتائج الأولية للاستحقاق.
ويضم الإطار كل من ائتلاف “دولة القانون” بزعامة نوري المالكي، وتحالف “الفتح” بقيادة هادي العامري، و”عطاء” برئاسة رئيس “الحشد الشعبي” فالح الفياض، إلى جانب “تيار الحكمة” بزعامة عمار الحكيم، وتحالف “النصر” بقيادة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي.
العرب