كوبنهاغن – تواصل الاتحادات الخمسة لكرة القدم في دول الشمال الأوروبي ضغطها حيال حقوق العمال الأجانب، مع التزامها بمعارضة استضافة قطر لكأس العالم لكرة القدم في العام المقبل.
وتقود دول الشمال الأوروبي وهي الدنمارك والسويد وفنلندا والنرويج وآيسلندا، حملة لدفع الدوحة والاتحاد الدولي للعبة (فيفا) إلى تحسين ظروف العمال الأجانب في الدولة الخليجية.
وبلغت القضية ذروتها في يونيو الماضي، عندما أجرى الاتحاد النرويجي لكرة القدم تصويتا حيال مقاطعة المونديال من عدمها. وصوّت المندوبون في نهاية المطاف ضد المقاطعة، لكن التصويت سلّط الضوء على المخاوف في النرويج، موطن أحد نجوم كرة القدم في العالم وهو مهاجم بوروسيا دورتموند الألماني إرلينغ هالاند.
ومنذ سنوات، تواجه قطر حملة تنديد واسعة لمطالبتها بتحسين ظروف العمال واحترام حقوقهم، وهو ما أرغمها على إجراء العديد من الإصلاحات في أوضاع العمال، والتي شملت تشديد قواعد مصممة لحماية العمال من الحرارة ورفع الحد الأدنى للرواتب، لكنها تظل غير كافية.
المنتخب الدنماركي لكرة القدم يخطط لاتخاذ العديد من الخطوات لإلقاء الضوء على قضايا حقوق الإنسان في قطر
وتصرّ السلطات القطرية على أنها فعلت أكثر من أي دولة في المنطقة لتحسين رفاهية العمال، وترفض تقارير وسائل الإعلام الدولية حول وفاة الآلاف من العمال المهاجرين.
لكن منظمة العفو الدولية أكدت في تقرير الثلاثاء أن “الواقع اليومي للعديد من العمال الأجانب في البلاد لا يزال قاسيا، على الرغم من التغييرات القانونية التي أُدخلت منذ عام 2017”.
ودعت المنظمة قطر إلى إلغاء نظام الكفالة الذي يسمح للشركات بمنع عمالها من تغيير وظائفهم أو مغادرة البلاد.
وخلص تحليل لصحيفة الغارديان البريطانية في فبراير الماضي إلى أن 6500 عامل مهاجر من جنوب آسيا توفوا في قطر منذ 2010.
وقالت منظمة العمل الدولية الجمعة إن قطر لا تحقق في الوفيات المرتبطة بالعمل ولا تبلغ عنها على نحو دقيق، بما في ذلك وفيات بلا تفسير لعمال يتمتعون بصحة جيدة فيما يبدو.
ويشكل الأجانب غالبية سكان قطر التي تواجه تدقيقا بشأن أوضاع العمال لديها قبل استضافة بطولة كأس العالم.
وذكرت المنظمة أن البيانات التي جمعتها مراكز تديرها الحكومة لعلاج الإصابات والإسعاف في العام الماضي، كشفت أن 50 عاملا توفوا وأكثر من 500 تعرضوا لإصابات بالغة.
وقال التقرير “معظم الإصابات في صفوف العمال المهاجرين من بنغلاديش والهند ونيبال، لاسيما من يعملون في قطاع البناء والإنشاءات. وتمثلت الأسباب الأكثر شيوعا للإصابات الخطيرة في السقوط من أماكن مرتفعة والحوادث المرورية، يليها تساقط الأشياء في مواقع العمل”.
وذكرت المنظمة أن الأعداد قد تكون أعلى، لكن السلطات لا تصنف كافة الوفيات المرتبطة بالعمل على هذا النحو، ويشمل ذلك وفيات بلا تفسير لعمال أصحاء ووفيات مرتبطة بالحرارة.
وإلى جانب المنظمتين الدوليتين، مضت اتحادات دول الشمال الأوروبي لكرة القدم في حملتها الضاغطة، رغم عدم انضمام أي من اتحادات الفيفا التي يزيد عدد أعضائها عن 200 عضو إلى تلك المبادرة.
ويقول رئيس الاتحاد الدنماركي ياكوب ينسن “نحن ضد استضافة قطر لكأس العالم، اعتقدنا أنه كان قرارا سيئا”.
وأضاف “هذا خطأ من نواح كثيرة. بسبب وضع حقوق الإنسان، والبيئة، وبناء ملاعب جديدة في دولة ذات سعة ملاعب ضئيلة للغاية”.
وينشر الاتحاد الدنماركي الذي يقود الحملة بانتظام رسائل دول الشمال الموجهة إلى الفيفا ويرتب لقاءات مع مسؤولين قطريين، بما في ذلك لقاء في أكتوبر الماضي مع الأمين العام للجنة العليا للمشاريع والإرث القطري حسن الذوادي.
ويخطط المنتخب الدنماركي لاتخاذ العديد من الخطوات لإلقاء الضوء على قضايا حقوق الإنسان في قطر، حيث سيفسح راعيا ملابس تدريب المنتخب المجال أمام وضع رسائل انتقاد لقطر، كما سيقلّصان عدد زياراتهما إلى الدوحة لتجنب أيّ أنشطة تجارية من شأنها الترويج للأحداث في الدولة الخليجية.
لكن دول الشمال أثارت أيضا قضايا أخرى، من بينها “هل سيسمح لمثليي الجنس بحضور كأس العالم؟ هل سيتمكن الرجال والنساء من حضور المباريات معا؟ هل ستتمتع الصحافة بحرية الوصول إلى جميع أنواع القضايا لإجراء التحقيقات في البلاد؟”.
ويقول ينسن إن “كل الإجابات التي تلقيناها كانت نعم. لذا بالطبع سنحمّلهم مسؤولية ذلك”.
أما في النرويج، ومع انتفاء التهديد بالمقاطعة، خصوصا إثر عدم تأهل المنتخب الإسكندنافي إلى النهائي، ركّز الاتحاد على محاولة الضغط على الدوحة والفيفا لإحداث تغييرات.
وأوصت لجنة خبراء بـستة وعشرين تدبيرا تريد اعتمادها، بما في ذلك إنشاء مركز موارد للعمّال الأجانب ونظام تنبيه للكشف عن انتهاكات حقوق الإنسان وإبلاغ العالم الخارجي.
وعلى غرار منتخبات أخرى، احتج المنتخب النرويجي قبل كل مباراة خاضها بارتداء قمصان أو رفع لافتات كالتي رفعت خلال مباراته الأخيرة ضد تركيا، كتب عليها “اللعب النظيف للعمال الأجانب”.
لكن دول الشمال الأوروبي لم تتصرّف دائما بثبات وتناسق مع حملتها، فالشهر الماضي وفي أحد ملاعب كوبنهاغن، صدرت أوامر لمشجع دنماركي بإنزال لافتة تنتقد كأس العالم في قطر، إذ إنها تتعارض مع قوانين الفيفا حيال التصريحات السياسية.
ويخطّط الاتحاد السويدي لإقامة معسكر تدريبي شتوي لمنتخب بلاده في قطر، كما جرت العادة منذ العام 2019.
لكن تلك الخطط سقطت في نهاية المطاف بعدما احتجت الأندية السويدية المحترفة على ذلك، واعتباره قرارا “أحمق”، خصوصا وأن رئيس الاتحاد الدنماركي نفسه هاكان سيوستراند كان في طليعة من أطلقوا حملات الضغط.
ويقول رئيس رابطة الدوريات المحترفة في السويد ينس أندرسون إن الأندية أرادت إرسال “إشارة”، لافتا إلى أن بعضها لديها قواعد تنظم أنشطتها “في البلدان التي تنتهك حقوق الإنسان”.
وتحدّث لاعبون بشكل فردي أيضا عن هذه القضية في بعض الأحيان. فقد أطلق قائد منتخب فنلندا تيم سبارف الأسبوع الماضي نداء مشتركا مع منظمة العفو الدولية طالب فيه الفيفا بضمان احترام حقوق الإنسان، مضيفا “نحن مدينون لأولئك الأشخاص الذين عملوا لسنوات في ظروف سيئة”.
العرب