لندن- توقفت حروب المخابرات لعقود بعد تفكك الاتحاد السوفييتي وتفرغ الاستخبارات الدولية للاستثمار في الناطقين بالعربية لمتابعة الإرهابيين الإسلاميين. لكن هذه الحروب تعود الآن مع عودة الصراع الروسي – الغربي إلى الواجهة، خاصة مع استمرار الحرب في أوكرانيا لأكثر من عام، واتهامات غربية لروسيا بالتدخل في بريكست والتأثير على الانتخابات الأميركية.
وبدأت بعض الحكومات تتحدث عن الانشغال باختراقات استخبارية ناشئة بعد أن كان التركيز منصبا على مطاردة تحركات تنظيم داعش. وتزايدت الاتهامات لروسيا أو الولايات المتحدة أو الصين بالتجسس.
وقال المدير العام لوكالة الاستخبارات الأمنية الأسترالية مايك بورغيس إن “التهديد المتزايد للتدخل الأجنبي في الحكومة ومجتمع الأعمال بأستراليا، جعل وكالة الاستخبارات المحلية مشغولة أكثر مما كانت عليه بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، أو أكثر من أي وقت مضى خلال فترة الحرب الباردة”.
ونقلت وكالة بلومبيرغ عن بورغيس قوله في خطابه السنوي لتقييم التهديدات الثلاثاء إن التدخل الأجنبي تجاوز الإرهاب، باعتباره “الشاغل الأمني الرئيسي” بالنسبة إلى وكالة الاستخبارات الأمنية الأسترالية.
وقال إن أستراليا تواجه تحديا غير مسبوق من أعمال التجسس والتدخل الأجنبي، وفككت “خلية من الجواسيس” كانت تعمل لصالح جهاز استخبارات أجنبي، وإن بعض الجواسيس قد “تمت الاستعانة بهم قبل أعوام سابقة”.
وإذا كان بورغيس لم يذكر الجهة التي تقف وراء عملية التجسس، هل هي الصين أم روسيا أم جهة أخرى، فإن لينا هالين رئيسة جهاز الأمن والاستخبارات العسكرية السويدي قالت الاثنين إن “روسيا تشكل تهديدا عسكريا واضحا في المنطقة القريبة من الأراضي السويدية لكن القوات الروسية منشغلة بالحرب في أوكرانيا”.
وأضافت هالين في مؤتمر صحفي “لم يعد النظام الأمني الأوروبي كما نعرفه. وهذا يؤدي إلى زيادة المخاطر على الأمن السويدي”.
وتشير هالين إلى التطورات الناشة عن حرب أوكرانيا، وعودة حركة التجسس في أجواء تعيد إلى الأذهان مناخ الحرب الباردة وخاصة معارك وكالتيْ الاستخبارات “كي جي بي” الروسية و”سي أي أيه” الأميركية، وعمليات اكتشاف وطرد الجواسيس.
وتقول تقارير غربية إن روسيا حققت اختراقات استخبارية استثنائية في دول مثل بريطانيا والولايات المتحدة، وتتهم بأنها تدخلت في بريكست وانتخابات الرئاسة الأميركية عن طريق الهجمات الإلكترونية، ولا يمر أسبوع دون طرد دبلوماسيين روس وغربيين.
وفي الأشهر الأخيرة اشتدت حرب التجسس، وازداد التخوف الغربي من اختراق روسي واسع، ما اضطر عواصم غربية إلى طرد غير مسبوق لأكثر من 500 مسؤول روسي.
ويصنف هؤلاء المسؤولون رسميا بأنهم دبلوماسيون، لكن يُعتقد أن غالبيتهم من ضباط المخابرات السريين. وقد ينفذ البعض منهم عمليات تجسس تقليدية -من خلال تنمية اتصالاتهم وتجنيد العملاء الذين يمكنهم نقل الأسرار- وهو ما تفعله الدول الغربية أيضاً داخل روسيا.
ويقول مسؤولون أمنيون إنهم يعتقدون أن حجم عمليات الطرد خلال فترة قصيرة سيكون له تأثير “مُنهِك” على المخابرات الروسية، التي تسعى جاهدة لمعرفة كيف يمكن لها مواصلة العمليات وكيفية توزيع عناصرها وفي أي الأماكن.
وقد ردت روسيا بالمثل وطردت دبلوماسيين غربيين؛ حيث تم طرد 40 دبلوماسيا ألمانيًّا، وهو ما يمثل نحو ثلث الوجود الدبلوماسي بأكمله في موسكو.
وقد تستمر معارك التجسس في التصاعد، لاسيما وأن النشاط السري يقدم إلى موسكو خيارا واحدا يتمثل في استهداف خطوط الإمداد التي تجلب إلى أوكرانيا المساعدة العسكرية.
ولم تقف معارك التجسس الناشئة عند حدود الحرب التقليدية بين روسيا والغرب، فقد أثار تحليق منطاد صيني فوق كندا والولايات المتحدة مخاوف من أن يكون هذا التحليق جزءا من خطط تجسس صينية، ما دفع البلدين إلى إسقاط المنطاد.
وأبلغ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن نظيره الصيني وانغ يي بأن حادث المنطاد الذي أسقطه الجيش الأميركي “يجب ألا يتكرر أبدا”، وذلك خلال اجتماع نادر السبت الماضي في ميونخ بألمانيا.
وتعتقد واشنطن أن المنطاد الصيني الذي أسقطته بعد دخوله الأجواء الأميركية جزء من مجموعة أكبر من المناطيد المماثلة التي تغطي خمس قارات.
وقال بلينكن في تصريحات سابقة إن الولايات المتحدة لم تكن “الهدف الوحيد ضمن البرنامج الواسع”. وأضاف أن واشنطن شاركت المعلومات التي جمعتها من حطام المنطاد مع عشرات الدول الأخرى.
وقال مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية “من الواضح أن القصد من هذا المنطاد هو المراقبة، ومساره الحالي يقوده فوق عدد من المواقع الحساسة”. لكنه قلل من خطر هذا المنطاد، وقال إنه لا يعتقد أنه يشكل تهديدا استخباريا خطيرا. وأضاف المسؤول “نحن نقدّر أن هذا المنطاد له قيمة مضافة محدودة من منظور جمع المعلومات الاستخبارية”.
ونفت الصين استخدام المنطاد لأهداف التجسس، وقالت إنه جهاز لرصد الطقس انحرف عن مساره.
العرب