فجّرت دعوة زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر، يوم الخميس الماضي، إلى حل المليشيات وتسليم سلاحها للدولة، ردات فعل مقابلة من القوى الحليفة لإيران، طالبت خلالها الصدر بأن يُقدم هو أولاً على تفكيك فصائله المسلحة، بينما ذهبت أخرى للتصعيد في الدعوة إلى “التعبئة العامة” استعداداً لحرب مفتوحة ضد الولايات المتحدة، في حال تخلفت عن تنفيذ اتفاق سحب قواتها القتالية في 31 ديسمبر/كانون الأول المقبل. وأعقب دعوة الصدر إلى حل الفصائل المسلحة وحصر السلاح بيد الدولة، إعلانه، أول من أمس الجمعة، حل مليشيا “لواء اليوم الموعود”، وهو تشكيل عسكري خاص يتبع التيار الصدري، إلى جانب فصائل أخرى مثل “جيش المهدي”، و”سرايا السلام”، و”المهمات الخاصة”. وأفاد الصدر في بيان، أنّه قرر حل “لواء اليوم الموعود”، كبادرة حسن نيّة منه، مؤكداً أن “سرايا السلام” تعمل ضمن “الحشد الشعبي”، في إشارة إلى أنّها باتت قوة منظمة.
إعلانات حلّ الفصائل جزء من مناكفة بين الصدريين و”الفصائل الولائية”
في المقابل، ردت مليشيا “كتائب حزب الله”، في بيان للمتحدث باسمها أبو علي العسكري، قال فيها إنه قرر حل “سرايا الدفاع الشعبي”، وهو اسم وهمي لا وجود له، بحسب مسؤولين عراقيين ومراقبين أمنيين. فيما رفضت ما تسمى بـ”الهيئة التنسيقية للمقاومة الإسلامية العراقية”، التي تضم المليشيات الحليفة لإيران، الاستجابة لدعوة تسليم سلاح الفصائل، وذكرت في بيان: “نؤكد بأن سلاح المقاومة الشريفة الذي كثر الكلام عنه في الأيام الماضية، وعكف بعضهم مصرّاً على زجه في المناكفات السياسية الأخيرة، سيكون حاضراً لتقطيع أوصال الاحتلال ما إن تحين اللحظة وتنتهي المهلة يوم 31/12/2021” في إشارة إلى الموعد المفترض لانسحاب القوات القتالية الأجنبية من العراق وفقاً لاتفاق سابق بين بغداد وواشنطن.
ولم تعلّق السلطات العراقية على المناوشات الإعلامية بين قادة الفصائل المسلحة من جهة وبين التيار الصدري من جهة أخرى، والتي تعتبر الأكثر حدة منذ سنوات، لكن مسؤولاً عراقياً في وكالة الاستخبارات بوزارة الداخلية قال لـ”العربي الجديد”، إن إعلانات حلّ الفصائل جزء من مناكفة بين الصدريين و”الفصائل الولائية”. ويستخدم في العراق مصطلح “الفصائل الولائية”، في إشارة للقوى الحليفة لإيران. وأضاف المسؤول أن لا وجود لفصيل مسلح اسمه “سرايا الدفاع الشعبي”، وهو مثل تسميات أخرى كفصيل “أصحاب الكهف” و”فصيل قاصم الجبارين” وغيرها. ووصفها بأنها عناوين مضللة تستخدمها “كتائب حزب الله”، مؤكداً أن إعلان الصدر عن حل “لواء اليوم الموعود” غير حقيقي، لأن الفصيل أساساً مندمج مع “سرايا السلام”، والقوى السياسية والفصائل المسلحة تعلم بذلك، لهذا قابلت “كتائب حزب الله” إعلان الصدر بحل الفصيل بإعلان مماثل عن أحد تشكيلاتها الوهمية. واعتبر أن المناوشات الحالية جزء من التوتر السياسي العام في البلاد، لكنّ الخطورة تكمن في كونها صارت ضمن إطار قوى السلاح وليست الأحزاب فقط.
في المقابل، كان زعيم مليشيا “كتائب سيد الشهداء” أبو آلاء الولائي، قد دعا أنصاره للتطوع في صفوف جماعته المسلحة استعداداً لقتال القوات الأميركية، في رد واضح على دعوة الصدر بحل الفصائل المسلحة. وأفاد في بيان أمس السبت، أنه “مع اقتراب ساعة الحسم والمنازلة الكبرى، تعلن المقاومة الإسلامية كتائب سيد الشهداء عن فتح باب الانتماء والتطوع لصفوفها وتدعو فصائل المقاومة لرفع مستوى الجهوزية تحضيراً للمواجهة الحاسمة والتاريخية مع الاحتلال الأميركي في 31/ 12/ 2021 بعد الساعة 12 ليلاً”.
وردت قيادة العمليات العراقية المشتركة على ادّعاءات الفصائل المسلحة، نافية أي حديث عن تمديد موعد انسحاب القوات الأميركية من البلاد. وذكر المتحدث باسم قيادة العمليات العراقية المشتركة، اللواء تحسين الخفاجي، في خبر بثته وكالة الأنباء العراقية الرسمية “واع”، مساء أول من أمس الجمعة، أنّ “الحديث عن تمديد موعد انسحاب القوات الأميركية غير دقيق وغير صحيح” مشيراً إلى أنّ موعد خروج القوات القتالية الأجنبية “ثابت ولا تغيير فيه”. ولفت إلى أنّ “العلاقة بين الطرفين بعد خروج القوات القتالية ستكون استشارية في مجالات التدريب والتسليح والمعلومات الاستخبارية والأمنية ضد تنظيم داعش”.
كتائب حزب الله: هناك محاولات مكشوفة لحلّ الحشد الشعبي
من جهته، قال عضو حركة “حقوق” التابعة لمليشيا “كتائب حزب الله”، أحمد السيد هاشم، إن “ما يطلبه مقتدى الصدر حالياً هو سحب أسلحة فصائل المقاومة الإسلامية بحجة أنها منفلتة، وهذا غير صحيح”، مشيراً إلى أن هذه الفصائل “عبارة عن ألوية تتبع الحشد الشعبي، وأسلحتها هي أسلحة الدولة، بالتالي ليس من المنطقي تفكيك أو حل قوة عسكرية تابعة للدولة وخاضعة لأوامر القائد العام للقوات المسلحة”. واعتبر في حديثٍ مع “العربي الجديد” أنّ “هناك محاولات باتت مكشوفة لحلّ الحشد الشعبي، عبر تصنيفه مجموعة فصائل ومليشيات بحسب سياسيين من بينهم مقتدى الصدر، وهذا يخالف القانون، إذ لا يمكن اعتبار الحشد الشعبي قوة خارجة عن القانون. بالتالي، فإنّ مثل هذه التعليقات لا تزيد من الوضع إلّا توتراً وتعقيداً، ولا بدّ من خفض لهجة العداء للحشد الشعبي”.
وتعليقاً على ذلك، رأى الباحث أحمد العبيدي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “الصدر يشعر بخطر الحشد الشعبي منذ عام 2017، أي منذ انتهاء الحرب على تنظيم داعش ودخول الفصائل المسلحة ضمن تحالف الفتح، وحصولها على مغانم ومناصب مهمة في حكومة عادل عبد المهدي. لذلك شنّ خطاباً حاداً تجاه الحشد الشعبي من باب الفصائل المسلحة التي تحمل سلاحاً منفلتاً، لكن الاتفاق الذي جرى بينه وبين هادي العامري (زعيم تحالف الفتح) عام 2018، أنهى هذا التوجه، وبعد مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني (في 3 يناير/كانون الثاني 2020)، وجد الصدر نفسه أمام فسحة لا يتوفر فيها من يعترض طريقه في نقد المليشيات”.
ولفت إلى أنّ “الصدر بادر إلى حل مليشيا لواء اليوم الموعود، مع العلم أنها منصهرة ضمن سرايا السلام أصلاً”، واصفاً هذه الخطوة بأنها “حركة لا تحمل أي شكل من أشكال الذكاء السياسي، ولو أنه كان جاداً في خطوة حل الفصائل والمليشيات لأمر بحل سرايا السلام، أو أقله محاولة التنسيق مع الحكومة لدمجها مع الجيش والشرطة وبقية القوات العراقية النظامية، لكن ما صدر عن الصدر لا يمثل إلا حركة سياسية للنيل من خصومه التابعين لإيران”.
صحيفة العربي