واشنطن– بعد أشهر من تجاهل دول تحالف “أوبك بلس” ضغوط الرئيس الأميركي جو بايدن من أجل زيادة إنتاج النفط، لجأ بايدن إلى الاحتياطي الإستراتيجي الأميركي من النفط في محاولة للسيطرة على ارتفاع الأسعار حول العالم، في وقت بلغت فيه معدلات التضخم في الولايات المتحدة أرقاما قياسية خلال الأسابيع الماضية.
يذكر أن فكرة الاحتفاظ باحتياطي إستراتيجي للنفط الأميركي جاءت رد فعل للصدمة النفطية عقب حرب 1973، التي نتج عنها انقطاع نسبة كبيرة من إمدادات النفط الخام.
ماذا يعني السحب من الاحتياطي الإستراتيجي الأميركي؟
في بيان صدر أمس، قال البيت الأبيض “إن الرئيس بايدن مستعد لاتخاذ إجراءات إضافية إذا لزم الأمر، ومستعد لاستخدام سلطاته الكاملة التي تعمل بالتنسيق مع بقية العالم للحفاظ على إمدادات كافية ونحن نخرج من الوباء”.
يأتي إعلان أمس الثلاثاء في أعقاب فشل الإدارة الأميركية خلال الأشهر الماضية في ضبط أسعار النفط، في ظل ارتفاعات مستمرة وصلت معها العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط إلى أعلى مستوى لها في 7 سنوات لما فوق 85 دولارا.
وكانت منظمة أوبك اتخذت في أبريل/نيسان من العام الماضي قرارا بخفض الإنتاج بمعدل 10 ملايين برميل يوميا بسبب انخفاض الطلب العالمي بسبب تداعيات تفشي وانتشار فيروس كورونا، والإغلاقات المصاحبة له، وتسببت تبعات الفيروس في هبوط أسعار النفط إلى مستويات منخفضة لم يسبق لها مثيل.
ومنذ ذلك الحين، ومع تلقي الملايين حول العالم اللقاحات، وإعادة فتح القطاعات الاقتصادية المختلفة انتعش الطلب، في حين تباطأ المنتجون في إعادة النفط إلى السوق؛ مما دفع النفط الخام إلى أعلى مستوياته منذ عدة سنوات.
وأشارت بيانات وزارة الطاقة إلى وصول المخزون الإستراتيجي من النفط إلى 605 ملايين برميل موزعة على 4 مواقع في ولايتي تكساس ولويزيانا. ويستغرق الأمر 13 يوما لوصوله للأسواق بعد قرار الطرح.
وأشار خبير الطاقة بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بن كاهيل -للجزيرة نت- إلى أن لجوء الرئيس بايدن إلى خيار طرح احتياطيات النفط الإستراتيجي الأميركي في الأسواق بوصفه وسيلة للخروج من أزمة أسعار النفط المرتفعة حاليا ليس بالضرورة حلا سحريا.
وأضاف الخبير الأميركي “أنه ليست حلا رائعا سريعا لضبط الأسواق على المدى القصير، وفي الواقع قد يزيد انخفاض الاحتياطيات الإستراتيجية المخاوف بشأن انخفاض المخزون الذي يوفر عادة حاجزا أمام أي كوارث مستقبلية”.
ما تأثير الخطوة على الأميركيين؟
تستمر معاناة المستهلكين الأميركيين مع ارتفاع متوسط سعر البنزين في محطات الطاقة، ووصل سعر الغالون إلى متوسط مقداره 3.76 دولارات، بعد أن كان 2.11 دولار قبل عام واحد وفقا لرابطة السيارات الأميركية (تجمع من أندية السيارات في الولايات المتحدة).
وتؤثر أسعار الطاقة في سلسلة متكاملة من أسعار السلع والخدمات، على رأسها المواد الغذائية بسبب ارتفاع تكلفة النقل والتخزين. وأدى ذلك إلى وصول نسب التضخم لمعدلات هي الأكبر خلال العقود الثلاثة الماضية.
وقال حسين الرفاعي (سائق من أصول عربية يعمل بشركة أوبر في منطقة واشنطن) للجزيرة نت “إن تكلفة ملء سيارته من طراز شيفروليه بالبنزين قد تضاعفت مؤخرا”.
وأضاف “تكلفة ملء السيارة بالبنزين تضاعفت من 35 دولارا في بداية الصيف الماضي لتصل إلى 70 دولارا هذا الأسبوع، أي زيادة بنسبة 100%، في حين لم تزد تكلفة التوصيل بالنسب نفسها”.
وأشار الرفاعي إلى أنه أصبح يقتصد في الانتقالات المرتبطة بالعائلة، إذ “لم نعد نتحرك بالسيارة كثيرا كما كانت الحال في الماضي، لقد سافرت إلى مدينة نيويورك الأسبوع الماضي وكلفتني الرحلة ذهابا وعودة في حافلة عامة أقل من 90 دولارا، ولو كنت ذهبت بسيارتي لكلفتني الرحلة ما لا يقل عن 150 دولارا للبنزين فقط، ناهيك عن تكلفة البوابات على الطريق التي تصل إلى 25 دولارا في كل اتجاه”.
يخشى كثير من الأميركيين قدوم موسم الشتاء الذي ترتفع فيه عادة تكلفة التدفئة في المنازل، وترتفع كذلك أسعار البنزين.
من هنا تنبع أهمية توقيت قرار بايدن؛ إذ يتزامن مع قرب حلول فصل الشتاء، وهو ما من شأنه المساعدة في سد النقص في الإنتاج مع توقع زيادة الاستهلاك بهدف تدفئة ملايين المنازل في نصف الكرة الأرضية الشمالي.
ومع ذلك، شكك الخبير بن كاهيل في جدوى تحرك بايدن، وقال إن من السهل اتخاذ قرار بطرح جزء من الاحتياطي الإستراتيجي، لكن قد يكون هذا الخيار غير فعال، كما أن إدارة بايدن فقدت عنصر المفاجأة في هذه المرحلة.
ويرى بعض المعلقين أن هذه الخطوات تعد حلا مؤقتا بسبب وجود كمية محدودة من النفط في الاحتياطي الإستراتيجي الأميركي وبقية دول العالم ولن تعالج الخطوة الأخيرة لُب المشكلة المتمثل في الفجوة الكبيرة بين العرض والطلب، في الوقت ذاته طالب نواب ديمقراطيون في الكونغرس -في رسالة إلى الرئيس بايدن- بحظر تصدير النفط الأميركي.
ووصفت شبكة “سي إن إن” (CNN) فكرة حظر تصدير النفط الأميركي بـ”الخطوة الأكثر دراماتيكية”، ونقلت عن خبراء في صناعة الطاقة تحذيرهم من أن مثل هذه الخطوة قد تأتي بنتائج عكسية على المستهلكين الأميركيين.
النفط يصعد رغم الخطوة الأميركية
وصعدت أسعار النفط اليوم الأربعاء، مواصلة مكاسبها من اليوم السابق؛ إذ استمرت شكوك المستثمرين بشأن فاعلية التحرك الذي تقوده الولايات المتحدة للسحب من احتياطيات النفط الإستراتيجية، في وقت حولوا فيه تركيزهم إلى الخطوة المقبلة لمنتجي النفط.
وبحلول الساعة 07:42 بتوقيت غرينتش زادت العقود الآجلة لخام برنت 0.2% إلى 82.44 دولارا للبرميل، بعدما قفزت 3.3% أمس الثلاثاء.
وارتفعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط 0.3% إلى 78.70 دولارا للبرميل. وكانت سجلت زيادة بنسبة 2.3% في اليوم السابق، وفق ما أوردته رويترز.
ونقلت الوكالة عن محللين قولهم إن تأثير السحب المنسق من الاحتياطيات على الأسعار سيكون قصير الأمد على الأرجح بعد أعوام من تراجع الاستثمارات وتعاف عالمي قوي من جائحة كوفيد-19.
وتتجه جميع الأنظار الآن إلى منظمة “أوبك” وحلفائها لمعرفة رد فعلهم تجاه السحب المشترك من الاحتياطي في اجتماعهم الذي ينعقد في الثاني من ديسمبر/كانون الأول المقبل لمناقشة سياسة الإنتاج.
المصدر : الجزيرة + رويترز