في وقت يواجه فيه العالم تحديات كبرى، على غرار جائحة كورونا والتحول المناخي واحتدام الصراعات الجيوسياسية، يتوقع ليونيل فونتانيي أستاذ الاقتصاد في جامعة بانتيون سوربون (Panthéon-Sorbonne) الفرنسية تحولا في موازين الثقل الاقتصادي في العالم لفائدة آسيا مع حلول 2050.
ليونيل فونتانيي هو أيضا أستاذ في كلية باريس للعلوم الاقتصادية، وكان قد أدار مركز الدراسات المستقبلية والمعلومات الدولية خلال الفترة بين 2000 و2006، وهو مشارك في هذه الدراسة التي أصدرها المركز بعنوان “آفاق 2050.. أين تأخذ الديناميكية الحالية الاقتصاد العالمي؟”.
ويتوقع هذا الخبير أن القوة الاقتصادية للصين سوف تتجاوز الولايات المتحدة بداية من عام 2031، بحسب دراسة تم نشرها خلال هذا الأسبوع، أجراها مركز الدراسات المستقبلية والمعلومات الدولية، الذي يمثل المركز الفرنسي الرئيسي للبحث في الاقتصاد الدولي.
أول التوقعات التي استخلصها هذا العمل البحثي هو تواصل التقدم الصيني، إذ إن العملاق الآسيوي سوف يتجاوز الولايات المتحدة في 2031، أي خلال السنوات القليلة القادمة، وهو مؤشر يفسر بكل وضوح تدهور العلاقات بين واشنطن وبكين، خاصة في ملفات التجارة الدولية والحسابات الجيوسياسية، حيث بات الرهان متعلقا بفقدان الولايات المتحدة مكانتها بوصفها مركز ثقل للاقتصاد العالمي.
وتشير الدراسة نفسها إلى أن فرنسا سوف تخسر الكثير من وزنها في السباق الاقتصادي، وتتدحرج من المركز السادس نحو التاسع، لتتفوق عليها دول مثل نيجيريا وإندونيسيا.
ويوضح الكاتب غريغوري نورمون، في الحوار الذي نشرته صحيفة “لاتريبيون” (latribune) الفرنسية، أن هذه التوقعات الاقتصادية تستند إلى مؤشرات النمو الاقتصادي والديمغرافي، إلى جانب معايير أخرى متعلقة بالتطور التكنولوجي، وجودة التعليم، والاستثمارات والادخار.
ويفسر ليونال فونتانيي تغير موازين القوى نحو آسيا بأنه نتيجة حتمية لصعود الصين، وأيضا الهند وإندونيسيا، ومن المتوقع بعد جيل من الآن أن تنفرد الصين بريادة الاقتصاد العالمي.
كما يرى هذا الخبير أن السبب وراء التوقعات بتقدم نيجيريا وإندونيسيا نحو المركزين السابع والثامن على التوالي، في ترتيب الاقتصادات العالمية بحلول العام 2050، هو المؤشرات الديمغرافية لهذين البلدين، اللذين توجد فيهما نسبة هامة من الشباب النشط، وتراكم لرأس المال، وتزايد هام في الإنتاجية بفضل الاستفادة من التكنولوجيا، وهو ما سيسمح لهما بالتفوق على فرنسا.
في المقابل، يرى فونتانيي أن أوروبا سوف تعاني بسبب تركيبتها الديمغرافية المتهرمة، وحتى الاستثمارات والإجراءات التي تقوم بها هذه الدول استعدادا للمستقبل، ستكون نتائجها محدودة بسبب المشاكل التي سيواجهها سوق العمل في ظل ارتفاع نسبة المسنين.
كذلك أظهرت هذه الدراسة أن استهلاك العالم للطاقة سوف يتضاعف، وستكون هنالك صعوبة في تحقيق هدف الحياد الكربوني في العام 2050.
ويشير فونتانيي إلى أنه ليست كل الدول قد أعلنت التزامها بهذا الهدف البيئي، وبالنظر للحسابات الديمغرافية وتراكم رأس المال وواقع الإنتاجية، فإن الطلب على الطاقة في العالم سوف يتزايد بشكل كبير في العقود القادمة، رغم وجود تطور تكنولوجي يزيد من كفاءة استهلاك الطاقة، وإذا كان العالم يرغب في تحقيق نمو اقتصادي مستدام وصديق للبيئة، فيجب عليه المسارعة للتخلص من الانبعاثات الكربونية بأسرع وقت ممكن.
كذلك ينبه فونتانيي إلى ضرورة الفصل بين النمو الاقتصادي من جهة، وتلويث البيئة من جهة أخرى، إذ إن مؤشرات التطور بالنسبة للجيل القادم على كوكب الأرض، بناء على حسابات الديمغرافيا والاستثمار والتطور التكنولوجي، تبشر بتحسن في القدرة الشرائية في البلدان التي هي على طريق النمو، وهو ما سيسمح بتحسين جودة التعليم والحفاظ على مستوى معيشي جيد، لكن هذا النمو الاقتصادي العالمي لن يكون إيجابيا، إذا تواصل الارتباط بينه وبين التلوث وتدمير كوكب الأرض من خلال الاستهلاك المكثف للوقود الأحفوري.
المصدر : لاتريبيون