عدّلت الإدارة الأميركية القواعد المتعلقة بالعقوبات على النظام السوري، موسّعة النطاق للمنظمات غير الحكومية للتعامل مع حكومته، في تراجع عن العقوبات المتشددة التي فرضتها واشنطن على هذا النظام منذ بدء الثورة في عام 2011، ثم عمّقتها أكثر من خلال “قانون قيصر” في منتصف العام الماضي. ونقلت وكالة “رويترز” إشعاراً صادراً عن وزارة الخزانة الأميركية، نُشر على موقعها الإلكتروني أول من أمس الأربعاء، أشارت من خلاله إلى أن الولايات المتحدة عدّلت القواعد المتعلقة بالعقوبات على سورية، بهدف “توسيع نطاق تفويض قائم يخص بعض أنشطة المنظمات غير الحكومية في سورية”. وسمح التعديل للمنظمات غير الحكومية بتمكينها من المشاركة في معاملات وأنشطة إضافية لدعم الأعمال غير الهادفة للربح في سورية، بما في ذلك الاستثمار الجديد وشراء المنتجات البترولية المكررة ذات الأصل السوري لاستخدامها في سورية، وبعض المعاملات مع أجزاء من حكومة النظام. وقالت مديرة مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة أندريا جاكي إن الحكومة الأميركية “تعطي الأولوية لتوسيع وصول المساعدات الإنسانية في جميع أنحاء سورية للتخفيف من معاناة الشعب السوري، الذي لا يزال يواجه الصراع المسلح وانعدام الأمن الغذائي ووباء كورونا”.
واشنطن تُعطي الأولوية لتوسيع وصول المساعدات إلى كل أنحاء سورية
وكانت الولايات المتحدة قد بدأت بفرض العقوبات على النظام السوري وعلى الشخصيات السياسية والعسكرية والأمنية الفاعلة به بعد أشهر من انطلاق الثورة السورية في عام 2011، بسبب الوحشية التي واجه بها هذا النظام السوريين المطالبين بتغيير سياسي جدي في بلادهم. وعمّقت واشنطن هذه العقوبات أكثر في منتصف عام 2020 حين فعّلت “قانون قيصر”، الذي أُقرّ في ديسمبر/ كانون الأول 2019، بهدف الحدّ من حركة النظام السوري سياسياً وعسكرياً واقتصادياً. وينصّ القانون على فرض عقوبات على رئيس النظام السوري بشار الأسد، ورئاسة الوزراء، وقادة القوات المسلحة البرية والبحرية والاستخبارات، والمسؤولين في وزارة الداخلية من إدارة الأمن السياسي والمخابرات والشرطة، فضلاً عن قادة “الفرقة الرابعة” والحرس الجمهوري والمسؤولين عن السجون التي يسيطر عليها النظام، ورؤساء الفروع الأمنية. كما ينصّ القرار على فرض عقوبات على كل من يدعم النظام السوري مالياً أو عينياً أو تكنولوجياً. ويستثني القانون المنظمات غير الحكومية التي تقدّم المساعدات في سورية. وترك القانون الباب مفتوحاً أمام الرئيس الأميركي جو بايدن برفع هذه العقوبات في حال لمس جدية في التفاوض من قبل نظام بشار الأسد، أو لأسباب تتعلق بالأمن القومي الأميركي.
وهدفت الإدارة الأميركية من هذا القانون إلى “ردع” النظام السوري، إذ تصدّر الأسد وزوجته أسماء الأسد، وشقيقه ماهر وزوجته منال جدعان، الحزمة الأولى من هذه العقوبات والتي صدرت في يونيو/ حزيران 2020. وصدرت حزم عدة من العقوبات بحقّ كبار الشخصيات في النظام السوري ورجال أعمال وكيانات ومؤسسات وشركات متعاملة معه. وأكدت الإدارة الأميركية مراراً أنها لا تهدف إلى إسقاط النظام أو تغييره جراء هذه العقوبات بل “تعديل سلوكه”، لتسهيل مهمة الأمم المتحدة لتطبيق قرارات دولية تخصّ القضية السورية، ومنها القرار 2254. ولكن النظام لم يكترث بهذه العقوبات، وما زال يبدي تعنتاً في طريقة تعاطيه مع جهود المجتمع الدولي الرامية إلى إنهاء مأساة السوريين داخل البلاد وخارجها.
ومنذ تولي إدارة بايدن الحكم في الولايات المتحدة، ظهرت بوادر تغيير في التعاطي السياسي مع نظام الأسد بعد التشدد الذي أبدته إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب. ولكن المحلل السياسي رضوان زيادة رأى في حديث مع “العربي الجديد”، أن تعديل العقوبات على النظام “ليس خطوة باتجاه التعامل السياسي من قبل واشنطن مع النظام”، معرباً عن اعتقاده بأن الهدف من هذا التعديل هو “تحقيق التطبيق الأفضل للعقوبات وتخفيف الأزمة الإنسانية في سورية”. وتابع: “العقوبات تعرقل عمل المنظمات الدولية غير الحكومية في المناطق التي يسيطر عليها النظام لتوزيع المساعدات الإنسانية والغذائية”. ويشير إلى أن “هناك تطبيقاً مفرطاً للعقوبات من قبل المصارف والجهات الأخرى، إذ تمنع التعامل حتى مع جهات لا تشملها العقوبات، كما حصل مع الكثير من المنظمات السورية في الولايات المتحدة”، مضيفاً: يجب النظر في كل الآثار الجانبية لتطبيق العقوبات بشكل مستمر، ليكون تطبيقها الأمثل على المعنيين بها.
العقوبات عرقلت عمل منظمات دولية في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام
وترزح سورية تحت وطأة عقوبات إقليمية ودولية منذ أكثر من عشر سنوات دفعت الاقتصاد إلى الهاوية، وباتت الأوضاع المعيشية في البلاد، خصوصاً في مناطق سيطرة النظام كارثية، بينما لم تتأثر المنظومة الأمنية لهذا النظام بالعقوبات، ولا تزال تتعامل بقسوة مع نحو 9 ملايين شخص يعيشون في هذه المناطق.
ورأى الباحث في مركز “الحوار السوري” أحمد القربي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن تعديل القواعد المتعلقة بالعقوبات على سورية من قبل وزارة الخزانة الأميركية “منسجم مع نهج إدارة بايدن بالتركيز على ملف المساعدات الإنسانية”، مضيفاً “يتقاطع هذا التعديل إلى حد بعيد مع سياسة الخطوة مقابل خطوة المتبعة مع النظام”. ولفت إلى أنه “كانت هناك صفقة روسية أميركية تبلورت خلال اجتماع القمة الذي جمع الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي جو بايدن في منتصف العام الحالي (16 يونيو الماضي). ووافق الروس في حينه على تجديد آليات تمرير المساعدات الدولية عبر الحدود ومن معبر باب الهوى، الواقع تحت سيطرة المعارضة السورية، وبالتالي فإن الخطوة الأميركية كانت غير مفاجئة”. وأشار القربي إلى أنه “لا يمكن فصل الملفين السياسي والإنساني في سورية”، مضيفاً: “اللاورقة التي قدمها الأردنيون أخيراً للجانب الأميركي في الملف السوري وظّفت الملف الإنساني كورقة سياسية”. وذكر أن موسكو “لم توافق على تجديد آليات إدخال المساعدات إلا بعد حصولها على تنازلات من قبل الإدارة الأميركية”، مضيفاً: “أعتقد أن قرار وزارة الخزانة الأميركية ينسجم مع التفاهمات بين موسكو وواشنطن، ومع توجه دولي لتخفيف العقوبات على النظام السوري والتطبيع معه. الروس نجحوا إلى حد ما في جعل الملف الإنساني ورقة سياسية تفاوضية”.
العربي الجديد