يتطلع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى التفوق على واشنطن فيما يتعلق بتزويد أوروبا بالغاز الطبيعي، حيث انزعج من العقوبات التي تهدف إلى تقويض ألعابه السياسية. ومن الواضح أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، يشعر بالامتعاض من رفض الرئيس الأمريكي التعامل معه بشكل مباشر. وفضلاً عن إعادة فتح النقاش حول الاستخدام السليم للاحتياطي الاستراتيجي للنفط، فإن قرار الإفراج عن بعض هذه الاحتياطات ليس مضموناً للتأثير في صراع واشنطن مع موسكو والرياض.
القرارات السياسية هي عبارة عن فعل وتأثير على حدّ سواء. ويُعتبر الإعلان الصادر في 23 تشرين الثاني/نوفمبر عن الإفراج عن كميات من احتياطي النفط الاستراتيجي في الولايات المتحدة خير مثال على ذلك. وبالتالي، تكون إدارة بايدن، التي تواجه مشكلة ارتفاع أسعار البنزين (وانحدار نسب تأييد الرئيس)، قد اتخذت خطوة في هذا الصدد. ولسوء الحظ، تبقى معرفة ما إذا كان القرار سيترك الأثر المنشود على الأسعار مسألة أخرى.
ويتضمن الإعلان مسوغات هذا القرار، وإن كانت غامضة بعض الشيء. فوفقاً لـ تقرير صادر عن وكالة “رويترز” بشأن بيان البيت الأبيض، لن يتجلى تأثير استخدام هذه الكميات في سوق النفط إلا بين منتصف وأواخر كانون الأول/ديسمبر، وليس بشكل فوري. كما تعمل الولايات المتحدة مع الدول المستوردة للنفط – الصين والهند وكوريا الجنوبية واليابان وبريطانيا – التي ستلجأ بدورها إلى استخدام احتياطياتها الاستراتيجية. لذلك، يشكل التعاون مع شركاء دوليين أمراً إيجابياً (حيث يمكنهم مشاركة المسؤولية إذا كانت النتيجة أقل من مثلى).
غير أن كمية النفط التي ستحررها الولايات المتحدة – 50 مليون برميل – هي مجرد جزء بسيط من الطلب العالمي الذي يناهز 100 مليون برميل يومياً. وتعتزم الهند الإفراج عن 5 ملايين برميل. أما الدول الأخرى، فلم تقدّم بعد أي أرقام.
وجاء التأثير الأولي في ارتفاع طفيف في أسعار السوق على نحو مربك. وبالتالي، سيتعين علينا رؤية ما الذي سيحصل خلال الفترة المتبقية من الـ 23 تشرين الثاني/نوفمبر. وبشكل منافٍ للمنطق، كانت الأسعار تتراجع خلال الأيام الأخيرة بسبب تجدّد المخاوف المرتبطة بفيروس كورونا في بعض أجزاء العالم، والقلق بشأن تأثير التضخم على الاقتصاد المحلي.
ولا بدّ من مراقبة أفعال وتعليقات “أوبك بلاس”، وهي النسخة السعودية والروسية الموسّعة لكارتل الدول المصدرة للنفط “أوبك”، التي رفضت بإصرار الإقرار بوجود مشكلة ومنعت أي زيادة في الكميات الإضافية التي سمحت لدولها الأعضاء بإنتاجها.
يتعين على الرئيس بايدن أن يواجه ليس منافساً واحداً بل اثنين في هذه الحلقة، والتي ربما تكون في المقارنات الرياضية مصارعة أكثر من ملاكمة. فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتطلع إلى التفوق على واشنطن فيما يتعلق بتزويد أوروبا بالغاز الطبيعي، حيث انزعج من العقوبات التي تهدف إلى تقويض ألعابه السياسية. ومن الواضح أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، يشعر بالامتعاض من رفض الرئيس الأمريكي التعامل معه بشكل مباشر (لأسباب غير معلنة ولكن تُعزى على الأرجح إلى مسؤولية الزعيم السعودي الفعلي عن مقتل الصحفي المنشق جمال خاشقجي). ولم يحضر بوتين ولا محمد بن سلمان مؤتمر الأمم المتحدة السادس والعشرين للتغير المناخي الذي انعقد مؤخراً في غلاسكو.
وقد يشعر البيت الأبيض أنه أخطأ في إيقاع الثنائي بوتين/محمد بن سلمان من خلال جعل الصين توافق على تحرير كميات من النفط، ولكن هذه الخطوة ليست ضربة قاضية.
وسيعيد قرار الـ 23 تشرين الثاني/نوفمبر فتح النقاش بشأن الاستخدام المناسب للاحتياطي الاستراتيجي، والذي كان يهدف في الأصل إلى مواجهة أي تراجع كبير في الإمدادات، مثل حظر تصدير النفط العربي إلى الولايات المتحدة في سبعينيات القرن الماضي والقلق الناتج عن الأثر المترتب على الإطاحة بشاه إيران؛ وكانت آخر مرة حدث فيها إفراج منسق للنفط في عام 2011 عندما تعثّرت الإمدادات بسبب فوضى ما قبل الحرب الأهلية في ليبيا.
وتتخطى أزمات سعر النفط أيضاً مجرد الأسعار في المحطات. فالاقتصاد الأمريكي يواجه كذلك تداعيات ارتفاع أسعار زيت الوقود والغاز الطبيعي. فالأمريكيون يحبون الحفاظ على دفئهم في الشتاء، فضلاً عن مواصلة القيادة. وبالتالي، قد يتحوّل الأمر إلى مشكلة أكبر، حتى من مجرد كونها هامشية.
سايمون هندرسون
معهد واشنطن