انطلقت بتاريخ التاسع والعشرين من تشرين ثاني ٢٠٢١ في العاصمة النمساوية فيينا الجولة السابعة من مفاوضات البرنامج النووي الايراني بين المجموعة الأوربية والنظام الإيراني وغياب الإدارة الأمريكية التي تتابع نتائج الحوارات من مكان آخر قريب من قاعة الاجتماعات وسط أجواء حذرة تحاول الأوساط الأوربية الجمع بين المقترحات التي قدمها الوفد الإيراني المفاوض برئاسة( علي باقري كني ) التي حدد أهدافها في رفع العقوبات الاقتصادية كاملة رافضا تجزئتها على مراحل وتقديم التسهيلات لانتفاع طهران من العلوم النووية واستخدامها للأغراض السلمية كحق من حقوق الشعوب الإيرانية ، في المقابل هناك الموقف الأمريكي الذي جاء على لسان المتحدثة باسم البيت الابيض( جين بساكي ) بأن الولايات المتحدة الأمريكية لا تغير موقفها من مسألة أحياء الاتفاق النووي وبالاشارة إلى تصريح ( لويد اوستن) وزير الدفاع الأمريكي الذي أكد( أن تصرفات إيران في الفترة الأخيرة لم تكن باعثة على التفاؤل ) .
أمام هذه التصريحات والمناكفات بين واشنطن وطهران تاتي مطالبة مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية للنظام الإيراني بتاريخ ٢٧ تشرين ثاني ٢٠٢١ بالتوقف عن منع مفتشي الوكالة من الدخول إلى موقعين يشتبه في إجراء أنشطة نووية فيهما غير معلنة ، تم تحديد منشأة كرج حيث مجمع ( تيسا) الذي يحتوي على ورشة عملية متخصصة في تصنيع أجزاء من أجهزة الطرد المركزي المستخدمة في تخصيب اليورانيوم والتي ازالت عنها إيران اربع كاميرات للمراقبة المباشرة والتي سبق وأن وضعت من قبل الوكالة الدولية، وهذا ما أثار حفيظة( رافائيل غروسي) رئيس الوكالة بقوله( نحن نقترب من مرحلة لن اتمكن فيها من ضمان استمرارية معرفة ما يجري هناك ) هذا التصريح شكل رسالة واضحة بعدم مقدرة مفتشي الوكالة من تقديم تقارير دقيقة عن مديات التعامل والتطور الحاصل بالبرنامج النووي الإيراني التي بدأت طهران تعمل على توسيع نطاق عملها فيه بعيدا عن الإجراءات المتخذة وفق اتفاقية خطة العمل المشتركة وعدم الالتزام بها بعد فرض العقوبات الاقتصادية الأمريكية وانسحاب واشنطن من الاتفاقية .
بدأ التحذير من الشركاء الاوربين للنظام الإيراني من التلاعب بالوقت وعدم احترام الإرادة الدولية في توسيع دائرة الحوار حول البرنامج النووي، في حين أن القيادة السياسية ترتكن إلى قواعد سياسية واقتصادية ترى أنها مطمئنة في التعامل مع الحلفاء الاوربين وتعزيز مواقفهم معها مقابل منحهم قدرا كبيرا من الاستثمارات المالية والاقتصادية والمشاريع الكبرى داخل إيران بعد رفع العقوبات وانضاج اتفاق جديد يرضي جميع الأطراف.
لا زالت إيران تعمل مع حلفائها الاوربين للحصول على تنازلات من الإدارة الأمريكية بعد أن وافقت واشنطن على الوساطة الميدانية التي قامت بها الترويكا الأوربية والوكالة الدولية لإقناع إيران بالعودة للاتفاق النووي الذي تري فيه واشنطن أن إيران استغلت فترة الانقطاع عن عقد جولات الحوار في العاصمة النمساوية فيينا بالعمل خارج بنود الاتفاق بزيادة كمية اليورانيوم المخصب وأصبحت تمتلك (244,3) كغم منه وتحتوي هذه الكمية على (84,3) كغم من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% ويشكل خرقا جوهريا تحاول الدول الاوربية معالجته بالضغط على النظام الإيراني بتحجيم إعداد أجهزة الطرد المركزي وحجم المخزون من اليورانيوم المخصب ومناقشة برنامج الصواريخ الرالستية وسياسية النفوذ والتردد في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي، في حين أن النظام الإيراني يسعى إلى هدف رئيسي هو التقدم في عملية إنتاج الوقود النووي ورفع العقوبات الاقتصادية التي أثقلت كاهل الشعوب الإيرانية وبدأت تأثيراتها واضحة على المنظومة الاقتصادية للبلاد وأصبح النظام عاجزا عن مواجهتها والاحتجاجات الشعبية المستمرة في بعض المدن الرئيسية الايرانية المطالبة بتحسين الحالة المعاشية وإعادة النظر بالسياسية الداخلية والخارجية وفق الأهداف الجماهيرية للشعوب الإيرانية .
من نتائج الأحداث وتطوراتها قدمت إيران مقترحا للوكالة الدولية يتضمن السماح لموظفي الوكالة بالدخول إلى منشأة كرج مقابل تعليق جزئي لتحقيقات الوكالة في المواد النووية المكتشفة عام ٢٠١٩ ، ولكن الوكالة طلبت إعادة تثبيت الكاميرات في مجمع تيسا ووقف عملية تخصيب اليورانيوم والالتزام باتفاقية برنامج العمل المشترك والسماح للوكالة بزيارات مفاجئة والحفاظ على روح عملية التفتيش المباشرة الأولى خطوات رفع العقوبات الاقتصادية.
وسع النظام الإيراني من إملاءاته وفرض شروطه بأن يوافق الجانب الأمريكي باحتفاظ طهران بما حققته من تقدم في عملية تخصيب اليورانيوم عن مستوى 60% ويتعهد النظام الإيراني في المقابل بتسهيل عمليات التفتيش المباغت للوكالة الدولية للطاقة الذرية وعدم الممانعة في توسيع دائرة التفتيش لمرافق أخرى مع طرح طلب قيادات الحرس الثوري الإيراني باعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالدور الإقليمي والدولي لإيران ضمن سياسة تعدد الأقطاب في المنطقة، وهذا يشكل تصعيد في الموقفين الدبلوماسي والعسكري للنظام الإيراني في المفاوضات .
تبقى سياسة المد والجزر قائمة في مفاوضات الجولة السابعة وفق الأهداف والاملاءات الإيرانية بتوسيع دائرة البرنامج النووي وامتداد فعاليته لتكون ورقة رابحة في دفع واشنطن لرفع العقوبات واتباع سياسة فرض الإرادة مع مزيد من التعنت وإظهار القوة وهذا ما يمكن أن يواجه بممانعة أمريكية تفضي إلى إطالة أمد الحوار والمفاوضات على الرغم من السياسة الأمريكية راغبة في التوصل إلى اتفاق جديد ينهي مرحلة سياسية مع ايران.
وحدة الدراسات الإيرانية