مع أن إسرائيل تعارض، رسمياً، الاتفاق النووي بسبب ثقوب كثيرة فيه، يأمل جهاز الأمن بأن يوقع الاتفاق مع الإيرانيين في أقرب وقت ممكن، كي توقف إيران اندفاعها الحالي نحو النووي. وهكذا يتمكن جهاز الأمن من “شراء الزمن” لإنهاء استعدادته لهجوم في إيران.
يعترف مسؤولون في جهاز الأمن بأن إيران أقرب اليوم من أي وقت مضى من القنبلة النووية، وثمة تقديرات بأن طهران إذا لم تجد قوة خارجية توقفها، فستوفر في غضون أسابيع قليلة ما يكفي من اليورانيوم المخصب في مستوى عال لقنبلة واحدة. من ناحية إسرائيل، هذا حدث حرج؛ لأن إيران إذا ما وفرت المادة النووية الكافية للقنبلة فستتحول بقدر ما إلى دولة حافة نووية. أما النهج الأمريكي فمختلف قليلاً، وبموجبه ستصبح إيران تهديداً حقيقياً إذا ما تقدمت في عناصر إضافية في البرنامج النووي، مثل بناء القنبلة نفسها، وإنهاء مشروع الصواريخ التي تحملها.
اعترف جهاز الأمن بأن قدرات إيران الهجومية تقلصت في السنوات الأخيرة، ولا سيما بعد التوقيع على الاتفاق في 2015. انطلقت إسرائيل من فرضية تقول إن الزمن الذي كان فيه الاتفاق ساري المفعول مع القوى العظمى، سيصعب على إسرائيل أن تهاجم بنفسها، وبالتالي فقد كان التفضيل هو استثمار المقدرات في أمور بدت أكثر إلحاحاً، مثل الاستعداد لمواجهة “حزب الله” وهجمات الحرب ما بين الحروب في سوريا وفي أماكن أخرى. أما عملياً، فإن تغيير السياسة الأمريكية مع دخول إدارة بايدن إلى البيت الأبيض، ورفع العقوبات عن إيران، وجد إسرائيل غير جاهزة، وبلا خطة عسكرية مرضية لهجوم على مواقع النووي.
أدت هذه التطورات برئيس الوزراء نفتالي بينيت ووزير الدفاع بني غانتس، لأن يأمرا الجيش الإسرائيلي بتصعيد الاستعدادات لهجوم في “دائرة ثالثة”، أي “أساساً لإيران” وخصصت لغرض الموضوع ميزانية لرفع مستوى قدرات سلاح الجو. تتحدث إسرائيل عن ذلك علناً، وذلك لردع إيران من مواصلة برامجها النووية. ولكن إسرائيل لا تخفي حقيقة أن للجيش الإسرائيلي قدرة أولية للهجوم في إيران، ورغم ذلك يحتاج جهاز الأمن وقتاً ليصل إلى خطة عملياتية مناسبة وأكثر نضجاً.
يعارضون الصيغة الأصلية
إسرائيل، كما أسلفنا، تعارض صيغة الاتفاق الأصلي الذي وقع في 2015، وخلافات الرأي بينها وبين الولايات المتحدة في الموضوع معروفة للجميع. ولكن بشكل حقيقي، في جهاز الأمن يقدرون بأن إيران ستتخذ خطاً متصلباً جداً في المحادثات في فيينا ولن توافق على تغيير الاتفاق. وليس سراً أنه في المرحلة الأولى على الأقل، فإن الإنجاز المطلوب من ناحية الولايات المتحدة هو التوقيع على اتفاق بكل ثمن تقريبا (حتى وان كان إشكاليا لزعم إسرائيل).
في هذا الوضع، في أحاديث مغلقة، يأمل جهاز الأمن في هذه المرحلة أن توقع إيران على الاتفاق النووي المتجدد، وإن كان لإبطاء ركضها نحو النووي، كي يتمكن الجيش الإسرائيلي من استكمال استعداداته للهجوم في إيران. إذا ما وقع الاتفاق، تأمل القيادة الأمنية والسياسية في إسرائيل بتأجيل معضلة كيفية التصدي للبرنامج النووي الإيراني لعدة سنوات على الأقل، في الوقت الذين سيحسن فيه الجيش الإسرائيلي قدراته بل وربما يتلقى طائرات الشحن بالوقود الجديدة التي اشتراها من الولايات المتحدة.
مهما يكن من أمر، لدى إسرائيل أمل في النهاية، حتى وإن كانت الولايات المتحدة تخطئ وترتكب الأخطاء حسب رأي إسرائيل، فستفعل واشنطن “الأمر السليم” الذي يمنع وصول إيران إلى النووي، ولن يرغب أي رئيس أمريكي بأن تتحول إيران في عهده إلى دولة نووية.
القدس العربي