العراق بين خياري الأغلبية والتوافقية

العراق بين خياري الأغلبية والتوافقية

مع اقتراب الأوضاع الخاصة بوصول نتائج الانتخابات البرلمانية في العراق عِبر بوابة المحكمة الاتحادية إلى نهاياتها القانونية، تجدّد الحديث عن خياري الناتج النهائي للخريطة السياسية في العراق، وبحسب قناعات القوى الفائزة بأريحية كبيرة في الانتخابات، وأيضاً القوى الخاسرة؛ حيث يردّد زعيم الكتلة الصدرية المتصدّرة انتخابياً مقتدى الصدر أن الحل الوحيد لمشكلات العراق “تشكيل حكومة أغلبية وطنية”.
الأكراد والسنّة، وبحسب الصدر ذاته، وافقوا على تشكيل هذه الحكومة، وإن كانت مصادر تؤكد أن زعيم كتلة “تقدّم” محمد الحلبوسي لا يميل إلى استبعاد الكتل الشيعية ذات العلاقة المميزة مع إيران، وكانت متسيدة للمشهد السياسي في العراق منذ عام 2005، فيما يترقب الأكراد، بحذرٍ كثير، مآلات التهديدات التي أطلقتها هذه القوى، في حال استبعادها من العملية السياسية ومسيرة المباحثات بين أطراف البيت الشيعي وكتلة الصدر، حتى يكون لتحالفهم قيمةً سياسية تؤدّي، في السنوات الأربع المقبلة، إلى منح إقليم كردستان العراق مزيدا من الاستقرار والازدهار والمكاسب.

مع تصاعد حدّة الضغوط النفسية والأمنية التي تمارسها القوى الخاسرة، يتحرك الصدر أيضاً صوب الأكراد والسنّة، لتشكيل تحالفٍ

ومن متابعة تحرّكات كتل الإطار التنسيقي باتجاه الكيانات والكتل والمستقلين الحاصلين على مقاعد في الانتخابات أخيرا، نجد أن عنوان هذه التحرّكات وغايتها التفاهم على تشكيل “حكومة توافقية” بدل حكومة “الأغلبية”. وبهذا يكون للجميع جزء (كما منذ 16 عاماً) من الكعكة الخاصة بتوزيع الوزارات والمصالح الحكومية والسفارات وغيرها، بما يضمن استمرارها في بناء قدرات تنظيماتها التي تسمّى في كثير من حالاتها “الولائية”. وهو ما يرفضه مقتدى الصدر، وهدّد بأنه، في حال حصول هذا الأمر، سوف يذهب إلى خيار المعارضة، ولن يشارك في أي حكومةٍ تسمى “الانتقالية”، معتبراً أن القوى التي خسرت ثقة الشعب، وخرجت من أبواب العملية السياسية، تحاول الدخول إليها من شبابيكها.
ومع تصاعد حدّة الضغوط النفسية والأمنية التي تمارسها القوى الخاسرة، وتهديدها بإثارة الفوضى، بما يمنع تهيئة أجواء مناسبة وآمنة، لتمرير عقد الجلسة الأولى لمجلس النواب الجديد، يتحرك الصدر أيضاً صوب الأكراد والسنّة، لتشكيل تحالفٍ يضمن تمرير وزارة عبر مجلس النواب الجديد بالأغلبية، أي 165 صوتاً من 329 صوتاً، ويرافق هذا التوجّه دعم أممي للعملية “الديمقراطية” التي جرت خلالها الانتخابات، وموقف أكبر واجهات الأمم المتحدة، مجلس الأمن الداعم لها، إلى جانب تقرير ممثلة الأمم المتحدة في العراق، بلاسخارت، الذي أشاد بنزاهة الانتخابات.
ولعل من المفيد القول إن دعوة الصدر إلى تشكيل حكومة أغلبية، معتمداً على تحالفاته المتوقعة مع السنّة والأكراد، لا تعني أن هذه الحكومة هي خارج عباءة المحاصصة الطائفية التي خرج الشعب العراقي، وعلى امتداد عقدين، كافراً بها، بل هي نتاج المحاصصة التي أفرزتها انتخابات المحاصصة أيضاً؛ فمن عناوين المسمّيات يشار إلى نوع تمثيلها؛ فمن كتلة الصدر الشيعية إلى كتلة الأكراد كقومية غير عربية، ثم كتلة السنّة، وكل هذه القوى انتخبها جمهور له ولاء للقومية أو المذهب، وليس لاعتبارات وطنية.

يبقى الخوف والتحسب دولياً ومحلياً من لجوء قوى الإطار التنسيقي إلى السلاح، في حال عدم إشراكها بتشكيل حكومة توافقية

يراقب العراقيون الأوضاع بقلق شديد، فكل عراقي يعلم أن القوى السياسية والأحزاب في العملية السياسية أسّست لنفسها لجانا اقتصادية داخل كل وزارة، بحسب مرجعية الوزير السياسية، وهذا يعني أن مناصب هذه الوزارة الوظيفية ودرجاتها ستكون لصالح أتباع هذا الحزب أو ذاك، وأن الوظائف ستُباع بمبالغ طائلة، وسترسو المناقصات والمزايدات على من يدفع أكثر كعمولات أو كتجهيز لمواد غير مطابقة للمواصفات. وبالنتيجة، ستتدفق الأموال للجهة السياسية المتنفذة في الوزارة، ويستمر تمويل أنشطة الحزب أو التكتل. لذلك، يبقى الخوف والتحسب دولياً ومحلياً من لجوء قوى الإطار التنسيقي إلى السلاح، في حال عدم إشراكها بتشكيل حكومة توافقية، وخصوصاً أن هذه القوى تعلم أن لدى أنصار التيار الصدري القدرة على اختراق كل قوى الجيش وقوى الأمن الداخلي، إذا ما نجحوا في تشكيل حكومة الأغلبية، بما يعني سحب البساط من تحت أقدام مليشياتهم التي تشكل تقدماً ملحوظاً في القدرة على القتال والتحشد تحت إمرة رؤسائهم على اختلاف مسمّياتهم.
تبقى الحقيقة التي ستفرض نفسها في نهاية المطاف، أن المحكمة الاتحادية لن تعطي قرار تصديقها على نتائج الانتخابات حتى يكون هناك اتفاق ضمني على توافقاتٍ بين الإطار التنسيقي والكتلة الصدرية، كما أن حكومة “الأغلبية” لن تكون بالصورة التي رسمها مقتدى الصدر، بل ربما هي أقرب إلى الإطار الذي تحدث عنه زعيم تيار الحكمة عمّار الحكيم، عند لقائه القادة الأكراد في منتصف شهر ديسمبر/ كانون الأول الجاري بشأن “أهمية التنازل للعراق والمصلحة العامة، وتشكيل حكومة قادرة على تحقيق تطلعات الشعب العراقي في الخدمات وفرص العمل وإنهاء الملفات العالقة والمرحلة من الدورات السابقة”. والأهم التحذير المبطن من أن “استقرار العراق مرهون بتحلي القادة بثقافة التنازل للعراق ومصلحة شعبه”. وإن تم هذا، لن يكون للانتخابات التي جرت أو التي ستجري أي معنى.

فارس خطاب

العربي الجديد