يواجه رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك العديد من المطبات في طريق تشكيل حكومته الجديدة، حيث تعرقل هشاشة الاتفاق السياسي مضيّه قدما في هذه العملية، ويتعين عليه إقناع القوى السياسية والشارع بالقبول بالاتفاق المذكور، لكن صعوبة ذلك جعلته يلوّح بالانسحاب من تشكيل الحكومة في رسالة تحذيرية إلى الجميع.
الخرطوم – دعا رئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لمساعدة الانتقال في السودان (يونيتامس) فولكر بيرتس الجمعة، ممثلي لجان المقاومة إلى عقد اجتماع مشترك الأحد، لمعرفة آرائهم حول آخر التطورات في البلاد، في محاولة لتهيئة الأجواء السياسية أمام رئيس الوزراء عبدالله حمدوك لتخرج حكومته الجديدة للنور.
ويقف حمدوك في مفترق طرق قبل تشكيل حكومته التي وعد بأن ترى النور في غضون أسبوعين منذ توقيع الاتفاق السياسي مع رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول عبدالفتاح البرهان في الحادي والعشرين من نوفمبر الماضي.
وتعاني القوى المدنية من انقسام سياسي حادّ، ودخلت مكوناتها المختلفة حالة من التجاذبات وضعت المزيد من العراقيل أمام نجاح عملية تشكيل الحكومة الجديدة.
ووجه حمدوك رسائل تحذيرية إلى الجميع بتأكيده على إمكانية انسحابه من الاتفاق السياسي حال لم يكن هناك توافق بين الجيش والقوى السياسية، وهدد بترك منصبه إذا جرى تنفيذ بنود الاتفاق دون قبول من القوى السياسية.
وفشل الرجل في إحداث اختراق على مستوى إقناع الشارع بأهمية استكمال هياكل السلطة الانتقالية على أساس الاتفاق السياسي الجديد، ولم يحظ قراره بتكليف عشرين من وكلاء الوزارات بإدارة العمل إلى حين تشكيل الحكومة، بترحيب القوى المدنية، بينما واجه اعتراضا من مجموعة “الميثاق الوطني” التي اعتبرتها محاصصة جديدة.
نورالدين بابكر: حمدوك لن يتمكن من تشكيل حكومة قبل اعتراف الشارع بالاتفاق
وقالت مصادر مطلعة لـ”العرب” إن رئيس الوزراء في انتظار خروج ما يمسى بـ”الإعلان السياسي” الذي يعكف الحقوقي نبيل أديب على وضعه لتنظيم العلاقة بينه وبين القوى السياسية والحركات المسلحة ويحتوى على تفاصيل جديدة لم تذكر في الاتفاق الإطاري، بما يساعده على بدء خطوات فعلية لتشكيل الحكومة.ويواجه رئيس الوزراء عثرات على طريق تشكيل حكومته، إذ أن الاتفاق السياسي يشير إلى تشكيلها من كفاءات مهمتها الإعداد لإجراء انتخابات شاملة بعد عام ونصف العام، وهو أمر لا يلقى قبولا من قوى شريكة مع الجيش (الحركات المسلحة) في قراراته التي اتخذها في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، وتسعى إلى أن تكون حاضنة سياسية بديلة عن قوى الحرية والتغيير التي كانت تمثل ظهيرا سياسيا لحمدوك.
وأضافت المصادر ذاتها أن الإعلان الذي يجري إعداده والتوافق حوله بين أحزاب المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، يشكل بادرة جيدة حال اقتنع الشارع بجدواه.
وأشار نائب رئيس حزب الأمة الفريق صديق إسماعيل، إلى أن سوء الفهم الذي حدث للكثير من القوى السياسية التي فوجئت بتوقيع الاتفاق بين حمدوك والبرهان في معزل عنها تعد السبب الرئيسي في الارتباك الحالي، وأن قدرة الطرفين في إقناع الشارع والقوى السياسية بجدوى الاتفاق بحاجة إلى جهود كبيرة.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن المزاج الشعبي العام يتجه إلى القبول بالاتفاق لكن مع أهمية تطويره عبر إعلانات تفصيلية يجري تجهيزها بناء على أسس الوثيقة الدستورية الموقعة في العام 2019، ما يتطلب تغييرا في رؤى المكون العسكري في تعامله مع المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، لأنه ينظر إليها على أنها خرجت من دائرة الفعل السياسي، في حين أنها أثبتت قدرتها على التحكم في مجريات الأمور.
ويرى مراقبون أن المكون المدني يدرك بأن الضغوط الشعبية على العسكريين فرصة لحصوله على المزيد من المكاسب، بالتالي فإنه لن يكون سهلا الدخول في مفاوضات لتشكيل حكومة قريبا، بينما قادة الأحزاب يتفقون مع الشارع على عدم منح مشروعية للاتفاق السياسي، وهو ما يمهد لصراع جديد بين الطرفين على السلطة قد يقود إلى تغيير الواقع الراهن، وهناك ثقة في أن الأوضاع مفتوحة على كافة الاحتمالات بالسودان.
ولن يتمكن حمدوك من تجاوز القوى القبلية في الهامش التي تحظى بدعم الجيش ويتعرض لضغوط يومية لتكون شريكا في الحكومة الجديدة، كما أن الحركات المسلحة ما زالت تتعامل معه بريبة، وتحاول الالتفاف على مسألة تعيين الكفاءات بطرق ملتوية للحفاظ على حصتها في الحكومة الجديدة.
ويمسك المكون العسكري بتلك الورقة، حيث أكد على لسان نائب رئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو بأن “حمدوك يتعين عليه إجراء مشاورات مع قادة القبائل ليكونوا ضمن المشاورات الجارية لتشكيل حكومة كفاءات مستقلة”، ما يعني أن رئيس الوزراء أمام طرف مستحدث في معادلة الحكم الجديدة.
صديق إسماعيل: المزاج الشعبي يتجه لقبول الاتفاق لكن مع أهمية تطويره
ولا يعبر ما يدور حاليا من صراع بين المدنيين والعسكريين عن تطلعات الشارع الذي يرى بأن هناك انقلابا على السلطة المدنية يصعب التعامل مع روافده بحلول شكلية تقود في النهاية إلى استمرار سيطرة الجيش على السلطة، ويتمثل الهدف الرئيسي في الوصول إلى سلطة مدنية يكون فيها دور الجيش حسب الدستور، وليس مجرد حكومة مدنية يتحكم فيها المكون العسكري.
وأكد القيادي بقوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) نورالدين بابكر، أن حمدوك أسقط مطالب الشارع بشراكته مع الجيش، وأضحى جزءا من الانقلاب العسكري على السلطة، ولن يتمكن من تشكيل حكومة جديدة طالما أن الشارع لم يعترف بالاتفاق.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن حمدوك منح قبلة نجاة للمكون العسكري الذي يبدي حرصا على تشكيل الحكومة الجديدة واستكمال هياكل السلطة الانتقالية وفقا لأسس غير متفق عليها مع القوى الثورية، ويريد حكومة فقط لاستعادة الدعم الخارجي.
وتعهد البرهان الخميس بالتعاون الكامل مع حمدوك لإنجاح الفترة الانتقالية، وصولا إلى انتخابات حرة ونزيهة بنهايتها، ودعا الشعب السوداني إلى مساندة ودعم الحكومة التي سيشكلها حمدوك الفترة المقبلة.
وأكد بابكر لـ”العرب” أن المكون العسكري بنى توقعاته على حسابات خاطئة، وتوهم بأن حمدوك لديه ثقل شعبي يجعله قادرا على تهدئة الشارع، بينما يشير الواقع إلى أن الغضب يتصاعد، وهناك جداول للعمل الثوري ستنفذ تدريجيا، وهو ما انعكس على ردود الفعل الدولية التي رحبت بالاتفاق وربطت تنفيذه بالتوافق مع القوى السياسية.
ويصب لقاء رئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لمساعدة الانتقال في السودان مع لجان المقاومة الأحد في اتجاه تقوية جبهة القوى المدنية كي لا يبدو حمدوك عاريا سياسيا، وهو ما يوفر فرصة تمكن الجيش من الهيمنة على الحكومة الجديدة.
العرب