على الرغم من تنفيذ القوات المسلحة العراقية خلال الأشهر القليلة الماضية سلسلة عمليات مدعومة من التحالف الدولي لملاحقة عناصر “داعش” في جبل قره جوغ بقضاء مخمور التابع لمحافظة نينوى شمال العراق، إلا أن التنظيم هاجم مجدداً قرية تقع على الجبل المتنازع عليه بين بغداد وأربيل، مسقطاً 13 قتيلاً من المدنيين وقوات البيشمركة الكردية.
وهاجم عناصر التنظيم الجمعة 3 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، قرية خضر جيجة التي تقع تحت سيطرة قوات البيشمركة في الجبل، ما أسفر عن مقتل ثلاثة مدنيين وعشرة من قوات البيشمركة في أعلى حصيلة لهجمات التنظيم منذ فترة طويلة، خصوصاً بعد اعتقال وقتل القوات العراقية قادة وعناصر من التنظيم المتشدد في المنطقة خلال الفترة الماضية.
ومنذ سيطرة القوات العراقية على قضاء مخمور ومن ضمنه جزء من جبل قره جوغ في أكتوبر (تشرين الأول) 2017، وانسحاب قوات البيشمركة إلى أطراف القضاء والجبل، استمر “داعش” بشنّ هجمات على أطراف القضاء ضد الجيش العراقي وسكان القرى في المنطقة، أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات.
واستغل التنظيم عدم وجود تنسيق كافٍ بين قوات الجيش العراقي وقوات البيشمركة في إدارة ملف الجبل ومحيط قضاء مخمور، من خلال تشكيل دوريات مشتركة وملء الفراغات بين حدود الطرفين، ليتخذ مقارّ له لإطلاق هجماته باتجاه القرى وأماكن وجود القوات الأمنية.
ويتبع قضاء مخمور محافظة نينوى إدارياً ويبعد عن مركزها مدينة الموصل أكثر من 100 كيلومتر، فيما يبعد عن مركز مدينة أربيل نحو 60 كيلومتراً، وهو من المناطق المتنازع عليها بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة إقليم كردستان.
الكاظمي يدين الهجوم
وقال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إن “الهجوم لن يمر من دون قصاص عادل ينال من المجرمين الإرهابيين الذين أقدموا على هذا العمل الجبان”. وأضاف أن “قوات البيشمركة هي من ضمن منظومة الدفاع الوطني وتعمل جنباً إلى جنب مع إخوانهم في قواتنا المسلحة لتأمين المدن والمناطق”، مشدداً على ضرورة رص الصفوف وعدم التهاون أو الاستهانة بجيوب عناصر عصابات “داعش”.
واشنطن قلقة
من جانبها، أعربت الولايات المتحدة عن “قلقها العميق” إزاء التصعيد المستمر لهجمات “داعش” في جميع أنحاء العراق، وفق بيان للمتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس.
وأعرب البيان عن تعازي واشنطن لأسر ضحايا وجرحى الهجوم، وتجديد التزامها دعم قوات الأمن العراقية بما فيها البيشمركة، في وقت تواصل فيه القتال ضد التنظيم الإرهابي.
وعلى الرغم من الإدانات الرسمية من قبل الحكومة العراقية والقادة السياسيين في بغداد، وإعلان حكومة إقليم كردستان إرسال قوات خاصة إلى هذه المناطق لحماية سكانها الكرد، إلا أنه من الواضح عدم وجود توجه محدد لإيجاد حلول سريعة لهذه القضية، خصوصاً مع انشغال جميع القيادات العراقية بالأزمة التي تعيشها البلاد بعد الانتخابات البرلمانية، بحسب متابعين.
غياب التنسيق
وقال رئيس مركز العراق للدراسات الاستراتجيية معتز عبد الحميد إن “عدم التنسيق الأمني بين القوات الاتحادية والبيشمركة أدى إلى زيادة تغلغل داعش في تلك المناطق”، مشيراً إلى مقتل وإصابة 837 عراقياً في المثلث ما بين ديالى وصلاح الدين وكركوك.
وأضاف أن هذه المنطقة تشهد خروقات بين الحين والآخر، والتقارير تؤكد وجود عناصر في تلك المنطقة وعند تعرّضهم لضغط مباشر من قبل القوات الأمنية يهربون إلى الجانب السوري ومن ثم يعودون بعد انتهاء العمليات.
بغداد لا تستطيع الدخول
وأشار عبد الحميد إلى أن القوات الاتحادية لا تستطيع الوصول بسهولة إلى تلك المناطق من دون الرجوع لأخذ موافقات الإقليم، فاستغل “داعش” هذه النقاط. وعلى الرغم من تشكيل مراكز تنسيق مشتركة، إلا أنه لم يتم حل هذا الأمر.
“داعش” يعيد تنظيم صفوفه؟
وقال إن وزارة البيشمركة أكدت أن التنظيم أعاد تشكيل صفوفه وأن 2000 إلى 3000 عنصر موجودون في هذه المناطق، ما يؤكد وجود إخفاق، كما أن عدم حل الخلاف بين بغداد وأربيل صعّب المهمة.
وتابع أن “داعش” يستهدف قوات البيشمركة والقوات الاتحادية في محاور عدة، منها مناطق خانقين وديالى وداقوق وناحية العباسي، وهي مناطق مرتبكة وغير مسيطر عليها بين الجانبين، مشيراً إلى إن التنظيم يستهدف أقضية كفري وطوز خورماتو وكركوك وسيد غريب في صلاح الدين وهي حالياً غير آمنة.
وتمثل سلسة جبال وتلال حمرين الممتدة بين ثلاث محافظات عراقية شمال البلاد وهي ديالى وصلاح الدين وكركوك، قاعدة أساسية ومهمة لانطلاق هجمات الإرهابيين على مناطق واسعة من هذه المحافظات وصولاً إلى أطراف العاصمة بغداد.
ولفت عبد الحميد إلى أن تركيز “داعش” على حدود محافظة نينوى سببه وجود التضاريس والأرضية المناسبة لتحصين العناصر وممارسة الغش والاختباء، مبيّناً أن القوات الأمنية قامت بعمليات تطهير للمنطقة لكن لم تحقق شيئاً ملموساً على الأرض.
837 قتيلاً وجريحاً
ولفت إلى أن عمليات “داعش” بلغت منذ بداية هذا العام أكثر من 240 عملية في تلك المناطق والضحايا 837 بين قتيل وجريح ومختطف، ما يدل على أن التنظيم قائم ولم ينتهِ عسكرياً أو فكرياً وهو يهدد أمن إقليم كردستان وأمن تلك المناطق في المثلث الموجود بين صلاح الدين وكركوك وديالى.
وشدد على ضرورة اعتماد أسلوب الإنزال الجوي كردّ سريع وليس اللجوء إلى الآليات التي يكون تنقّلها صعباً في تلك المناطق.
وأعلنت قيادة العمليات المشتركة في بيان لها أن “التنسيق والتعاون الكبيرين مستمران بين قطعات الجيش العراقي وقوات البيشمركة في محافظات ديالى وكركوك ونينوى”، مشيرة إلى أن هذا التنسيق سيأخذ أبعاداً أوسع من أجل الثأر لدماء الضحايا والإيقاع بالإرهابيين وملاحقتهم في جحورهم وقطع أذنابهم”.
وعُقد في مقر القيادة ببغداد اجتماع بين كبار ضباط الجيش العراقي ومسؤولي قوات البيشمركة الكردية لبحث سبل التنسيق بين الطرفين والقيام بعمليات مشتركة، تضمن وقف هجمات التنظيم على مناطق التماس بين الجانبين.
وعلى الرغم من إعلان قيادة العمليات المشتركة تشكيل مراكز التنسيق بين الجيش العراقي وقوات البيشمركة في مناطق كركوك ونينوى وديالى، إلا أنها لم تقدّم فارقاً في إيقاف هجمات التنظيم في المناطق الفاصلة بين الطرفين.
“داعش” استغل غياب التنسيق
وقال الصحافي الكردي ياسين طه إن “داعش” استغل الاسترخاء الأمني وشن هجمات في مخمور وكرميان، مشدداً على ضرورة تكثيف التنسيق الأمني بين الطرفين.
وأضاف “أن التنظيم يستخدم الدراجات النارية والعبوات الناسفة في تنفيذ عملياته، مستغلاً الفراغات الأمنية في مخمور وكرميان، ما أدى إلى سقوط 20 شخصاً بين مدني وعسكري”.
وكان التنظيم استهدف نقطة تفتيش لقوات البيشمركة في قضاء كفري الذي يقع بين محافظتي ديالى وصلاح الدين من جهة ومحافظة السليمانية من جهة أخرى، ما أسفر عن مقتل خمسة من البيشمركة.
أربيل محصنة
ولفت طه إلى صعوبة تمكّن عناصر “داعش” من التسلل إلى أربيل لأنهم يستغلون المساحات الفارغة وهم يتخفّون وسط السكان، مستخدمين أسلوب الترويع والصدمة، ويبدو أنهم غيّروا الخطط عبر الهجوم السريع.
وفيما أعلنت السلطات أنها تعطي أولوية لمواجهة الإرهابيين، رأى طه أن انشغال الجميع بالصراعات السياسية والانتخابات شجع “داعش” على تنفيذ عملياته، لا سيما أن ديالى مفتوحة على حمرين ومخمور مفتوحة على قره جوغ مع وجود مساحات فارغة بين الموصل وأربيل، معتبراً أن هذا الأمر يسهّل التخفي بين الوديان والجبال والقرى المدنية، لا سيما أن المهاجمين يرتدون الزي المدني من أجل الاختباء في القرى.
وأعاد التنظيم خلال الأشهر الماضية نشاطاته في مناطق واسعة من أطراف محافظة نينوى، خصوصاً في المناطق المحاذية للحدود السورية، التي يبدو أنه موجود فيها بشكل واضح أمام أعين السكان.
وبيّن طه أن “داعش” يستخدم أسلوب العصابات وهم لديهم الجهد الاستخباراتي ويترقبون موضع الخلل.
اندبندت عربي