التوتر بين أرمينيا وأذربيجان ينذر بتصعيد أخطر من أي وقت مضى

التوتر بين أرمينيا وأذربيجان ينذر بتصعيد أخطر من أي وقت مضى

واشنطن – لا تزال حالة عدم الرضا تسيطر على أرمينيا وأذربيجان رغم مرور عام على اندلاع الحرب الثانية بينهما على إقليم ناغورني قره باغ، ودفعتهما نحو التصعيد العسكري على مستوى المنطقة الحدودية الفاصلة بينهما منتصف نوفمبر الماضي، وكادت الأوضاع تنفجر لولا تدخل روسيا.

وأحيت الدولتان مؤخرا ذكرى ضحايا حرب العام الماضي التي استمرت ستة أسابيع وأسفرت عن مقتل ستة آلاف وخمسمئة شخص، واستعادت خلالها أذربيجان أجزاء كبيرة من ناغورني قره باغ كانت قد فقدتها أمام القوات الأرمنية في الحرب الأولى التي اندلعت في أوائل تسعينات القرن الماضي.

ونظرا لاستمرار حالة عدم الرضا لدى الجانبين، يقول محللون إن التوقع بإمكانية تجدد التوترات أمر طبيعي.

وقال مراد مورادوف نائب مدير مركز أبحاث توبشوباشوف الأذري، وسيمونا سكوتي الباحثة بالمركز، في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأميركية “إن قتالا عنيفا اندلع في السادس عشر من نوفمبر الماضي بين أذربيجان وأرمينيا في ما يُعتبر التصعيد الأكثر خطورة منذ انتهاء حرب قره باغ الثانية. غير أن الموقف خرج هذه المرة عن السيطرة ليس في منطقة ناغورني قره باغ الأذرية فحسب، ولكن أيضا على طول الحدود الأرمنية الأذرية”.

وتسببت الاشتباكات الحدودية، التي استخدمت فيها المدفعية والعربات المدرعة وأسلحة من مختلف الأعيرة، في سقوط قتلى وإصابات في صفوف الجانبين.

غياب قنوات الاتصال المناسبة بين باكو ويريفان يبطئ عملية السلام، ويخلق صعوبات ويؤدي إلى إزهاق أرواح

ولكن في اليوم نفسه، اتفقت أرمينيا وأذربيجان على وقف لإطلاق النار بوساطة وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو. واتهمت الدولتان كل منهما الأخرى بأنها هي التي بدأت الصراع. وعلى أي حال، فقدت أرمينيا موقعين عسكريين استولى عليهما الجيش الأذري.

ودعت أرمينيا إلى تدخل روسي بموجب بنود معاهدة الصداقة والتعاون والمساعدة المتبادلة التي أبرمتها الدولتان عام 1997.

وقال أمين عام مجلس الأمن القومي الأرميني أرمين جريجوريان أيضا إن بلاده سوف تلجأ إلى شركاء دوليين آخرين إذا لم يتم التغلب على الأزمة بمساعدة روسيا ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي.

وأضاف مورادوف وسكوتي أن القتال الأخير اندلع بعد أسابيع قليلة من استفزازات لم تتصاعد إلى أعمال عنف، غير أن هذه الاستفزازات زادت من حدة التوترات في قره باغ والمناطق الحدودية المجاورة.

وما حدث هو أن شخصا أرمنيا من سكان قره باغ يدعى نوراير ميرزويان قام في الصباح الباكر من الثالث عشر من نوفمبر الماضي بإلقاء قنبلة يدوية على نقطة تفتيش أذرية قرب مدينة شوشا الواقعة في ممر لاشين الذي يربط قره باغ بأرمينيا.

وأصدرت السلطات الأذرية بيانا قالت فيه إن ضابطا وجنديين من أفراد قواتها المسلحة أصيبوا في الهجوم. واستمرت التوترات في التزايد في اليوم التالي حيث وردت تقارير عن حوادث إطلاق نار على كلا جانبي خط الحدود في منطقة كالباجار.

وتساءل مورادوف وسكوتي عن السبب في اندلاع التصعيد العسكري الأكثر خطورة بين أرمينيا وأذربيجان منذ نهاية حرب قره باغ الثانية، رغم أن الأشهر الأخيرة شهدت خفضا في التوترات بعد اشتباكات حول بحيرة سيف ليش الواقعة بطول الحدود في شهر مايو الماضي.

ومن وجهة نظر أذربيجان، فإن توجيه رد قوي على ما حدث في السادس عشر من شهر نوفمبر أمر منطقي. لكن ما الذي دفع الجانب الأرمني إلى استفزاز القوات الأذرية التي أصقلتها المعارك والمستعدة بشكل جيد إلى الانتقام؟

ويعترف معظم الخبراء السياسيين والعسكريين الأرمنيين الآن بأنه ببساطة لا تملك بلادهم الموارد الضرورية للدخول في صراع خطير مع أذربيجان.

وأوضح مورادوف وسكوتي، أنه بناء على ذلك يمكن أن يكون هناك تفسيران محتملان للتصرفات التي أقدمت عليها أرمينيا، أولهما أن الهجوم كان يهدف إلى جذب الاهتمام الدولي بمنطقة جنوب القوقاز والتحرك كنقطة انطلاق للدعوة لوجود دولي في منطقة النزاع.

والتفسير الثاني هو أن التصعيد نابع من صراع محلي على السلطة بين دائرة رئيس الوزراء الأرمني نيكول باشينيان المصممة على استكمال عملية السلام والنخبة العسكرية القريبة من الرئيس السابق روبرت كوشاريان الذي يأمل في تشويه سمعة حكومة باشينيان من خلال تعرضها للإذلال.

وعلى أي حال، تُلمح بعض المؤشرات إلى أن التفسير الثاني ربما يحتوي على ذرة من الحقيقة. وتشمل تلك المؤشرات المظاهرات المناهضة لباشينيان في العاصمة يريفان؛ وإقالة وزير الدفاع أرشاك كارابيتيان وتعيين سورين بابيكيان الموالي لبارشينيان محله؛ وعرض رئيس الوزراء غير المتوقع للتوقيع على معاهدة سلام مع أذربيجان دون تأخير في الوقت الذي كان ينحسر فيه القتال.

وعلاوة على ذلك، فإنه كلما أعربت الحكومة الأرمنية عن نيتها تحقيق تقارب مع أذربيجان، تحدث مواقف مماثلة على الحدود. وربما يشير ذلك أيضا إلى أن الحكومة الأرمنية لا تتمتع بسيطرة كاملة على جهازها العسكري.

وذكر مورادوف وسكوتي أن التصعيد الذي وقع في السادس عشر من شهر نوفمبر كشف أيضا عن حقيقة مهمة بشأن عدم استعداد روسيا المستمر لمساعدة حليفتها السابقة أرمينيا، ويعد ما ظهر مؤخرا من عدم قيام يريفان بإعطاء إشعار مكتوب لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي مثالا واضحا على ذلك.

وبينما ترفض موسكو تلبية بعض الطلبات المشروعة لأذربيجان في ما يتعلق بإقليم قره باغ للاحتفاظ بورقة ضغط وكسب تنازلات من باكو، فإنها لا تريد أيضا مساعدة يريفان في المواجهة مع باكو.

ويشير مورادوف وسكوتي إلى أنه تجب ملاحظة أن غياب قنوات الاتصال المناسبة بين باكو ويريفان يبطئ عملية السلام، ويخلق صعوبات لا داعي لها ويؤدي إلى إزهاق أرواح جنود، وأن القرار الذي تم اتخاذه مؤخرا باستعادة خط الاتصالات المباشرة بين وزيري الدفاع جاء في الوقت المناسب كما هو الحال دائما، ويجب الإشادة به.

العرب