مرة جديدة، يتعرض حقل غاز كونيكو، الذي يُعد الأهم في أقصى الشرق السوري ويضم قاعدة للتحالف الدولي ضد الإرهاب، لهجوم بقذائف صاروخية يُعتقد أنها انطلقت من مناطق سيطرة النظام والمليشيات الموالية لإيران، في رسالة لواشنطن أن قواعدها في شرقي الفرات في مرمى النيران. وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن أربع قذائف صاروخية سقطت، عصر أول من أمس السبت، في محيط حقل كونيكو في ريف دير الزور الشرقي شمال نهر الفرات ضمن ما بات يُعرف بمنطقة شرقي الفرات الخاضعة لـ”قوات سورية الديمقراطية” (قسد). وأوضح أن القذائف انطلقت من مناطق سيطرة النظام والمليشيات الإيرانية في ريف دير الزور، وسقطت في حقل ألغام عند أطراف القاعدة العسكرية، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن المنطقة شهدت تحليقاً مكثفاً لطائرات استطلاع في سماء المنطقة.
حقل كونيكو يضم مراكز تدريب تتبع أيضاً للتحالف الدولي ضد الإرهاب
ويحتفظ التحالف الدولي ضد الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة بقاعدة عسكرية في هذا الحقل الذي سبق أن تعرض لهجوم مماثل منتصف العام الحالي، إذ سقطت أربع قذائف مصدرها مناطق سيطرة المليشيات الإيرانية جنوبي نهر الفرات، بصورة مباشرة على موقع القاعدة. وكان التحالف الدولي قد طرد تنظيم “داعش” من هذا الحقل وغيره من الحقول النفطية في ريف دير الزور عام 2017، بعد مواجهات دامية مع التنظيم الذي كان يستخدم هذه الحقول لرفد ميزانيته. وفي فبراير/ شباط 2018 حاولت مليشيات تعمل لصالح النظام، ومنها سرية “فاغنر” الخاصة الروسية، الاستحواذ على حقل كونيكو، إلا أنها قوبلت برد وُصف بـ”القاسي” من التحالف الدولي، الذي استهدف طيرانه المجموعات المهاجمة، ما أدى إلى مقتل وإصابة عدد غير معروف منها، خصوصاً من المرتزقة الروس.
ويعد كونيكو من ضمن عدة حقول وآبار بترولية في ريف دير الزور تقع تحت سيطرة “قسد”، لعل أبرزها: حقل العمر النفطي، أكبر حقول النفط في سورية مساحة وإنتاجاً. كما تسيطر “قسد” على حقل التنك الواقع في بادية منطقة قبيلة الشعيطات، في ريف دير الزور الشرقي. وكان هذا الحقل ينتج نحو 10 آلاف برميل يومياً. وقد سيطرت عليه فصائل تابعة للمعارضة أواخر عام 2012، قبل وقوعه بين أيدي “داعش” في يوليو/ تموز 2014. ويتخذ التحالف الدولي من حقلي العمر وكونيكو قاعدتين له هما الأكبر في شرقي سورية، إضافة إلى قواعد أخرى في ريف الحسكة خصوصاً في حقل الرميلان في ريف الحسكة الجنوبي الشرقي والذي يعدّ من أكبر الحقول في سورية.
وأوضح الناشط الإعلامي في ريف دير الزور الشرقي أبو عمر البوكمالي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن القاعدة الأميركية في حقل العمر النفطي “هي مركز عمليات للتحالف الدولي بشكل عام”. وأشار إلى أن حقل كونيكو يضم مراكز تدريب تتبع أيضاً للتحالف الدولي ضد الإرهاب، موضحاً أن للتحالف قاعدة في بلدة الباغوز في أقصى الشرق السوري بالقرب من الحدود السورية العراقية. وكشف أن القاعدة صغيرة وتضمّ أحياناً مجموعات من “قسد”، أي أن الحقل ليس مأهولاً بشكل دائم من قبل جنود تابعين للتحالف الدولي.
وفي السياق ذاته، رأى مدير مركز “الشرق نيوز” فراس علاوي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن الاستهداف الإيراني المتكرر لحقل كونيكو “هو عبارة عن رسائل واضحة لواشنطن أن بإمكان طهران الوصول إلى القواعد العسكرية الأميركية في شرق الفرات”. وأوضح علاوي (وهو من أبناء ريف دير الزور الشرقي) أن المليشيات الإيرانية تسيطر على سبع قرى شمالي نهر الفرات، ومنها قرية مظلوم التي لا تبعد كثيراً عن حقل كونيكو، مضيفاً: “هناك نقاط تماس بين الأميركيين وقسد من جهة، والإيرانيين والنظام من جهة أخرى في هذه القرية، وهو ما يسهّل مهمة الإيرانيين في استهداف الحقل والقاعدة الأميركية بشكل دائم”. وأوضح أن الإيرانيين يستهدفون كونيكو “بشكل شبه أسبوعي”، ولكن الاستهدافات لا تسبب أي أذى للجنود الأميركيين في المنطقة، والهدف منها التأكيد أن الإيرانيين موجودون في المنطقة.
نفى التحالف الدولي تعرّض قاعدة التنف لهجمات أمس الأحد
وتعد محافظة دير الزور ثاني أكبر المحافظات السورية لجهة المساحة، والتي تبلغ نحو 33 ألف كيلومتر مربع، وتسيطر عليها ثلاث قوى هي النظام، وإيران، و”قسد”. ويحتفظ النظام بحضور إداري وخدمي في مدينة دير الزور، بينما يسيطر الإيرانيون على مدينتي الميادين والبوكمال بشكل كامل. وتنتشر العديد من المليشيات الإيرانية في ريف دير الزور الشرقي، بين مدينتي البوكمال والميادين، منها “لواء فاطميون” و”لواء زينبيون” و”لواء الباقر” و”لواء 47″ و”لواء ذو الفقار” و”فيلق أسود عشائر سورية” و”كتائب الإمام علي” و”كتائب عصائب أهل الحق” وحركة “النجباء”، بالإضافة إلى “حزب الله” اللبناني.
على صعيد آخر، وبعد تقارير عن انفجارات في قاعدة التنف التابعة للتحالف الدولي على الحدود السورية العراقية أمس الأحد، نفى المتحدث باسم التحالف الدولي، العقيد جويل هاربر، تعرض القاعدة لأي هجوم، مؤكداً في تصريحات صحافية أنه لم يتلقَّ أي تقارير عن هجمات ضد القاعدة. وكانت وكالة “سانا” التابعة للنظام السوري قد قالت إنه تم سماع دوي عدة انفجارات داخل قاعدة التنف، بينما ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن “انفجارين اثنين هزا منطقة الـ 55 الواقعة عند المثلث الحدودي بين سورية والعراق والأردن ضمن البادية السورية، والتي تتواجد فيها قاعدة التنف العسكرية التابعة للتحالف الدولي”.
وأكدت مصادر محلية لـ”العربي الجديد” أن الانفجارات ناتجة عن تدريبات عسكرية تُجريها فصائل المعارضة السورية المرتبطة بالقاعدة. وتقع قاعدة التنف، التي أنشأها التحالف الدولي منذ عدة سنوات، على بعد 22 كيلومتراً غربي الحدود العراقية، وتبعد نحو 22 كيلومتراً أيضاً عن الحدود السورية – الأردنية، وهي تعد من أهم القواعد العسكرية للتحالف الدولي في سورية. وحدد التحالف الدولي حرم هذه القاعدة بقطر 55 كيلومتراً لمنع دخول أي قوات معادية. وتنشط فصائل عدة تابعة للمعارضة السورية في المنطقة، وتتلقى دعماً من التحالف الدولي، لعل أبرزها “جيش مغاوير الثورة” الذي تأسس في عام 2015، وقوات “الشهيد أحمد العبدو”. واستُهدفت هذه القاعدة بطائرات مسيّرة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي من قبل ما تسمى “غرفة عمليات حلفاء سورية” (يُعتقد أنها تابعة لميلشيات إيرانية)، في تنفيذ لوعيد أطلقته، رداً على قصف جوي انطلق من هذه القاعدة استهدف مواقع عسكرية إيرانية في البادية السورية.
العربي الجديد