من المرتقب أن تعلن الحكومة العراقية جلاء كافة القوات القتالية الأميركية من البلاد قبل حلول نهاية الشهر الحالي، وذلك عبر إعلان رسمي يشارك به القادة والمسؤولون العسكريون والأمنيون العراقيون المكلفون بإدارة هذا الملف، برئاسة مستشار الأمن الوطني قاسم الأعرجي. وسيقدّم هؤلاء المسؤولون تصوراً كاملاً عن آلية تنفيذ اتفاق انسحاب القوات القتالية الأميركية من العراق، وتحوّل دور الوجود الأميركي العسكري إلى استشاري وتدريبي، مع الإبقاء على الجهد الجوي في الأجواء العراقية ضمن إطار التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش”، بقيادة الولايات المتحدة، وفقا لما أكده مسؤولان عراقيان لـ”العربي الجديد”. وقال أحدهما إن وفوداً عسكرية فنية عراقية دخلت في الأيام الماضية، قاعدتي عين الأسد وحرير، في الأنبار وأربيل، وتأكدت من عمليات الانسحاب الجارية للجيش الأميركي. وتُجري في الوقت الحالي اجتماعات مع الجانب الأميركي لتحديد العدد المتبقي من القوات الموجودة التي لن يكون لها أي دور قتالي، وستتولى بغداد وفقاً للاتفاق الموقّع في نهاية يوليو/تموز الماضي حماية تلك القوات وتأمين المعسكرات التي تتواجد فيها.
تحشد الفصائل عناصرها لمواجهة مع الأميركيين في حال عدم إتمام الانسحاب
في المقابل، يحشد المعسكر المناوئ للوجود الأميركي في البلاد عناصره لما يسميه موعد ليلة رأس السنة، وهي المهلة التي حددتها المليشيات العراقية للقوات الأميركية للخروج، وهددت بأنها ستبدأ باستهداف مناطق تواجدها الرئيسة بعد الساعة الثانية عشرة من يوم 31 ديسمبر/كانون الأول الحالي، وتحديداً معسكر فيكتوريا الملاصق لمطار بغداد الدولي، وقاعدتي عين الأسد وحرير. وتشكك القوى الحليفة لإيران بهذا الانسحاب، وتتهم حكومة رئيس الوزراء المنتهية ولايته مصطفى الكاظمي، بأنها تمارس “التضليل والخداع”، في ملف انسحاب القوات الأميركية، على اعتبار أنه لا توجد طريقة لفحص القوات المتبقية، وتحديد القوات القتالية والقوات ذات المهمة الاستشارية وأيضاً العدد الحقيقي لتلك القوات. ويتزامن الموعد المحدد للانسحاب أيضا مع الذكرى الثانية لمقتل زعيم “فيلق القدس”، الجنرال قاسم سليماني، ونائب زعيم “الحشد الشعبي” أبو مهدي المهندس في غارة جوية أميركية قرب مطار بغداد غربي العاصمة في 3 يناير/كانون الثاني 2020، وهو ما تتخوف منه السلطات العراقية في تنفيذ هجمات جديدة على المصالح الأميركية على غرار ما حصل في العام الماضي.
وأول من أمس السبت، عقد الكاظمي اجتماعاً مع السفير الأميركي في بغداد، ماثيو تولر، تم خلاله بحث عن ملف انسحاب القوات القتالية الأميركية من البلاد وتحول مهامها إلى الاستشارة والدعم. ووفقاً لبيان أصدره مكتب الكاظمي، فإن الأخير بحث مع تولر “التقدم الحاصل في إنهاء الدور القتالي لقوات التحالف في العراق، وفق مخرجات الحوار الاستراتيجي، والانتقال إلى دور المشورة والمساعدة والتمكين”. ولم يكشف عن أي تفاهمات بشأن تلك الملفات.
وقال مسؤول عراقي بارز في بغداد لـ”العربي الجديد”، إن فريقاً أمنياً وعسكرياً مرتبطاً بمكتب الكاظمي، يضم قاسم الأعرجي ورئيس أركان الجيش الفريق عبد الأمير يار الله، يشرف على التهيئة للإعلان عن انتهاء الدور القتالي الأميركي في العراق رسمياً خلال أسبوعين أو ثلاثة. وأوضح أن الفريق الحكومي الذي يشرف على الملف هو نفسه المشارك في مفاوضات جولات الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن والتي عقدت أربع نسخ منها، كانت آخرها في واشنطن في نهاية يوليو الماضي، وانتهت باتفاق على تحويل مهمة القوات الأميركية إلى استشارية وسحب جميع القوات القتالية. وأكد أن مجموع القوات الاستشارية لن تتجاوز الألفي عسكري وستضطلع ببرامج دعم للقوات العراقية وتدريب وتأهيل وحدات عسكرية خاصة، إضافة إلى الرصد وتحليل المعلومات والدعم الجوي.
في المقابل تحدث مسؤول آخر عن توجه لدى حكومة الكاظمي، لتنظيم مظاهر احتفالية بما تعتبره إنجازاً لها، بإنهاء الدور القتالي الأميركي في البلاد بعد نحو 7 سنوات على عودتها للبلاد ضمن مهام مواجهة مسلحي تنظيم “داعش”. وكان المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة اللواء، يحيى رسول، أكد في وقت سابق، أن القوات الأميركية المكلفة بمهام قتالية باشرت الانسحاب، وهناك جهد مستمر من أجل استكمال عملية الانسحاب حتى تاريخ 31 ديسمبر الحالي.
من جهتها، تشكك قوى وفصائل مسلحة بعملية الانسحاب الأميركية، وتعتبرها تحايلاً جديداً من قبل واشنطن، وهددت بعض الفصائل باستهداف المصالح الأميركية بعد 31 الشهر الحالي في حال ثبت عدم صحة خطة الانسحاب. واتهم عضو حركة “حقوق” الممثلة لمليشيا “كتائب حزب الله”، محسن السعيدي، الكاظمي بـ”بالسعي لأجل بقاء القوات الأميركية”. وقال في تصريح صحافي، إنه “في الوقت الذي يجب أن يتم خروج القوات الأميركية من العراق حسب الجدول الزمني المتفق عليه، يتآمر الكاظمي معهم لبقائها في العراق”، مشدداً على أنه “لا يحق للكاظمي اتخاذ قرار بقاء القوات الأميركية في الوقت الذي ينتظر العراقيون خروجهم من البلد، لا سيما أنه يقود حكومة تصريف أعمال أو منتهية”.
عضو في تيار الحكمة: القوات الأميركية ستتحمل مسؤولية ما سيحصل لها في حال ظلّت في العراق
كما شكك عضو تحالف “الفتح”، حامد الموسوي، بوجود عملية انسحاب أو استبدال لمهام القوات الأميركية الموجودة في العراق من الأساس. وقال الموسوي في إيجاز قدمه للصحافيين في بغداد، أمس الأحد، إنه “لغاية الآن لا توجد بوادر على انسحاب القوات الأميركية القتالية من العراق”. ولفت إلى أن “القواعد التي تسيطر عليها القوات الأميركية لم تشهد حتى عملية إعداد أو تحضير للانسحاب على الرغم من التصريحات الإعلامية، وبالتالي لم تسلم تلك القواعد للجهات العراقية عملاً بقرار البرلمان والاتفاق الذي تم الاتفاق عليه بين الكاظمي والرئيس جو بايدن”. وأشار إلى أن “ما تم تسليمه إلى القوات العراقية هو آليات ومعدات وبقايا عجلات لا تصلح لأن تكون معدات لجيش نظامي، وهذا دليل على أن أميركا تحاول خداع الرأي العالمي بأنها سلمت معداتها أو جزءا منها إلى القوات العراقية”.
بدوره، حذّر عضو “تيار الحكمة”، محمد اللكاش، من أن “القوات الأميركية ستتحمل مسؤولية ما سيحصل لها في حال استمرارها بالتواجد في العراق بعد انقضاء المدة المحددة لها نهاية الشهر الحالي”، مبيناً في إيجاز قدمه للصحافيين أن “هناك اتفاقا مبرما في هذا السياق وبانتظار إنجازه”.
وحول ذلك قال الخبير في الشأن الأمني العراقي أحمد النعيمي، لـ”العربي الجديد”، إن تشكيك القوى الحليفة من إيران، خصوصاً الفصائل المسلحة، بآلية الانسحاب وتحول طبيعة مهام القوات الأميركية من قتالية إلى تدريب واستشارة، يرتبط بعدة عوامل في المشهد العراقي وخارج العراق. وأضاف أن “التشكيك أولاً في الانسحاب يعتبر إحدى وسائل الضغط على حكومة الكاظمي، وهو ضغط تحوّل أخيراً إلى ما يشبه الابتزاز الأمني، إضافة إلى أن تلك الجماعات لا ترغب بوجود أجنبي من أساسه سواء تدريب واستشارة أو غير ذلك، وهو النهاية الموقف الرسمي الإيراني الذي تمثله تلك الجماعات”. واعتبر أن “مفاوضات إيران مع الغرب حول ملفها النووي له تأثير على المشهد داخل العراق فيما يتعلق بالانسحاب الأميركي لقواتها القتالية من البلاد”. وأضاف أنه “من غير المرجح أن تقتنع تلك الفصائل بأنه لا وجود لقوات قتالية بعد نهاية الشهر الحالي، وأن الموجودة هي قوات استشارية وتدريب فقط، لذا فإن لغة التصعيد ستبقى متواصلة، وقد نشهد احتكاكاً من قبيل عمليات قصف الكاتيوشا أيضاً”.
العربي الجديد