تظاهر عشرات الآلاف من الأرجنتينيين أمس السبت ضد إعادة التفاوض بشأن الديون التي تحاول حكومتهم الحصول عليها من صندوق النقد الدولي وتثير مخاوف لديهم من دمار اجتماعي ما زالوا يتذكرونه، نجم عن خطط إصلاح سابقة.
واجتاح متظاهرون من منظمات يسارية راديكالية وطلاب ونقابات أمس السبت ساحة مايو، التي يعبر فيها السكان تاريخيا عن فرحهم أو غضبهم أمام القصر الرئاسي، رافعين لافتات ومرددين هتافات من بينها “لا لصفقة مع صندوق النقد الدولي” و”الدين للشعب وليس لصندوق النقد الدولي” و”تسديد الدين هو تصحيح”.
في المقابل ستتبنى الحكومة سياسة ميزانية صارمة في بلد يشكل فيه الفقراء 40% من السكان.
وقالت آنا كريستينا خايمي (70 عاما) لوكالة الصحافة الفرنسية بغضب “إنه لأمر مروع أن نرى في المستشفيات أطفالا ببطون صغيرة منتفخة من الجوع. هذا موجود اليوم في الأرجنتين!”.
وأضافت أن هذا الوضع “يتكرر كل 8 أو 9 سنوات. ويتم بيعنا لصندوق النقد الدولي”.
وتابعت أن “الخيار الوحيد الذي أراه هو عدم الدفع بل ملاحقة رؤوس الأموال التي فرت إلى الخارج. يجب على هؤلاء أن يدفعوا”.
وطوال الأسبوع عقد وفد أرجنتيني (حكومي ومن المصرف المركزي) اجتماعات في واشنطن مع فريق من صندوق النقد الدولي.
وبحلول نهاية العام سيكون على السلطة التنفيذية أن تقدم إلى البرلمان “برنامجا اقتصاديا لسنوات عدة” يمكن أن يصادق عليه الصندوق.
وفي ختام جولة المحادثات، قال صندوق النقد الدولي في بيان أول أمس الجمعة إن “المزيد من المناقشات” مطلوب قبل التوصل إلى اتفاق.
وكان حشد أكبر تجمّع مساء أول أمس الجمعة في ساحة مايو، لكنه ضم قطاعات قريبة من الحكومة، للاحتفال في حفل موسيقي بالذكرى الـ38 لعودة الديمقراطية في الأرجنتين بعد الحكم الدكتاتوري (1976-1983).
في القصر الرئاسي، اجتمع الرئيس الحالي ألبرتو فرنانديز والرئيس البرازيلي الأسبق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا (المرشح المحتمل للرئاسة في 2022) ورئيس أوروغواي خوسيه موخيكا الملقب بـ”بيبي”.
وكان الموضوع هو مسألة “الحنين” -حسب لولا دا سيلفا- إلى “عصر أفضل للديمقراطية” في أميركا الجنوبية، عندما كانت سلطات تنفيذية تنتمي إلى يسار الوسط أو اشتراكية أو بوليفارية تحكم من سانتياغو إلى كراكاس في العقد الأول من القرن الـ21. لكن هنا لا شك في “العدو” الذي يرد اسمه في كل الخطب: صندوق النقد الدولي.
وعلا تصفيق حاد عندما قال ألبرتو فرنانديز إن “التعديلات (الهيكلية) في الأرجنتين تنتمي إلى التاريخ”، وإن تسديد الدين “لن يكون على حساب الصحة والتعليم العام والرواتب والمعاشات التقاعدية”، وإن حَرص على التأكيد على أننا “سنتحمل التعهدات التي قطعها آخرون”، أي القرض الذي حصل عليه سلفه ماوريسيو ماكري (2018).
وكان التصفيق أكثر حرارة عندما دانت كريستينا فرنانديز دي كيرشنر، رئيسة الدولة من 2007 إلى 2015 ونائبة الرئيس الحالية والتي ما زالت تتمتع بشعبية كبيرة، صندوق النقد الدولي “الذي يتحكم في الحياة منذ فترة طويلة في الأرجنتين”.
وقالت متوجهة إلى الرئيس فرنانديز “ليساعدنا صندوق النقد الدولي على استرداد مليارات الدولارات التي لا تفتقر إليها الأرجنتين بل نقلها (أرجنتينيون) إلى ملاذات ضريبية، فليكن هذا نقطة تفاوض مع الصندوق”.
وتجري هذه المفاوضات متزامنة مع موعد الذكرى السنوية لـ”الأزمة الكبرى” التي هزت البلاد في ديسمبر/كانون الأول 2001.
فقد أدى الانفجار الاجتماعي للأرجنتين، التي كانت عالقة بين هرب رأس المال وأزمة سيولة بعد سنوات من خطط التقشف بناء على طلب صندوق النقد الدولي، إلى أعمال شغب ونهب وعنف أفضت إلى سقوط نحو 40 قتيلا.
وقال البستاني خوان سوتو (30 عاما) “أتذكر جيدًا عام 2001.. نهب سوبرماركت على زاوية شارعي، وكان الناس بلا عمل وكان الجوع”.
وأضاف أن “التاريخ يعيد نفسه كما تعلم. إذا كان هناك اتفاق (مع صندوق النقد الدولي)، فهناك تصحيح. ولكن من يصحح؟ العمال، الفقراء، الذين يخرجون من وباء ضاع بسببه الكثير من الوظائف؟”.
المصدر : الفرنسية