صحيح ان المناورات العسكرية التي بدأها حلف شمال الاطلسي في المتوسط الاثنين هي الأضخم منذ عشرة أعوام، لكنها لن تتعدى حدود الإستعراض الإعلامي للقوة في مواجهة روسيا، التي لا تستعرض بل تستعمل قوتها العسكرية في الميدان لإعادة توازنات القطبية الثنائية التي كانت قد انهارت بعد تفكك الاتحاد السوفياتي.
وصحيح ان هذه المناورات كانت قد تقررت قبل التدخل الروسي في سوريا، لكنها تأتي الآن بعد صدمتين أحدثهما فلاديمير بوتين على المسرح الآسيوي، الذي يشهد انحساراً متزايداً للحضور الأميركي وتراجعاً مثيراً للفاعلية الاوروبية في الأطلسية العسكرية، الصدمة الاولى كانت عندما ضمّت موسكو القرم واندفعت الى شرق أوكرانيا على رغم المعارضة الاوروربية، والصدمة الثانية عندما بدأت عملياتها العسكرية في سوريا دعماً لنظام الرئيس بشار الأسد على رغم الانتقادات الغربية.
لا معنى لإيراد الأرقام كالحديث عن 36 الف جندي و230 وحدة عسكرية و140 طائرة وأكثر من 60 سفينة حربية، ستشارك في المناورات التي اطلق عليها اسم “ترايدنت جانكتشر 2015” [الرمح الثلاثي]، فقبل فترة دفع بوتين بأكثر من 45 الف جندي الى مناورات بحرية في المتوسط، وفي 24 حزيران الماضي أجرى عدد من القطع البحرية الروسية مناورات في جنوب شرق المحيط الأطلسي.
وهكذا عندما تقول مسؤولة الإعلام في حلف شمال الاطلسي إلينا كوكا إن الغرض من المناورات في مياه اسبانيا والبرتغال وايطاليا، اختبار قدرة الحلف على الرد على أي تحديات في حالات الوضع المتأزم، من الضروري التذكير بأن المسافة بين نابولي الايطالية وطرطوس السورية حيث ينشط الروس هي 2664 كيلومتراً وبينها وبين اوكرانيا 1627 كيلومتراً.
بما يعني أن المناورات تمثل عرضاً متباعداً للقوة لكنه متناقض تماماً، فالروس يخوضون حرباً فيها تحد كبير لأميركا وحلفائها الأطلسيين، اما هؤلاء فيقدمون استعراضاً لن يرقى مثلاً الى مستوى رسالة التحدي السافر التي وجهها بوتين اليهم عندما اطلق صواريخ “كروز” من بحر قزوين، لتعبر في محاذاتهم وهي تتجه الى سوريا، ولم يكن في حاجة ميدانية اليها، لأن مقاتلاته كانت تحلق في الفضاء السوري، ثم عندما ارسل مقاتلاته لتتحرش بتركيا وهي ثانية أقوى دولة في حلف شمال الاطلسي، بينما كانت أميركا منهمكة بسحب صواريخ “باتريوت” من تركيا!
وعندما تقول كوكا “إن لدى الحلف القدرة على مواجهة أي تحديات اينما كانت، وخصوصاً في ظل تحديات يواجهها في جنوب وشرق المتوسط حيث الارهاب وتجارة الأسلحة والقرصنة”، يستطيع بوتين ان يقلب على ظهره من الضحك، لأنه يتذكر كما يتذكر الأطلسيون، الذين وجدوا صعوبات فورية في مخزون القذائف بعد اسبوعين من عمليات القصف لقوات القذافي في ليبيا، والذين فشلوا أيضاً في شلّ عمليات القراصنة في الصومال!
راجح خوري
صحيفة النهار اللبنانية