أطلقت رئاسة أركان الجيش التركي، الاثنين، أكبر مناورة بحرية في تاريخ الجمهورية في بحار الأبيض المتوسط والأسود وإيجه وذلك بالتزامن مع تصاعد الخلاف بين أنقرة ودول حوض البحر الأبيض بسبب بدء سفن تركية بالتنقيب عن الموارد الطبيعية شرقي البحر.
وأطلقت المناورات بشكل متزامن في البحار الثلاث بمشاركة 131 سفينة بحرية، و57 طائرة حربية، و33 مروحية وهي المرة الأولى التي تشارك بها قوات بهذا الحجم تابعة لسلاحي البحر والجو في مناورة عسكرية، لتكون بذلك أكبر من مناورات “الوطن الأزرق” التي جرت بين فبراير/شباط ومارس/آذار الماضي في البحار الثلاثة وكانت تعتبر آنذاك الأكبر في تاريخ الجمهورية.
وتشمل المناورات التي أطلق عليها اسم “ذئب البحر 2019” مناورات على المستوى الاستراتيجي والعملياتي استنادًا إلى سيناريوهات مستوحاة من فترات الأزمات والتوترات والحروب وتهدف إلى رفع مستوى الجاهزية العملياتية للقطع البحرية والجوية التابعة لقيادة القوات البحرية التركية، وسوف تشهد مناورات بالذخيرة الحية وقصف بحري وبري وضرب أهداف على سطح الماء.
وسيتم تنفيذ عمليات قصف من طائرات مسيرة، وراجمات صواريخ محملة على السفن الحربية، وطائرات مسيرة هجومية ومسلحة، وقذائف موجهة، وقصف من مدفعية البحرية، وقصف جوي من الطائرات وتدريبات على الحرب فوق الماء، والحرب الدفاعية تحت الماء، والحرب الإلكترونية، وعمليات المراقبة في البحار، وعمليات إنقاذ عناصر الغواصات، حيث من المقرر أن تستمر هذه المناورات حتى الخامس والعشرين من الشهر الجاري.
وزير الدفاع التركي خلوصي أكار قال إن الغاية من هذه المناورات “إظهار مدى عزم وإصرار وقدرة القوات البحرية على حماية البلاد وأمن شعبها، والمحافظة على السيادة والاستقلال والحقوق والمصالح البحرية”، مضيفاً: “نتخذ كافة التدابير اللازمة من أجل حماية حقوق بلادنا في شرق المتوسط وقبرص، علاوة على مكافحة الإرهاب داخل البلاد وخارجها”.
وتأتي هذه المناورات في الوقت الذي يشهد فيه البحر الأبيض المتوسط واحدة من أسوأ الأزمات في ظل تصاعد الخلاف على الثروات وتقسيم الحدود البحرية، حيث تواجه تركيا وجمهورية شمال قبرص تحالفاً أكبر يجمع مصر واليونان وقبرص وإسرائيل.
ومنذ سنوات يتصاعد الخلاف بين تركيا من جهة وتحالف “منتدى غاز شرق المتوسط” الذي يضم مصر وإسرائيل وقبرص واليونان من جهة أخرى حول التنقيب عن الموارد الطبيعية، لكن الخلاف انتقل إلى مراحل متقدمة مع بدء تركيا التنقيب عملياً في مناطق متنازع عليها والحديث عن اكتشافات هائلة قبالة مصر وإسرائيل وقبرص.
ودخل التوتر مرحلة خطيرة وحساسة مع بدء تركيا التنقيب فعلياً في منطقة خلافية تعتبرها قبرص إنها تدخل ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة لها، في حين تؤكد أنقرة أنها غير ملزمة باتفاقات ترسيم الحدود البحرية الموقعة بين الحكومة القبرصية والدول الأخرى لا سيما مصر، التي أصدرت بياناً شديد اللهجة ضد تركيا قبل أيام.
ووقعت جمهورية قبرص عقوداً لاستكشاف واستغلال حقول الغاز مع شركات عملاقة مثل “إيني” الإيطالية و”توتال” الفرنسية و”إكسون موبيل” الأميركية، لكن أنقرة تعارض أي استكشاف واستغلال لموارد طاقة تستثني “جمهورية شمال قبرص التركية”.
وأدانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليونان الخطوة التركية، محذرين جميعاً من تدهور الأوضاع في شرقي المتوسط، وهو ما ردت عليه الخارجية بقوة معتبرة أن تركيا ستواصل العمل من أجل “حماية حقوقها وحقوق جمهورية شمالي قبرص بكافة الوسائل”.
وأدى الاحتقان والخلاف بين تركيا واليونان حول غاز البحر المتوسط في أكثر من مناسبة إلى احتكاك عسكري بين قوات البلدين، وهو ما دفع الكثير من الأطراف الدولية إلى التحذير من أن يؤدي تزايد الخلافات والتحشيد العسكري إلى مواجهة عسكرية غير محسوبة العواقب بين البلدين، أو أطراف أخرى في ظل تشابك الأزمة ودخول مصر كطرف رئيسي فيها بالأسابيع الأخرى.
القدس العربي