تشير تقارير عديدة إلى أن حرب يوليو (تموز) 2006 كانت مفصلية بتحويل “حزب الله” من قوة لبنانية محلية تحظى بدعم إيراني، إلى قوة استراتيجية إقليمية شاركت بتوسيع النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط. فبعد أن استطاعت ثورة 14 مارس (آذار) 2005 إخراج الجيش السوري من لبنان، وحينها طرحت طاولة الحوار الوطني التي شارك فيها أمين عام “حزب الله” حسن نصر الله، مسألة تسليم السلاح غير الشرعي للدولة، إلا أن فتح المعركة مع إسرائيل حينها فرمل تلك الاندفاعة، وأعطى الحزب فرصة رصّ صفوفه قبل أن يستبيح شوارع بيروت في 7 مايو (أيار) 2008. ووفق تلك التقارير فإن الحزب بدأ حينها تطوير أساليبه القتالية ومنظومته العسكرية التي استخدمها بشكل فاعل في سوريا والعراق وعدد من الدول العربية.
وفي جميع “الميادين” التي بدأ ينكشف فيها وجود عناصر من “حزب الله”، كانت بيانات الحزب تشير إلى وجود ما تسميه “خبراء”، وهذا ما أعلن عنه الحزب قبل أن يعترف بمشاركته الفعالة بالحرب السورية، والأمر نفسه في العراق، حيث أعلن الحزب حينها أن مجموعة من “الخبراء” موجودة لتقديم المساعدة الاستشارية لـ”الحشد الشعبي” والفصائل التي تقاتل “داعش”، أما في اليمن فبقي الأمر غامضاً، على الرغم من التقارير الاستخباراتية التي أكدت وجود فاعل لمقاتلي “حزب الله” في عدة محافظات يمنية، والنفي المستمر لـ”حزب الله” لأي دور عسكري له.
الحدود السعودية – اليمنية
وفي تقرير نشرته سابقاً “فورين بوليسي” الأميركية، لفتت فيه إلى دور واسع النطاق لـ”حزب الله” في اليمن، حيث قالت إن “حسن نصر الله هو العقل المدبر لمعظم ما حدث على الحدود السعودية – اليمنية”، مشيرة إلى أنه في 5 مايو 2015، بدأ الحوثيون وحلفاؤهم بقصف أهداف على الحدود السعودية تحت إشراف “حزب الله” اللبناني، حيث كانت بداية باستخدام قذائف الهاون وصواريخ الكاتيوشا، لكنهم زادوا تدريجياً مستوى هجماتهم باستخدام صواريخ وقذائف ذات شحنات متفجرة أكثر وزناً وأطول مدى.
وكشفت عن أن “حزب الله” اللبناني كان يدير منصات الصواريخ، وأن نائب قائد قوة القدس حينها، إسماعيل قاآني، قام بنفسه بالإعلان أن المتمردين الحوثيين تلقوا تدريباً “تحت راية الجمهورية الإسلامية”، مضيفة أن “حزب الله” عمل على برنامج التدريب والتسليح هناك، ووفق الصحيفة فإن مسؤولين في الاستخبارات الأميركية أكدوا أن فيلق القدس و”حزب الله” ينشطان في اليمن.
جنازات سرية
من جانبه، يؤكد عقيد ركن التوجيه المعنوي والإعلام محور صعدة، عبدالله الحميقاني، “أن تدخل “حزب الله” في اليمن لم يعد سراً، وبات مكشوفاً لدى الحكومة اليمنية التي أرسلت عدداً من مذكرات الاحتجاج للإخوة في الحكومة اللبنانية”، متأسفاً على عدم اتخاذ لبنان أي موقف أو إجراء لمنع تدخل الحزب المستمر في تأجيج الصراع اليمني، لافتاً إلى أن معظم النخب السياسية في لبنان تماشت وتماهت مع ما يرتكبه “حزب الله” من جرائم وإرهاب بحق الشعب اليمني.
وأشار إلى أن الحكومة اليمنية، ومعظم الدول الخليجية والعربية باتت تعلم أن أحد أبرز عناصر إطالة الحرب في اليمن هو تدخل “حزب الله” السافر في الحرب اليمنية، وذلك تحت رعاية الحرس الثوري الإيراني الذي يستخدم “شماعة آل البيت” كعنصر للتحريض المذهبي في البلاد، محملاً الحكومة اللبنانية مسؤولية مشاركة “حزب الله” وانتهاك السيادة اليمنية.
وكشف عن سقوط أعداد كبيرة من عناصر “حزب الله” في اليمن كان آخرهم في الأيام الماضية المدعو أبو حيدر سجاد، والقيادي في الحزب أكرم سيد، الذي قتل على جبهات مأرب بتاريخ 10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي.
وشدد على أن ارتفاع أعداد القتلى دفعت نصر الله لإرسال توجيه عاجل وسري بدفن القتلى بمدافن تابعة للحوثيين وضرورة اقتصار المراسم على أقل عدد ممكن، مؤكداً أن هذا الإجراء يهدف لعدم كشف الأعداد المتزايدة من القتلى، سواء كانوا التابعين لـ”حزب الله”، أو عناصر الحرس الثوري الإيراني. وأضاف، “يجري دفن جثث العشرات من خبراء ومقاتلي إيران و”حزب الله” في سرية تامة بعد نقلهم إلى المقابر الجماعية في صعدة”.
اقرأ المزيد
نيران الحوثي تطال مخيمات النازحين في مأرب
الكويت تسجن 18 متهما بالتخابر لحزب الله
وقائع دامغة
بدوره، يشير الكاتب السياسي المتابع للشأن الخليجي، طارق أبو زينب، إلى أن مصرع قيادات وخبراء لبنانيين يقاتلون إلى جانب ميليشيات الحوثيين، إضافة إلى الوجود الدائم لقيادات عسكرية تابعة لـ”حزب الله” والحرس الثوري الإيراني في اليمن يكشف عن حجم التدخل الإيراني في الحرب الدائرة فيه.
وأوضح أن اللبنانيين الذين قتلوا خلال الأسابيع الماضية على جبهات مأرب هم من الرتب القيادية، حيث تشير المعلومات إلى أن القتيل أكرم السيد من أبرز الخبراء العسكريين في “حزب الله”، الذي تسلل إلى اليمن واستقر فيه منذ عام 2017، وكان له دور أساسي في توجيه ميليشيات الحوثي في محافظة مأرب وسط البلاد، بمواجهة القوات الحكومية الشرعية، في حين أن مهمة القيادي في الحزب مصطفى الغراوي، الذي قتل أخيراً في غارات التحالف العربي، كان مكلفاً تدريب ميليشيات الحوثي على الانتشار في الجبهات الأمامية والتموضع في مواقع استراتيجية.
وكشف أبو زينب عن وجود آلاف المقاتلين الذين يدخلون الأراضي اليمنية بشكل غير شرعي، عبر أسماء وجوازات مزورة، أو عبر الدخول خلسةً من الحدود البحرية والبرية، وأن معظم هؤلاء شاركوا سابقاً في الحرب السورية، الأمر الذي يعكس حجم ومستوى انخراط “حزب الله” المدعوم من إيران في التصعيد العسكري الذي تشنه ميليشيات الحوثي في مختلف جبهات القتال اليمنية.
ولفت إلى أن ما يؤكد انخراط الحزب في حرب اليمن إدراج الخزانة الأميركية سابقاً اللبناني خليل يوسف حرب، وهو مستشار مقرب من نصر الله، على قوائم العقوبات، وقد عرضت الولايات المتحدة الأميركية مكافأة مالية قدرها 5 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عنه، كونه أسهم في تهريب مبالغ مالية ضخمة للحوثيين، ما يثبت بالأدلة الدامغة دور الحزب في إدارة المعارك وعمليات التمويل.
300 خبير لبناني
وكان قائد المقاومة الوطنية التابعة للجيش الوطني اليمني العميد الركن طارق محمد عبدالله صالح، قد أكد في تصريح صحافي دخول أكثر من 300 من خبراء “حزب الله” إلى صنعاء منذ عام 2011 لتدريب ميليشيات الحوثي.
وكشف عن أن سفناً عسكرية جرى احتجازها في ميناء الحديدة في الأيام الأولى لانقلاب الحوثيين على الشرعية، حيث تبين أنها تحمل صواريخ “إيغلا إس”، وصواريخ الكورنيت، لافتاً إلى أن إيران استعدت وحشدت لهذه المعركة، وجرت المنطقة ودولها إلى الحرب.
بين النفي والتأكيد
في المقابل، تشير عدة مصادر مقربة من “حزب الله” إلى عبارة “لا ننفي ولا نثبت وجودنا في اليمن”، وذلك على عكس النفي المستمر لأمين عام الحزب التدخل العسكري المباشر في اليمن، إذ أشار خلال خطاب له في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، إلى أن حزبه “لم يرسل سلاحاً إلى اليمن، ولا إلى البحرين، ولا إلى الكويت، ولا إلى العراق، ولا إلى أي بلد عربي، لا صواريخ باليستية، ولا أسلحة متطورة، ولا حتى مسدس”.
في حين يعتبر الإعلامي أمين قمورية، أن دعم “حزب الله” للحوثيين لا يتجاوز المشاركة الرمزية والمعنوية، مثل توفير التدريب والدعم الإعلامي والموقف السياسي، لافتاً إلى أن الحوثيين ليسوا بحاجة لمشاركة عسكرية من الحزب، رافضاً الربط بين الحالة الحوثية ومبررات التدخل في سوريا.
أما المحلل السياسي المقرب أيضاً من الحزب ماهر الدنا، فيؤكد أن الحزب لا يتدخل عسكرياً في دول الخليج، إنما يدعم معنوياً حلفاءه، مشدداً على أن التجربة الميدانية أثبتت أن الحوثيين قادرون على فرض قوتهم بنفسهم، حيث استطاعوا إجهاض جميع محاولات سحقهم طوال السنوات الماضية.
اندبندت عربي