على الرغم من اللقاء المباشر المرتقب بينهما في 4 فبراير/ شباط المقبل، في الصين، على هامش الألعاب الأولمبية الشتوية، لم ينتظر الرئيسان الصيني والروسي، شي جين بينغ وفلاديمير بوتين، ذلك التاريخ للتواصل، إذ تمّ الإعلان، الأسبوع الماضي، عن قمّة بينهما ستعقد اليوم، الأربعاء، عبر تقنية الفيديو، للتباحث في الشؤون ذات الاهتمام المشترك.
ولا تبدو القمّة المرتقبة اليوم مفاجئة في توقيتها، وهي الثانية للرجلين خلال العام الحالي، بعد أولى انعقدت افتراضياً أيضاً في 28 يونيو/ حزيران الماضي، تزامناً مع الذكرى الـ20 لتوقيع معاهدة “حسن الجوار والصداقة والتعاون” بين البلدين بين بوتين ونظيره الصيني حينها جيانغ زيمين.
وكما الحال في قمّة 28 يونيو، التي كانت قد سبقتها في 17 يونيو القمّة الرئاسية الأولى (المباشرة) بين بوتين ونظيره الأميركي جو بايدن، والتي انعقدت في جنيف، تأتي قمّة بوتين – شي، اليوم، بعد قمّة ثانية انعقدت في 7 ديسمبر/ كانون الأول الحالي بين بوتين وبايدن، افتراضياً.
قمة اليوم هي الثانية لبوتين وشي خلال العام الحال
وتتشابه قمّة اليوم مع تلك التي عقدها الرئيسان الروسي والأميركي أخيراً، من حيث طبيعتها “المستعجلة”، إذ تأتي في أجواء من التوتر المتصاعد، سواء العسكري على الحدود الجنوبية الروسية في أوكرانيا، أو السياسي – العسكري في منطقة الهادئ – الهندي. وينظر كل من شي وبوتين إلى التصعيد في حدائق بلديهما الخلفية، أو في المحيط الجغرافي المباشر، كتهديد وجودي يمس بالأمن القومي، وتغذيه أميركا، ما استدعى الإعلان عن القمّة العاجلة، التي ستحمل من دون شكّ عنوان إظهار جبهة موحدة.
قمة افتراضية بين بوتين وشي
وأكد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، أمس الثلاثاء، انعقاد القمّة الافتراضية اليوم، موضحاً أنها ستكون قمّة طويلة، وستغطي أجندة واسعة. وقال بيسكوف: “غداً (اليوم)، ستعقد القمة الروسية – الصينية، وستتم عبر تقنية الفيديو، وستشمل محادثات مهمة للغاية”.
وأضاف أنه “لطالما تميّز التواصل بين الرئيسين الروسي والصيني بالعمق”، لكنه أشار أيضاً إلى أن “الوضع الدولي المتوتر، وخصوصاً في القارة الأوروبية، وكذلك الخطاب العدواني لحلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة، يتطلب مباحثات بين موسكو وبكين”.
وحول جدول أعمال اللقاء، قال بيسكوف إنه سيشمل القضايا الدولية والإقليمية، ومسألة الطاقة، وتقييم نتائج العمل المشترك وسبل تطوير العلاقات الاستراتيجية الروسية – الصينية، ولفت إلى أن القمّة ستناقش “التوترات في أوروبا والخطاب العدواني للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي”.
تحليلات
حشود روسيا ضد أوكرانيا.. أوروبا تستعد للأسوأ وعينها على التسوية
وحول ما إذا كانت المحادثات ستتطرق إلى موضوع إمدادات الغاز الروسي إلى الصين والعقود الجديدة، أكد أن “حوار الطاقة سيكون على جدول الأعمال”، كذلك مسألة “التعاون في مجال التقنيات العالية والاستثمارات المشتركة والتجارة”.
وسيلي القمة، بحسب بيسكوف، مؤتمر صحافي لمساعد الرئيس الروسي للشؤون الدولية يوري أوشاكوف، لافتاً إلى أن الجزء الأول من القّمة سيكون مفتوحاً للإعلام، حيث سيتم تبادل الكلمات بين بوتين وشي.
وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ وينبين قد لفت، أول من أمس، إلى أن الرئيسين “سيقومان بمراجعة شاملة للعلاقات الثنائية وللتعاون الثنائي في مجالات مختلفة، والذي جرى هذا العام، والقيام بتخطيط عالي المستوى لتطوير العلاقات الثنائية العام المقبل”.
ملف أوكرانيا ضمن أجندة اللقاء
ويعكس تصريح الكرملين بوضوح الرغبة الروسية بتسليط الضوء على أهمية التنسيق بين بكين وموسكو في المسائل الدولية والإقليمية.
وتريد موسكو أن تظهر للغرب أنها ليست معزولة مطلقاً في ما خصّ الملف الأوكراني، والذي وجّهت قمة مجموعة السبع في نهاية الأسبوع الماضي، من ليفربول الإنكليزية، تحذيرات جديدة إلى روسيا حوله.
وعلى الرغم من سعي موسكو إلى إبراز أنها تضع شروطها على طاولة البحث في المسألة الأوكرانية مع الدول الأوروبية الكبرى والولايات المتحدة من موقع قوة، وأبرزها الحصول على ضمانات مكتوبة بعدم تمّدد الناتو أكثر في أوروبا الشرقية، إلا أن الواقع ربما يكون ليس بهذا القدر من الميل لصالح الروس. ويضغط سيف العقوبات المشددة المسلط على موسكو، كما أنّ أي مواجهة أو عملية عسكرية تشنها روسيا على أوكرانيا لن تكون نزهة سريعة، وستكون تداعياتها واسعة جداً.
من جهتها، تتعرض الصين لضغط أميركي متواصل، ازدادت وتيرته مع وصول بايدن إلى الرئاسة، وتحريك واشنطن لملفات تايوان وحقوق الإنسان وبحر الصين الجنوبي وهونغ كونغ، وكلّ ما يمكن أن يزعج بكين، المدركة أنها على رأس أجندة الاهتمام الأميركي في الوقت الحالي. وتأتي القمة فيما يقوم وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بجولة في منطقة جنوب شرقي آسيا، حيث يزور إندونيسيا وماليزيا وتايلاند، لتعزيز التعاون الاقتصادي مع مجموعة رابطة “آسيان” الاقتصادية. ويبلغ التنافس الصيني – الأميركي مستوى قياسياً في الوقت الحالي لجذب دول المنطقة إلى فلك أي منهما، وهي مسألة سعّرت السباق على الهيمنة في منطقة الهادئ – الهندي الحيوية اقتصادياً.
بيسكوف: القمّة ستناقش التوترات في أوروبا والخطاب العدواني للولايات المتحدة والناتو
وتبدو القمّة بصفتها المستعجلة مطلباً روسياً ولقاء ضرورياً للصين لإظهار جبهة موحدة بين العملاق الصيني والدب الروسي في وجه الضغط الأميركي المتزايد. وترى موسكو وبكين أن واشنطن تسعى إلى سياسة احتواء مزدوجة في وجهيهما، أكان لجهة توسعة الناتو في شرق أوروبا، أو ضد الصين عبر سياسة منطقة هندي – هادئ حرّة ومفتوحة. من جهتها، تشدد واشنطن على سردية “رجعية” البلدين وديكتاتورية نظاميهما في مواجهة العالم الحر.
وتلا عدم دعوة بايدن لكلا البلدين للمشاركة في قمّة الديمقراطية التي عقدها الأسبوع الماضي، إعلان بلاده وأستراليا وكندا وبريطانيا مقاطعة الألعاب الشتوية الأولمبية التي تستضيفها الصين في فبراير المقبل، ما أكدت بكين أنها سترد عليه.
وأكدت وكالة “رويترز” أخيراً، أن الصين كانت محور اهتمام مباحثات وزراء الخارجية في مجموعة السبع في ليفربول، نهاية الأسبوع الماضي. وتسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون للوصول إلى أرضية مشتركة لتحديد السياسة الواجب اتباعها لمواجهة ازدياد النفوذ الصيني في أكثر من منطقة استراتيجية حول العالم. وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية للوكالة إن “التركيز على منطقة الهادئ – الهندي (خلال اجتماع مجموعة السبع) كان هائلاً”.
شراكة استراتيجية بين الصين وروسيا
وعلى الرغم من تطور العلاقات بين الصين وروسيا خلال العقد الماضي، وتعمقها في أكثر من ملف، إلا أن أي “تحالف” لم يعلن بشكل رسمي بين القوتين. ويجري الحديث دائماً عن شراكة استراتيجية، تبقى محدودة إذا ما أخذت في الاعتبار الاعتبارات التي تحكم مصالح كلا البلدين، والتي قد لا تتقاطع مصالح أحدهما مع مصالح الآخر.
وتضع الصين التجارة والطاقة والموارد الطبيعية على رأس الملفات التي تحدد علاقتها بروسيا، فيما تنظر الأخيرة إلى التنين الصيني من زاوية تعدد القطبية في مواجهة التفرد والهيمنة الأميركية. كما أن البلدين اللذين يتشاركان في حدود طويلة معنيان بمتابعة القضايا الإقليمية ذات الأهمية المشتركة، كأفغانستان والهند.
تأتي القمة فيما يقوم وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بجولة في جنوب شرقي آسيا
ومن هنا، يحتاج شي جين بينغ اليوم إلى توضيحات من نظيره الروسي حول زيارة الأخير إلى الهند، التي كانت إحدى الوجهات النادرة التي يتوجه إليها شخصياً منذ تفشي كورونا، وذلك لعقد قمّة مع رئيس وزرائها ناريندرا مودي. وتريد بكين، من دون شكّ، تطمينات من موسكو حول الاتفاقات أو الالتزامات أو الوعود الروسية التي منحت لنيودلهي في شأن تطوير القطاعات الدفاعية العسكرية الهندية.
أما في ما خصّ المسألة الأوكرانية، فمن الصعب أن تحصل موسكو على التزامات كبيرة من الصين، التي تقيم علاقات جيّدة مع كييف، وحيث تولي أهمية كبيرة للحفاظ على مصالحها التجارية الحيوية وطرق إمدادها إلى أوروبا، ما يرجح استمرار بكين في دعوتها إلى الحوار والدبلوماسية لحل المسألة.
في المقابل، تتخذ موسكو موقفاً مبدئياً رافضاً للضغوط الأميركية على الصين في مسائل عدة، ومنها توتر بحر الصين الجنوبي، على الرغم من رصد روسيا للعسكرة المتزايدة للمنطقة الحيوية، فضلاً عن تزايد القدرات العسكرية للصين.
وأخيراً، تدخل القمّة، في الشكل، في سياق متواصل من القمم الافتراضية، التي تتحول شيئاً فشيئاً إلى الإطار الطبيعي للقاءات العالمية والدولية على أكثر من مستوى، في ظلّ استمرار تفشي كورونا.
ولم يسافر الرئيس الصيني في أي زيارة خارجية منذ أكثر من 22 شهراً، ولم يحضر شخصياً قمة مجموعة الـ20 التي انعقدت في روما في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. كما لم يحضر قمة غلاسكو للمناخ في غلاسكو الاسكتلندية. وانتقد بايدن عدم مشاركة الصين وروسيا في قمة المناخ، علماً أنه عقد قمة واحدة مع شي، في نوفمبر الماضي، افتراضياً.
(العربي الجديد)