يخضع كثير من الأفراد والشركات الروسية بالفعل لمجموعة واسعة من العقوبات بسبب ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، وتضاعفت العقوبات بعد عام 2016 إثر التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية، كذلك أضافت الولايات المتحدة المزيد من العقوبات بسبب ما تقول إنها نتيجة الهجمات الإلكترونية عليها، وانتهاكات حقوق الإنسان، واستخدام الأسلحة الكيميائية، والتعامل مع كوريا الشمالية وسوريا وفنزويلا.
ويُطرح سؤال على نطاق واسع في واشنطن عن ماهية العقوبات الإضافية الأخرى التي يمكن لواشنطن وحلفائها الغربيين فرضها على روسيا لردعها عن غزو شرق أوكرانيا المتوقع حسب تقديرات أجهزة الاستخبارات الأميركية.
وكرر الرئيس الأميركي جو بايدن -يومي السبت والأحد الماضيين- أنه أوضح للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن روسيا ستدفع “ثمنا باهظا”، وستواجه عواقب اقتصادية مدمرة إذا غزت أوكرانيا.
وأضاف: “لقد أوضحت تماما للرئيس بوتين أنه إذا تحرك نحو أوكرانيا، فإن العواقب الاقتصادية على اقتصاده ستكون مدمرة”.
وفي جلسة استماع الثلاثاء الأسبوع الماضي، أطلق السيناتور بوب مينينديز أقوى تحذير من جانب قادة الكونغرس إلى روسيا، وقال موجها كلامه للرئيس الروسي “اغز أوكرانيا، وسوف ندمر اقتصادك”.
وقال مينينديز -الذي يشغل منصب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ- “أريد أن أقول بوضوح تام لأولئك الذين يستمعون إلى هذه الجلسة في موسكو وكييف وعواصم أخرى في جميع أنحاء العالم: الغزو الروسي سيؤدي إلى فرض عقوبات اقتصادية مدمرة، لم نر مثلها من قبل”.
وأشار خبراء ومسؤولون سابقون في العقوبات إلى أن الأهداف المحتملة تشمل البنوك الروسية، والشركات المملوكة للدولة، وصندوق الاستثمار المباشر الروسي، وطبقة رجال الأعمال القريبة من الكرملين، وهناك خيارات أخرى تتمثل في عزل البلاد ماليا عن آلية “سويفت” (SWIFT) وتوسيع نطاق العقوبات المفروضة على تجارة الديون السيادية الروسية في السوق الدولية.
سلاح السويفت
يشير المدير السابق لمكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة الأميركية، جون سميث، إلى أن جوهر العقوبات الشديدة هو القول لبوتين “إذا كنت ستشن حربا عسكرية، فإننا سنشن حربا اقتصادية”.
ومنذ فرض الولايات المتحدة ودول أوربية عقوبات على روسيا منذ 2014، استطاعت روسيا الصمود اقتصاديا خاصة مع ارتفاع ثم ثبات أسعار النفط والغاز عند مستويات جيدة للمُصدرين، ولم يعد هناك تأثير كبير للعقوبات طبقا لتقرير لمجلس العلاقات الخارجية قبل نهاية عام 2019.
ويعتقد الخبراء الماليون أن واشنطن لديها سلاح قوي وفعال وشديد الألم، ولم تلجأ إليه من قبل، ألا وهو سلاح “سويفت” (Society for Worldwide Interbank Financial Telecommunication)، ويتيح نظام سويفت تنفيذ التحويلات المالية المتبادلة بين آلاف البنوك العالمية إلكترونيا وذلك باعتماد مقاييس دولية ومن خلال رمز محدد لكل بنك يسمى “سويفت كود”.
ويقول الخبراء إن أحد الخيارات المؤلمة بشكل خاص هو فصل روسيا عن نظام سويفت الدولي للدفع، وهو ما يعني عرقلة وحجب جزء كبير من الدخل الروسي بالعملات الصعبة التي تحصل عليها مقابل بيعها النفط والغاز وبقية صادراتها الأخرى، كما أن ذلك سوف يشل اقتصاد روسيا والمعاملات التجارية بينها وبين أغلب دول العالم.
وتعتمد روسيا على آلية سويفت لتصدير النفط والغاز لدرجة أنه عام 2019 قال رئيس وزرائها آنذاك ديمتري ميدفيديف إن منعها سيكون بمثابة “إعلان حرب”.
وأشار مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، إلى أن بلاده مستعدة للذهاب إلى أبعد مما كانت عليه عقوبات عام 2014، وذكر أن هناك دراسة لمجموعة واسعة من الخيارات، بما في ذلك احتمال طرد روسيا من نظام آلية سويفت.
وفي إفادة صحفية السبت الماضي، أشار مسؤول رفيع بوزارة الخارجية إلى أنه من المتوقع ألا تنضم مجموعة الدول السبع الكبرى فحسب لتطبيق جماعي للعقوبات على روسيا، ولكن سينضم أيضا “عدد كبير من الدول الديمقراطية”، التي ستتبنى كذلك فرض العقوبات التي تعلنها واشنطن.
وتقترح واشنطن كذلك تعليق عمل خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2” الجديد والمثير للجدل بين روسيا وألمانيا في حال قيام روسيا بعبور الحدود مع أوكرانيا. وقال جيك سوليفان “إذا أراد فلاديمير بوتين أن يرى الغاز يتدفق عبر خط الأنابيب هذا، فقد لا يرغب في المخاطرة بغزو أوكرانيا”.
ولكن هذه التدابير -كما هو الحال مع جميع العقوبات المفروضة على روسيا- ستسبب أيضا ألما خطيرا لأوروبا، فدول مثل ألمانيا وبقية القارة الأوربية لا تربطها علاقات تجارية قوية مع روسيا فحسب، بل إن جزءا كبيرا من القارة يعتمد على روسيا في الحصول على الغاز الطبيعي الذي يدفئ منازلها في فصل الشتاء.
ويعتقد بريان أوتول، وهو مسؤول سابق في وزارة الخزانة الأميركية والخبير حاليا في المجلس الأطلسي، أن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين سيستهدفون البنوك الروسية التي تقدم خدماتها للنخبة الحكومية الروسية، بما في ذلك “بنك التنمية الروسي” (VEB)، كخطوة مبكرة قبل استهداف البنوك التجارية الأكبر حجما، مثل “بنك سبيربنك” (Sberbank).
ويعد اختيار الأهداف عملية حساسة، يزيد من صعوبتها اندماج روسيا الكبير في الاقتصاد العالمي، ونظرا لهيمنة الدولار وأسواق المال الأميركية، فإن فرض عقوبات كاملة على شركات أو بنوك روسية عملاقة، بما يحرمها أساسا من الدولار والنظام المالي الأميركي، وهو ما من شأنه أن يبعث برسالة قوية إلى الرئيس بوتين.
تأثير العقوبات على الاقتصاد الروسي
من الصعب تحديد حجم الأضرار التي سيسببها فرض المزيد من العقوبات على الاقتصاد الروسي، إلا أن صندوق النقد الدولي قدر في عام 2019 أن العقوبات حدت من النمو الروسي بنسبة 0.02% بين عامي 2014 و2018.
وقد سعت الحكومة الروسية إلى حماية الاقتصاد من صدمة العقوبات، وتطوير بديل لآلية السويفت، والحد من الاعتماد على الدولار، وبناء صندوق الاستثمار الروسي.
ومن شأن العقوبات المالية أن تسبب فوضى كبيرة على المدى القصير، سواء داخل روسيا أو للشركات الدولية التي تقوم بأعمال تجارية هناك، لأنها ستوقف جميع المعاملات الدولية تقريبا، لكن روسيا -منذ عام 2014- تعمل على تطوير نظامها الخاص للتحويلات المالية، الذي يمثل الآن حوالي 20% من جميع التحويلات المالية المحلية.
ويعتقد العديد من المسؤولين في إدارة الرئيس السابق باراك أوباما أن العقوبات الغربية ردعت روسيا عن التقدم في عمق أوكرانيا ودفعت موسكو إلى طاولة المفاوضات مع كييف بشأن محادثات خفض التصعيد والتوصل لاتفاقية منسك.
ومن المرجح أن تأخذ روسيا في الاعتبار التهديد بفرض المزيد من العقوبات في حسابات أي قرارات بشأن العمل العسكري.
المصدر : الجزيرة