واشنطن- خلال زيارته للعاصمة الإماراتية أبو ظبي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أكد المبعوث الأميركي الخاص لإيران روبرت مالي أن “جيران طهران أوضحوا أنهم سيسعون إلى إيجاد سبل للتعاون معها اقتصاديا حال رفع العقوبات والعودة للاتفاق النووي”.
وأشار مالي إلى ما يوحي بتشجيع بلاده جيران إيران على الانخراط معها اقتصاديا، إذ قال إنه في حال تمكنت الأطراف المتفاوضة من استعادة الاتفاق النووي، فإن ذلك “يسمح أيضا لدول المنطقة بتطوير علاقات اقتصادية أكثر قوة مع طهران”.
وقبل أيام، التقت رئيسة مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بوزارة الخزانة الأميركية أندريه جيك بمديري شركات بتروكيماويات وشحن بحري وبنوك إماراتية لها معاملات مع إيران تقدر بمليارات الدولارات سنويا.
ويرى بعض المعلقين في واشنطن أن مسارعة أو هرولة دولة الإمارات إلى إيران وعدم الانتظار حتى يتم رفع العقوبات -بهدف تحقيق مكاسب اقتصادية ومالية على أمل حدوث نجاح سريع في مفاوضات فيينا- قد أغضب واشنطن؛ خاصة أن نصيب الشركات الإماراتية من العقوبات الأميركية بسبب التعامل مع إيران خلال العامين الماضيين كان كبيرا.
كانت الإمارات قبلت ورحبت بانسحاب إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي عام 2018، وعبرت عن التزامها بعقوبات “الضغط الأقصى” التي فرضت على إيران ذلك العام، والتي لم يلغها الرئيس بايدن حتى الآن.
وبالفعل، انخفضت الواردات الإيرانية للإمارات بنسبة 30%، من 8.2 مليارات دولار إلى 5.7 مليارات دولار، في حين انخفضت الصادرات الإيرانية إلى الإمارات بنسبة 11% من 6.7 مليارات دولار إلى 6 مليارات دولار خلال العام الأول من إعادة فرض العقوبات على إيران.
ويشير تقرير لخدمة أبحاث الكونغرس -صدر في نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي- إلى أنه “منذ منتصف عام 2019، أعرب مسؤولون أميركيون عن مخاوفهم من أن يشكل العدد الضخم من الإيرانيين المقيمين في إمارة دبي -الذين يقدّرون بـ400 ألف شخص- تهديدا داخليا لاستقرار الإمارات العربية المتحدة”.
وطبقا للتقرير، اعتبر الأميركيون هذا العدد الضخم “نتاج الحضور الاقتصادي الإيراني الواسع في دولة الإمارات. وقد أدت العلاقات التجارية إلى بعض المشتريات غير المشروعة من قبل الشركات الإماراتية من النفط الإيراني ووقود الطائرات، مقابل صادرات تكنولوجية حساسة ذات طبيعة عسكرية. كما تم استخدام بعض المؤسسات المالية الإماراتية من قبل كيانات إيرانية”.
من جهة أخرى، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على العديد من الكيانات التي تتخذ من الإمارات مقرا لها بسبب هذه الأنشطة.
ويقول مسؤولون أميركيون إن الشركات الإماراتية لعبت دورا رئيسيا بوصفها قناة للمعاملات المالية ومبيعات النفط وغيرها من التجارة التي تجريها إيران مع دول أخرى، بما في ذلك الصين. وتُعد الإمارات الشريك التجاري الثاني لإيران بعد الصين.
ووفقا لإسفانديار باتمان غليدج، مؤسس “مؤسسة بورصة وبازار” وهي مؤسسة فكرية اقتصادية تركز على إيران، فإن متوسط الصادرات الشهرية من النفط من الإمارات كان أعلى بنسبة 31% في الأشهر التسعة الأولى من عام 2021، مقارنة بما كان عليه في الأشهر الستة التي سبقت إنهاء إدارة ترامب حصص استيراد النفط للصين ودول أخرى في مايو/أيار 2019. وكتب أن الكثير من ذلك يأتي من إيران.
وبموجب القوانين الأميركية، التي تشرف على تطبيقها وزارة الخزانة، تجمد العقوبات المفروضة على إيران أي أصول أميركية للشركات المخالفة، وتمنع المواطنين الأميركيين عموما من التعامل معها.
وقالت وزارة الخزانة إن المؤسسات المالية الأجنبية التي تسهل -عن علم- معاملات الأشخاص المدرجين على القائمة السوداء (المخالفة لقوانين العقوبات) تواجه أيضا خطر التعرض لعقوبات.
وبالفعل، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على عدة شركات إماراتية، خلال العامين الماضيين، لدورها في تسهيل مبيعات النفط والبتروكيماويات الإيرانية، على الرغم من دعمها الخطابي لحملة الضغط القصوى التي تفرضها واشنطن ضد إيران، ومن هذه الشركات، “ألفا تك تريدينغ” و”وبترولاينس تريدينغ”.
وذكرت وزارة الخزانة أنها أضافت عدة شركات إلى القائمة السوداء، لتسهيلها تصدير المنتجات البتروكيماوية الإيرانية، وخرق العقوبات المفروضة على طهران.
ومع وصول الجهود الرامية إلى استعادة الاتفاق النووي إلى حافة الفشل، قال مسؤولون أميركيون إنه على الرغم من أنهم سيحافظون على المسار الدبلوماسي مفتوحا، فإنهم سيتطلعون إلى زيادة الضغط الاقتصادي والسياسي على إيران.
من هنا، جاءت زيارة رئيسة مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بوزارة الخزانة الأميركية إلى أبو ظبي، لتأكيد موقف واشنطن والتحذير من أن لديها “رؤية واضحة للمعاملات غير المتوافقة مع العقوبات، وستواجه المصارف والشركات المخالفة مخاطر شديدة إذا استمر ذلك”. ويتوقع مراقبون أن يعقب الزيارة فرض المزيد من العقوبات ضد شركات إماراتية.
وكتب غليدج قائلا إن “القادة في الإمارات العربية المتحدة يتطلعون إلى تحقيق مكاسب اقتصادية غير متوقعة إذا نجحت جهود إدارة بايدن للعودة إلى الاتفاق النووي، لكنهم لم ينتظروا رفع العقوبات ليبدؤوا في كسب المليارات من إيران”.
المصدر : الجزيرة