تحت عنوان: “قمة في اسطنبول لتعزيز الاختراق التركي في أفريقيا” توقفت صحيفة لوموند الفرنسية عند القمة التركية الأفريقية الثالثة التي تنطلق اليوم الجمعة في إسطنبول، والتي من المتوقع أن يشارك فيها 40 مسؤولاً أفريقياً رفيعاً، بمن فيهم ثلاثة عشر رئيس دولة، ورئيسان للوزراء.
وتقول “لوموند” إن القمة ستبحث تعزيز التعاون على الجبهات الاقتصادية والأمنية والثقافية التي أقامتها أنقرة في السنوات الأخيرة. وستُعقد القمة تحت رعاية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الحريص أكثر من أي وقت مضى على تعزيز اختراق بلاده السريع في القارة الأفريقية التي يبدو أنها باتت اليوم الملعب المفضل لديه، حيث يعوّل أردوغان على هذه القمة لاستعادة صورته، خصوصاً لدى أولئك المصدّرين الحريصين على أسواق جديدة في هذه الأوقات من الأزمة النقدية التي تمر بها بلاده، مع الهبوط الشديد للعملة التركية التي فقدت 45% من قيمتها مقابل الدولار منذ بداية العام الجاري.
ووُصفت هذه القمة التركية- الأفريقية التي تحمل عنوان “الشراكة المعززة من أجل التنمية المشتركة والازدهار” بأنها علامة فارقة جديدة في العلاقة بين تركيا وأفريقيا. وتعود هذه المبادرة إلى الرئيس التركي الذي خلال جولاته المتعددة في القارة (46 زيارة إلى 30 دولة) يجلب دائما في أعقابها العشرات من رجال الأعمال والمقاولين، كما تشير الصحيفة الفرنسية.
وتحت العنوان الفرعي: “النفوذ السياسي والأمني”، أوضحت ”لوموند” أنه خلال 18 عاما، تضاعف حجم التجارة خمس مرات، من 5.5 مليار دولار في عام 2003 إلى 25.3 مليار دولار في عام 2020. وأصبح لتركيا اليوم 43 سفارة في أفريقيا، مقارنة بـ12 منذ عشرين عاما. كما تنشط الخطوط الجوية التركية الآن في إفريقيا عبر رحلاتها من وإلى 61 مدينة كبرى.
واكتسب رواد الأعمال الأتراك حصة سوقية في أفريقيا من خلال بناء الطرق والملاعب والمطارات وبيع مواد البناء والمنتجات الغذائية الزراعية، وآلات النسيج والمعدات الطبية ومنتجات النظافة.
وتباع المنتجات التركية بسعر أرخص بنسبة 20% إلى 30% من نظيراتها الأوروبية، وغالبا ما تتمتع المنتجات التركية بسمعة أفضل لدى المستهلكين الأفارقة من تلك المصنوعة في الصين. ومع ذلك، فإن الاستثمارات التركية المباشرة في القارة، والتي تقدر بنحو 6.5 مليار دولار في 18عاما، لا تُقارن كثيرا بعشرات المليارات التي استثمرتها الصين أو الاتحاد الأوروبي خلال نفس الفترة.
لكن اهتمام أنقرة إستراتيجي في الغالب، كما تقول “لوموند”، حيث أدى تدخل الجيش التركي في ليبيا إلى تحفيز الرئيس أردوغان على تعزيز نفوذه السياسي والأمني في المنطقة. ففي شهر يوليو 2020، زار وزير خارجيته مولود جاويش أوغلو، النيجر، ووقّع اتفاقيات تعاون عسكري ظلَ محتواها طي الكتمان. ثم قدّر الخبراء أنه يمكن إنشاء قاعدة عسكرية هناك، بالإضافة إلى تلك الموجودة في ليبيا والصومال.
كما أن طلبات المعدات العسكرية آخذة في الارتفاع. بعد المغرب وتونس، تريد إثيوبيا الآن الحصول على طائرات بدون طيار من طراز “بيرقدار تي بي 2” بالإضافة إلى تدريب مشغليها. وبين شهري يناير ونوفمبر الماضيين، بلغت مبيعات المعدات العسكرية التركية لإثيوبيا 94.6 مليون دولار، مقابل 235 ألف دولار للفترة نفسها من العام الماضي. إذ زادت أنغولا وتشاد والمغرب طلبيات الأسلحة بنفس النسب هذا العام، وفقا لاتحاد المصدرين الأتراك.
منح الأئمة وعلماء الدين
ومضت “لوموند” إلى القول إن أردوغان في علاقاته مع شركائه الأفارقة، يحب تقديم نفسه كبديل للقوى الاستعمارية السابقة، مما يضمن خلو بلاده من أي ماضٍ إمبريالي. ويشدد على رفض تركيا مقاربات الغرب الاستشراقية للقارة الأفريقية. وقال خلال جولته الأفريقية الأخيرة التي شملت أنغولا ونيجيريا وتوغو: “نحن نحتضن شعوب القارة الأفريقية دون تمييز”.
والتأثير التركي في أفريقيا ثقافي وأيديولوجي أيضا، بحسب “لوموند”. وفي هذا السياق، تنقل الصحيفة عن بيرم بالسي، مدير المعهد الفرنسي لدراسات الأناضول (IFEA) في إسطنبول، قوله إن “السلطات التركية تعتزم المساهمة في تعاليم الإسلام في العالم. لا تنشط المؤسسات الدينية التركية في أفريقيا فحسب، بل تقدم أيضا منحا دراسية للأئمة وعلماء الدين الراغبين في القدوم والتدريب في تركيا. أكثر من خمسة آلاف شاب أفريقي يدرسون حاليا في إسطنبول أو أنقرة، حصل خُمسهم على منحة دراسية”.
وتعمل “القوة الناعمة” لأنقرة في غرب أفريقيا، حيث لم تعد هناك مؤسسات إسلامية تركية لأغراض إنسانية أو ثقافية. تأسست مؤسسة حقوق الإنسان والمساعدات الإنسانية (IHH) منذ تسعينيات القرن الماضي، والتي تعمل في 41 دولة في القارة، وتفخر بتقديم عمليات إعتام عدسة العين المجانية إلى 100 ألف مريض أفريقي. ويقدم الهلال الأحمر التركي والوكالة التركية لإدارة الكوارث والطوارئ (AFAD) الدعم للسكان فيما يتعلق بالحصول على المياه أو الرعاية الصحية، لا سيما في مالي والنيجر، وفق “لوموند”.
175 مدرسة في 25 دولة
وأيضا، تساعد مديرية الشؤون الدينية (ديانت) وهي من أغنى مؤسسات الدولة وأكثرها نفوذاً، في بناء وترميم المساجد في مالي والنيجر وغانا. وقد انتهت وكالة التعاون والتنسيق التركية (TIKA) للتو من ترميم مسجد نور الحميدية في كيب تاون بجنوب أفريقيا، وهي الدولة التي تعد أكبر شريك تجاري لأنقرة في القارة.
وتدريب النخب الأفريقية المستقبلية هو أيضا ضمن برنامج الحكومة التركية، إذ تدير مؤسسة المعارف الإسلامية التي تسيطر عليها الدولة 175 مدرسة في 25 دولة في القارة. وفي الغالب، هذه هي المدارس التي أسسها رجل الدين فتح الله غولن والتي استولت عليها الدولة التركية بعد الانقلاب الفاشل في 15 يوليو 2016، والذي دبره بحسب أنقرة، الداعية غولن وحركته القوية.
القدس العربي