يعطي تزامن الأنباء التي تزايدت في الشهور الأخيرة عن خطط إسرائيلية للحرب مع إيران انطباعا بأن ما يحصل هو جزء من توزيع الأدوار بين الولايات المتحدة الأمريكية، الخائضة غمار مفاوضات شاقة مع إيران حول إعادة الاتفاق الدوليّ مع الجمهورية الإسلامية على تقييد مشروعها النووي، وتل أبيب، التي لبست، منذ سنوات، دور الضحيّة الأولى الممكنة لتحوّل طهران إلى عاصمة لدولة نووية جديدة.
يمكن، في المقابل، اعتبار سلسلة طويلة من العمليات في الخليج العربي، وفي البلدان العربية التي تمتلك طهران تأثيرا كبيرا على مجريات الأمور فيها، وكذلك التصريحات الكثيرة لمسؤولين سياسيين وعسكريين إيرانيين، بمثابة «الاشتباك» الموازي للجمهورية الإسلامية في هذه «المفاوضات» التي تجري لدعم المفاوضات الدبلوماسية في فيينا.
تمثل أنباء الاستعداد للحرب، من الجانب الإسرائيلي، مع ذلك عنصرا لا يمكن لإيران التغاضي عنه تماما، أو اعتباره جزءا من «حرب الدعاية» والبروباغاندا الصوتية فحسب، ومن حسن الفطن ألا يتم احتسابه كذلك، والعمل، بالتالي، على محاولة فهمه ضمن سياق لا يتعلّق بإيران وحدها، ولا بمشروعها النووي فحسب، بل بتطوّرات عالمية وإقليمية، وبحسابات استراتيجية أمريكية يمكن اعتبار المشروع النووي الإيراني، ضمنها، عنصرا يجب التخطيط للتخلص منه، في حال اضطرت القوة الأمريكية للصدام مع قوى أخرى، والكلام هنا يدور بالطبع حول الصين وروسيا.
يقدم التحشيد المتزايد على الحدود، والتهديد الخطير بغزو روسيا لجارتها أوكرانيا، سببا خلفيا لوجود خطة إسرائيلية – أمريكية فعلية طويلة الأمد (الحديث يدور عن 3 إلى 5 سنوات) لحرب فعلية مع إيران، فمن الواضح أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وجد في فترة المفاوضات الحرجة للغرب مع إيران فرصة سانحة للضغط الشديد على أوروبا وأمريكا، المضطرتين لإغلاق الملف النووي الإيراني بأقل الأضرار الممكنة.
رغم اختلاف الدبلوماسية الصينية عن نظيرتها الروسية، فإن بكين، الراغبة في أن تكون قوتها العسكرية انعكاسا لقوتها الاقتصادية الهائلة، متشجعة بإنهائها جيب المعارضة الليبرالية في هونغ كونغ، ترغب بدورها في السيطرة على تايوان، التي تمثّل، بالنسبة إليها، تهديدا مذكرا دائما بحدود شرعيتها السياسية، وبكونها المثال الديمقراطي الليبرالي الذي يقف بوجه النموذج الشيوعي المطلق.
تحاول الصين، وروسيا إلى درجة أقل، تقديم مثال عالمي لنظامين سياسيين مختلفين، وتساهم أحزاب اليمين المتطرّف الغربية في دعم هذه السرديّة الاستبدادية لبكين وموسكو، لكن المفارقة الكبيرة في مجمل هذا المشهد، هو أن المؤسسة السياسية والعسكرية الأمريكية تجد في إسرائيل، النظام القائم على الاحتلال والتمييز العنصري، الجنديّ الجاهز لتنفيذ هذه المهمة ضد إيران.
مقابل هذه المهمة «الانتحارية» تقول الأنباء، أن الإدارة الأمريكية تعهدت بمساعدة إسرائيل في إعادة إعمار بنية تحتية مدنية، وبضمنها موانئ وشبكات كهرباء، واتصالات، ومياه، وشوارع، في حال تضررها جراء حرب مع إيران.
يعود تاريخ هذا التعهد، كما يقول تقرير المحلل العسكري لصحيفة «يديعوت أحرونوت» إلى عام 2018، وأن «خطة الدفاع المشترك» التي تم البناء عليها، تعود إلى أيام الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وهذه مفارقة تاريخية أخرى، لأن ذلك الــــغزو كان عمليا نقطة ذروة في مشروع سيطرة إيران على العراق، ودول عربية أخرى، وهو ما كان أشبه بتحالف موضوعي أدى إلى خراب عربيّ هائل، من دون أي آمال بـ«إعادة الإعمار».
القدس العربي