سيناريو التفكك الداخلي كثيرا ما يتم تداوله حول إيران، خصوصا بين المعادين لنظام خامنئي، الذين يعولون على تعدد الأقليات والأقوام داخل إيران، ويعملون على مزيد من التشظي فيها. باحث أمريكي كتب مقالا في «ناشيونال إنترست» يقارن فيه بين إيران وإثيوبيا من ناحية صلابة كيان الدولة، أمام نزعات التفكك للعرقيات داخل الدولة، مايكل روبين باحث مقيم في معهد أمريكان إنتربرايز، وهو مختص بإيران وتركيا والشرق الأوسط.
يعتقد روبين أن التعويل على انقسامات الداخل في إيران، من قبل جزء من المجتمع السياسي الأمريكي وإسرائيل هو تفكير رغبوي، وأن مقارنة إيران بإثيوبيا ويوغسلافيا السابقة أمر لا يستقيم، ويقدم لذلك أسبابا عديدة، فهو يعتقد بداية أن «إيران ككيان أكثر مرونة من نظامها»، وبعد استعراض عدد من محاولات التمرد على الدولة في القرن الأخير، بدءا من تمرد جانغال في مقاطعة جيلان عام 1915، وثورة الشيخ خزعل العربية في المحمرة، إلى الدعم السوفييتي للانفصاليين في أذربيجان حتى جمهورية مهاباد الكردية، والانفصاليين البلوشيين في سيستان، ويخلص إلى أن الإيرانيين في المناطق الطرفية، وإن كانوا مستائين من السلطة المركزية قبل وبعد الثورة الإسلامية عام 1979، ومن الديكتاتورية، ويستغلون ضعف الحكومة المركزية، متى سنحت لهم الفرصة لتعزيز استقلاليتهم، إلا أن «الهوية والاعتزاز بالقومية الإيرانية، حتى لو لم يكن متعاطفا مع الجمهورية الإسلامية، يبقى عنصرا مهما في إيران.
الدعم الذي يمكن أن تقدمه دولة خارجية لأقلية ما، أو حتى عشيرة ما غالبا ما ينقلب ليسبب نزاعات أهلية مدمرة، خصوصا بعد انكفاء الداعم الخارجي
وفي حين أن قمع الأكراد والبلوش يرجع إلى العامل الطائفي، تملك بعض العرقيات دورا في مواقع السلطة الإيرانية بحسب روبين، إذ حقق أعضاء من عرقيات أخرى مناصب عليا في التسلسل الهرمي السياسي الإيراني، خامنئي نفسه من أصل أذربيجاني ورئيس الحرس الثوري السابق يحيى رحيم صفوي أذربيجاني كذلك، ورئيس القضاء السابق محمود هاشمي شهرودي من العرب. ويرى البعض أن اللعب على قضية الأقليات هي حالة تخدم الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي، فالترويج لـ»الورقة العرقية» لضرب النظام الإيراني هو «سياسة سيئة»، كما يراه روبين، ويدلل على ذلك بفشل سياسة دعم مجاهدي خلق، وأن هذه السياسة منحت آيات الله فرصة لـ»لف أنفسهم بالعلم الإيراني». وبغض النظر عن دقة توقعات روبين المستقبلية، بشأن فرص التصادم الأهلي الداخلية في إيران، فإن أحداث الماضي تقول، إن سنوات نظام خميني لم تشهد نجاحا مكتملا لخروج مناطق كبيرة، أو تمردا واسعا على سلطته، كما يحصل حاليا في إثيوبيا على حكومة آبي أحمد، وكما حصل في سوريا منذ 2012، وكما حصل في العراق أيضا في 1991، حين سقطت 14 محافظة في البلاد يسكنها الأكراد والشيعة، المستاؤون حينها من هيمنة السنة على الحكم. كما أنه من تجارب سابقة في العراق وأفغانستان، يمكن الخروج بمحصلة مفادها أن اللعب على التنافرات العرقية والطائفية قد ينقلب مستقبلا، حتى إن كان لمحاربة تمرد داخلي، فالدعم الذي يمكن أن تقدمه دولة خارجية لأقلية ما، أو لمجموعة عرقية ما، أو حتى عشيرة ما (كما فعل الأمريكيون في مشروع الصحوة ضد القاعدة في العراق) غالبا ما ينقلب ليسبب نزاعات أهلية مدمرة، خصوصا بعد انكفاء الداعم الخارجي، إذ تعود الأطراف المتضررة للانتقام، وإن بعد سنوات، وتستمر دورة التهجير والثأر لعقود، كما أن التعويل على فرصة إسقاط نظام ما، من قبل عرقية أو طائفة معارضة له، ضد أخرى مؤيدة، قد لا يحقق أهدافه، وهنا تنخرط البلاد في أتون نزاع أهلي دامٍ لا يعرف متى ينتهي، وإن انتهى فإن آثاره ستمتد لعقود، ولعل ما حصل في سوريا قد يقارب إلى حد كبير هذه المقارنة، من حيث الصدع والنزاع الأهلي، تتكئ كل من المعارضة والنظام على طرف منهم، ومن ثم يستقوي كل طرف بقوى إقليمية ودولية، مع الأخذ بعين الاعتبار، أن الثورة السورية كانت تتوفر فيها كل الأسباب الداخلية لتندلع.
هل ينطبق هذا على إيران؟ الخبراء بالشأن الإيراني كمايكل روبين يستبعد ذلك، فهناك اعتقاد أن البنية المحلية في إيران غير مهيئة لصراع أهلي، وأن السلطة ستستفيد منه إن تم التلويح به.
القدس العربي