رغم أن يوم 25 كانون الأول/ديسمبر هو عيد ميلاد السيد المسيح، حسب الطوائف المسيحية التي تعتمد التقويم الغربي، فالواقع أن هذا التاريخ قد تحوّل إلى مناسبة عالمية تتجاوز الدين المسيحيّ، أو المسيحيين، وتتحوّل إلى مناسبة للفرح العام، وخصوصا للأطفال، الذين يترقبون هدايا العجوز القادم من القطب الشمالي على عربة تجرّها غزلان الرنّة، فتتزين البيوت والساحات بأشجار مزيّنة بالنجوم والكرات الملونة والمصابيح ويتبادل الناس بطاقات المعايدة والأماني بالسعادة والرخاء والأمان.
أحد الطقوس الأساسية في هذا العيد هو وضع مجسمات للإسطبل الذي ولد فيه عيسى الناصري (كما يسميه العرب) وقيام تلاميذ المدارس بتقديم مسرحيّات لأحداث تلك الولادة مترافقة، دائما، مع أناشيد تذكر ببيت لحم، البلدة الصغيرة التي ولد فيها، من دون تنبّه، طبعا، لكون بيت لحم هذه، هي بلدة فلسطينية تقبع تحت الاحتلال الإسرائيلي، ولا انتباه، إلى حال أهلها، بشكل يفصل التاريخ، ومخيّلته الطقسية الاحتفالية، عن الواقع الحالي لأطفال يولدون هناك، ومن دون تفكّر، بما يربط واقع المسيحيين الأوائل، مع واقع المسيحيين الفلسطينيين، خصوصا، وواقع الفلسطينيين عموما.
على صعيد المسيحيين، يمثل بيان البطاركة ورؤساء كنائس القدس المحتلة، الصادر مؤخرا، بيانا واضحا عن آثار الاحتلال الإسرائيلي الوخيمة على أحوالهم، فـ»الأماكن المسيحية تعرضت للسرقة والتكسير والتدنيس»، و«تعرض رجال دين لهجوم جسدي ولفظي»، و«يستمر التهديد والتنمر ضد المسيحيين المحليين»، مستنتجا أن إسرائيل تعمل بصورة منهجية على هدف «إبعاد المجتمع المسيحي عن القدس ومناطق أخرى من الأراضي المقدسة»، وأن تل أبيب تقوم بـ«خيانة» التزامها بـ«حماية المجتمع المسيحي».
يفرض الاحتلال أيضا ثقله الباهظ على أطفال هذه الديار المقدسة، بشكل يفترض أن يُخجل العالم ويجعله يشعر بالعار من هذه المفارقة الرهيبة التي تمثلها ولادة المسيح، والقداسة التي تفرضها، لدى المسيحيين كما المسلمين، في مقابل المعاناة الفظيعة المستمرة التي يعانيها أطفال البلاد. هناك أكثر من 400 طفل اعتقلتهم سلطات الاحتلال خلال العام 2020 (وهو أمر يتعارض مع القانون الدولي) غالبيتهم من القدس، المدينة المقدسة عالميا، وكان 170 منهم محتجزين في سجون مجدو وعوفر والدامون، وتضم جملة الانتهاكات التي يتعرضون لها إبقاءهم من دون طعام أو شراب، أحيانا ليومين، وتهديدهم وترهيبهم لانتزاع الاعترافات منهم.
ولأن الاحتلال هو فعل شرّ عنصريّ هرميّ، فإن تقسيمه البشر إلى نوعين، لا يمنع وقوع أثره البشع على الجميع، فحسب تقرير نشرته «القدس العربي» يوم الجمعة الماضي، فقد كشفت وثيقة مسربة أن وزارة الصحة الإسرائيلية تورطت في قضية اختفاء آلاف الأطفال من اليهود المهاجرين من اليمن والعراق وتونس والمغرب والبلقان قبل عقود لأسباب عنصرية، وقد ادعت السلطات الإسرائيلية آنذاك أن الأطفال ماتوا في المستشفيات بسبب أمراض معدية. لقد قامت دولة «الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط»، عمليا، بعمليات بيع للأطفال لعائلات أوروبية تبحث عن أطفال للتبني، أو استخدامهم في «تجارب طبية»، وقد خلصت ثلاث لجان تحقيق في القضية إلى أن معظم أولئك الأطفال لقوا حتفهم.
إضافة إلى الاحتلال وشروره، فقد ترك وباء كورونا، أيضا، آثاره على فلسطين والعالم، وباستثناء أصوات الطبول والمزامير لفرق الكشافة في البلدة القديمة من بيت لحم، التي أضفت بعض الفرح في محيط كنيسة المهد، حيث ولد الطفل يسوع، وفق المعتقدات المسيحية، فإن الحزن العميق يعمّ تلك البلاد، وينتشر، مع احتفالات الميلاد، إلى باقي العالم.
القدس العربي