دول مجلس التعاون الخليجي ومفاوضات النووي الإيراني

دول مجلس التعاون الخليجي ومفاوضات النووي الإيراني

تحمل بعض التطورات في منطقة الخليج مؤشرات تصعيد تنذر باحتمالات حرب أو باتساع دوائر الاشتباك؛ فمنذ أيام صرح وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس بأن إسرائيل مستعدة لضرب إيران، وكان رئيس الأركان العامة للجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي قد قال في أواخر يناير 2021 أنه أصدر أوامر للجيش بـ”وضع خطط عملانية إضافية ستكون جاهزة”، في حال اتخذت حكومة بلاده قراراً بمهاجمة إيران. بينما أكد مسئول في وزارة الدفاع الأمريكية أن بلاده تراجع “خطط الطوارئ” للتعامل مع متغيرات أمنية قد تحصل في منطقتى الشرق الأوسط والخليج”.

في المقابل، هناك مؤشرات على أن ما يجري في الخليج ليس سوى حلقة ضمن مسلسل التصعيد المحسوب، الذي خبره الطرفان على مدى سنوات، بهدف اختبار النوايا، مع تنامي التقديرات بشأن قرب امتلاك إيران للسلاح النووي، وعلى حد ما أشار وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس في 4 أغسطس 2021 “لم يتبقَّ سوى نحو 10 أسابيع للحصول (إيران) على المواد اللازمة لصنع أسلحة نووية”. وكان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن صرح بالمعنى نفسه (نسخة طبق الأصل من التصريح السابق) في 1 فبراير 2021.

وبينما أكد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إن مفاوضات فيينا الجارية في إطار اللجنة المشتركة للاتفاق النووي تقترب من إطار اتفاق محتمل لـ”رفع الحظر الأمريكي اللاقانوني” على إيران، وبينما أكد كبير المفاوضين الإيرانيين عباس عراقجي قبله أن إيران والقوى الكبرى اقتربت من إحياء الاتفاق النووي الموقع في 2015، وأنها “أقرب من أي وقت مضى للتوصل إلى اتفاق”، فلا يزال التباين كبيراً بين مطالب الأطراف؛ حيث تصر إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على إدراج بنود جديدة ضمن الاتفاق، بينما تصر إيران على رفع العقوبات أولاً، وذلك ما يعكسه قول المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده: “إنهم غادروا الاتفاق بتوقيع واحد، لكن لا يمكنهم العودة بتوقيع مماثل”.

الموقف الخليجي من مفاوضات فيينا
ليست دول مجلس التعاون الخليجي طرفاً في المفاوضات مع إيران، ومع ذلك فإنها المعنِي الأول بتطورات الملف الإيراني وبالسياسات الإقليمية لإيران. ويزيد من تصاعد اهتمام دول المجلس بالملف الإيراني التحولات في المشهدين العالمي والإقليمي، سواء من ناحية مؤشرات الانسحاب الأمريكي من المنطقة، أو تفاقم الأعمال العدائية لإيران ووكلائها في البر وضد الملاحة البحرية، أو بسبب تراجع أسعار النفط وكورونا، وتأثيرهما السلبي على الاقتصادات الخليجية، فضلاً عن بروز الصين كلاعب في المنطقة (بعد الاتفاق الصيني الشامل مع إيران)، وتدهور العلاقات مع تركيا، واستمرار المواجهة مع الإرهاب، فضلاً عن تأثير اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل على العلاقات الخليجية- الإيرانية.

وقد تلاقت دول مجلس التعاون حول ثلاثة أنماط للتهديد الإيراني: الأول، التدخلات في الشئون الداخلية والإقليمية وممارسات الإرهاب. والثاني، السلاح النووي. والثالث، القدرات الصاروخية. ومع ذلك، لا تقف دول المجلس جميعها من أنماط التهديد سالفة الذكر على الدرجة نفسها من الرفض، فذلك ما يعبر عنه الموقف الرسمي الجماعي لدول المجلس، والذي تصدر به بيانات المجلس الختامية، وآخرها بيان قمة العلا بالسعودية في 5 يناير 2021. ولكن المواقف الانفرادية لدول المجلس تختلف من إيران، لتصل بين بعضها وإيران إلى مستويات من العلاقات الودية.

لقد دعت دول المجلس إلى إشراكها في المفاوضات مع إيران في فيينا، وتمثلت آخر دعوة في البيان المشترك الصادر عن اجتماع الدورة الـ148 للمجلس في الرياض في 16 يونيو 2021، ولكن دول المجلس لم تطرح ذلك كشرط، ولم تبذل مساعٍ قوية لتحقيقه، وبالمقابل رفضت إيران مشاركة دول المجلس في المفاوضات بشدة. وعندما طرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مشاركة السعودية في المحادثات الجديدة مع إيران، رفضت الخارجية الإيرانية في 30 يناير 2021 إجراء أي تغييرات جديدة على المشاركين في الاتفاق النووي، وأكد المتحدث باسمها أن “الاتفاق هو اتفاق دولي متعدد الأطراف صدق عليه قرار مجلس الأمن رقم 2231، وهو غير قابل للتفاوض، كما أن الأطراف فيه واضحة، وغير قابلة للتغيير”.

ومنذ قمة مجلس التعاون الخليجي في 2006 (الدورة 27 بالرياض) أخذت دول المجلس تدرج القضية النووية الإيرانية في بياناتها الختامية، ولم تكن السياسات العدائية لإيران ضد دول المنطقة قد تبلورت على حالتها الراهنة، لذلك انحصرت بيانات المجلس الختامية في التركيز على القضية الأساسية فيما يتعلق بعلاقات دول المجلس بإيران، وهي قضية الجزر الإماراتية (طنب الكبرى والصغرى وأبوموسى). ثم أضيفت أزمة الملف النووي في هذه الدورة إلى قضايا دول المجلس مع إيران، وحرصت بيانات دول المجلس منذ ذلك التاريخ على حث إيران على مواصلة الحوار الدولي، والتعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والمطالبة بجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من كافة أسلحة الدمـار الشامل بما فيها منطقة الخليج.

وتصاعدت لهجة بيانات المجلس نحو إيران منذ 2015؛ ففي البيان الختامي للدورة الـ36 بالرياض في سبتمبر من ذلك العام أضاف المجلس عبارة “إعادة فرض العقوبات على نحو سريع وفعال حال انتهاك إيران لالتزاماتها طبقاً للاتفاق”. وأكد على أهمية تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2231 بشأن الاتفاق النووي، بما في ذلك ما يتعلق بالصواريخ الباليستية والأسلحة الأخرى. وأشار إلى أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في دول المجلس وتغذيتها للنزاعات الطائفية والمذهبية والجماعات الإرهابية والحوثي وحزب الله. وتصاعدت لهجة المجلس إزاء إيران مع ازدياد الهجمات الحوثية على المملكة العربية السعودية، وبعد هجوم أرامكو في 2019، فدعت دول المجلس إيران إلى وقف تهديد الملاحة والاقتصاد العالمي.

لكن إذا كانت بيانات المجلس في السياق الجماعي قد التزمت الأطر العامة، وعلّقت على مختلف إشكاليات العلاقة مع إيران محتمية بالإطار الجماعي، فلم تكن الدول الخليجية الست على مسطرة واحدة في علاقاتها بالجمهورية الإيرانية، إذ تتبنى أغلب دول المجلس في الإطار الثنائي سياسات براجماتية مع الأخيرة. لذلك لم يكن غريباً أن تترافق أقصى فترات التشدد الجماعي ضد إيران مع أقصى فترات التباين في السياسات في مواقف الدول فرادى نحو إيران.

وفي ذروة الهجمات الإيرانية على السفن داخل وخارج الخليج الآن، تستمر زيارات بعض مسئولي دول المجلس لإيران، وهو ما يشير إلى احتفاظ كل منها بمستوى خاص من العلاقات الانفرادية مع الجمهورية الإيرانية، فقد شاركت مختلف دول المجلس -باستثناء السعودية- في مراسم تنصيب إبراهيم رئيسي، وحضرت بتمثيل عالي المستوى؛ فمثّل الإمارات الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح والتعايش، ومثّل سلطنة عمان وزير الخارجية بدر بن حمد البوسعيدي، ومثّل الكويت وزير الخارجية أحمد ناصر المحمد الصباح، وبعثت قطر بوزير التجارة والصناعة د. علي الكواري. وعلى الرغم من ذكر وكالة “إرنا” الإيرانية أن وفداً من السعودية سيشارك في مراسم تنصيب إبراهيم رئيسي، إلا أن المملكة كانت الوحيدة بين دول المجلس التي لم تشارك.

وكانت السعودية قد أكدت منذ مدة طويلة وفي مناسبات مختلفة أنها سوف تمتلك السلاح النووي في حال امتلاك إيران له، على حد ما أكد ولى العهد السعودي الأمير محمد بن سلمانفي مارس 2018، والذي حذر من أن بلاده ستمتلك سلاحاً نووياًفي أسرع وقت إذا امتلكت إيران قنبلة نووية.مع ذلك فإن تطورات المنطقة تحمل الكثير من دوافع التغيير، وهو ما يبدو أن السعودية قد أدركته بسرعة، وهو ما عبر عنه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مؤخرا، بتبنيه توجهاً تصالحياً نحو الجمهورية الإيرانية، فقال في 28 أبريل 2021: “نريد لإيران أن تنمو، وأن يكون لدينا مصالح فيها، ولديها مصالح فى المملكة العربية السعودية، لدفع المنطقة والعالم للنمو والازدهار”.

دول الخليج وسيناريوهات المفاوضات النووية
يمكن تصور المواقف الخليجية من المسألة النووية والعلاقة مع إيران في ظل سيناريوهين:

1- سيناريو التوصل إلى اتفاق: ثمة مؤشرات تبعث على التفاؤل بإمكان الوصول إلى اتفاق نووي، منها تصريح كبير المفاوضين الإيرانيين عباس عراقجي الذي أكد فيه أن “الاتفاق النووي لايزال على قيد الحياة”، وأن هناك “بعض القضايا الأساسية التي تحتاج إلى التفاوض”.وعلى الرغم من أن سيناريو الاتفاق النووي جربته دول مجلس التعاون، مع الاتفاق السابق في ظل إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، وكانت لها بعض التحفظات عليه، إلا أن تحولات المشهد الإقليمي تجعل دول المجلس الآن أكثر رغبة في العودة إلى الاتفاق مجدداً برغم عيوبه. ذلك أن فترة الانعتاق الإيراني من الاتفاق كشفت عن قدرة إيران الهائلة على فرض حالة الاضطراب على المشهد الإقليمي كله، بعد إخراجها من كل الحسابات والمعادلات، وذلك دون أن تتمكن لا الولايات المتحدة ولا إسرائيل من ردع سلوكها، ومن ثم فالصيغة الأمثل لاحتواء إيران الآن، هى إدخالها ضمن اتفاق إقليمي يعيدها مجدداً إلى حد أدنى من الالتزام الأمني والقانوني.

وعلى الرغم من لغة التشدد الحالية، إلا أن هناك اعتبارات تدفع الطرفين الإيراني والأمريكي إلى العودة إلى الاتفاق مجدداً، حتى في ظل الاكتفاء بإدخال تعديلات هامشية عليه؛ فبالنسبة لإدارة بايدن فليس محسوباً عليها إلغاء الاتفاق، الذي أقدمت عليه إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، ومن ثم فإنها تحت أي ظروف لعودة الاتفاق لن تتعرض للضرر، وتضيف رغبتها في تخفيف التزاماتها الأمنية والعسكرية نحو المنطقة من دوافعها للعودة للاتفاق. أما الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي، فإنه إذا أبرم الاتفاق فسوف يبدأ ولايته بمكسب لم يبذل فيه جهداً كبيراً، وسوف يضمن لبلاده أربع سنوات من الاستقرار الإقليمي، مع رفع العقوبات والإفراج عن ما تبقى من أموال مجمدة، ومن ثم لديه الحافز لكي يستغل جهود الرئيس السابق حسن روحاني، ليحسب لنفسه، ولجناحه المتشدد، القدرة على فرض الاتفاق من جديد.

هنا، سوف تتوقف ردود فعل دول مجلس التعاون الخليجي على طبيعة الاتفاق، وهل سيشمل العودة إلى الاتفاق النووي السابق فقط، أم سيتضمن المطالب التي رفعتها دول المجلس والخاصة بسياسات زعزعة الاستقرار الإقليمي، والتدخل في الشئون الداخلية لدول المجلس، وشبكة الصواريخ الباليستية. كما سيتوقف الموقف الخليجي أيضاً على طبيعة إيران الجديدة وحجم الخفض أو التصعيد في السلوك العدائي ما بعد الاتفاق؛ ولكن سعتمد بالأساس على وحدة القرار الخليجي في مواجهة إيران، وقدرة دول المجلس على نسج تحالفات جديدة قبالة السلوك الإيراني؛ فإذا اتجه الإيرانيون إلى سياسة دعم الميليشيات والتدخل في الشئون الداخلية وحروب الوكالة، وضرب خطوط الملاحة البحرية، فإن ذلك سوف يكون السيناريو الأسوأ لدول المجلس، لكنه سوف يقدم المسوغات الأقوى لرفض السلوك الإيراني وإدانته دولياً.

وسوف يكون هناك طريقان أمام دول المجلس: إما الانسلاخ عن الإطار الجماعي والقفز الانفرادي، بسعي كل دولة إلى تحقيق أمنها الخاص والوصول إلى ضمانات مع إيران بشأن عدم استهداف أمنها الخاص، وهذا هو أسوأ رد فعل خليجي، أو تكوين كتلة خليجية موحدة تستطيع التفاوض مع إيران حول الأمن الإقليمي، إذ أن الاتفاق النووي لا يرجح أن يتضمن سلوكيات النظام الإيراني إقليمياً، وهنا سيكون من المطلوب أن تجري مفاوضات خليجية- إيرانية بشأنه في جولات تفاوض منفصلة مقبلة، وهي أمور أساسية لأمن الخليج. وإذا فشل هذا التطور، فسوف تعود دول المجلس أو بعضها إلى سياسة التحالفات الدولية من خارج المنطقة للتصدي للتهديدات وبناء نظام أمني متوازن.

2- سيناريو فشل التوصل إلى اتفاق: على الرغم من ارتفاع لغة التهديد خلال الأيام الأخيرة، يبدو سيناريو فشل التوصل إلى اتفاق مستبعداً إلى حد كبير؛ فالأرجح أن ينجح الأطراف في جولة تفاوض، ليس بالضرورة أن تكون الجولة المقبلة (السابعة)، ذلك أنه ليس لأحد مصلحة في فشل التفاوض حول النووي الإيراني، حتى لو انتهى إلى الصيغة نفسها لاتفاق 2015. بل هناك دوافع أساسية لكل الأطراف للتوصل إلى اتفاق، فعلى الرغم من جموح السلوك الإيراني الإقليمي، وحرية طهران في توظيف قواها الأدنى في الإقليم، إلا أن هذه الوضعية ليست الوضعية المثالية للدولة الإيرانية، فهي في النهاية تبقى حالة استثناء لدولة، لديها الرغبة في التعامل كدولة طبيعية غير موصومة بالإرهاب، وتسعى إلى الرخاء والازدهار الاقتصادي.

وكانت وزارة الخارجية الإيرانية قد رفعت الى مجلس الشورى (البرلمان) في 12 يوليو 2021 التقرير الـ 22 حول سير تطبيق الاتفاق النووي، والذي أكد أنه في حال توقيع اتفاق فيينا سيتم رفع كل أنواع الحظر التي ينص الاتفاق على رفعها، إضافة إلى أنواع الحظر التي فرضها الرئيس ترامب، وبالتالي سيتم رفع الحظر المالي والمصرفي، وإلغاء أنواع الحظر المتعلقة بالنفط والغاز والبتروكيمياويات، وجميع أنواع الحظر الأخرى المتعلقة بالملاحة البحرية وصناعة السفن وبناء الموانئ وصناعة السيارات، وما يتعلق بقطاع الحديد والصلب والنحاس والمناجم، وكذلك رفع الحظر عن القطاع الإلكتروني والبرمجيات وقطاع الطيران والملاحة الجوية والصادرات والواردات وغير ذلك، وهذه أمور تحتاج إليها إيران بشكل حاد.

وبالمثل، لا يبدو أن إدارة بايدن لديها أي دوافع لعدم التوصل للاتفاق النووي مع إيران. فعلى مدى الأشهر الماضية، تعرضت الإدراة لاختبارات شديدة، لكنها في كل مرة أثبتت قدرة غير عادية على ضبط الذات إزاء الأفعال العنيفة التي أقدمت عليها إيران، وهو ما يشير إلى حرص الإدارة الشديد على الوصول للاتفاق، والذي من شأنه أن يرفع أسهمها في الداخل والخارج، ومن ناحية أخرى يفسح للإدارة الفرصة التي تريدها للتفرغ للصراع مع كل من روسيا والصين.

وفي حالة فشل الاتفاق، سوف تواجه دول الخليج تحديات أمنية هائلة؛ إذ يصعب أن تتحمل استمرار وضعية التوتر القائمة في الخليج لفترات أطول، خصوصاً مع تعرض الملاحة للخطر، وهو ما يرفع تكاليف الشحن والتجارة وشركات التأمين، وهي أمور ترفع التكلفة على الاقتصادات الخليجية، في وقت تراجع أسعار النفط، والتكاليف المضاعفة لإجراءات مواجهة كورونا، ومن ثم لم يكن ما أقدمت عليه بعض الدول الخليجية لخفض التوتر والتصريحات التصالحية إلا تفهماً لهذه الأوضاع واستشرافاً لنذر الخطر. وذلك فيما لو بقيت الأوضاع عند مستويات الاضطراب الراهنة، أما لو تطورات الأمور إلى مواجهات عسكرية مفتوحة أو حرب، فلن يكون ما شهدته المنطقة في السابق من حروب إقليمية إلا صوراً مصغرة مما يمكن أن يشهده الخليج، في ظل حروب الوكالة والحروب المباشرة، والهجمات على السفن والناقلات.

دوافع دعم الاتفاق
في النهاية، تندفع دول مجلس التعاون الخليجي لتأييد الاتفاق النووي ومفاوضات فيينا، بدوافع كثيرة، أهمها أنها جربت حالة السلوك الإيراني في ظل التوصل إلى اتفاق نووي خلال فترة إدارة أوباما، وهي الفترة التي استغلها النظام الإيراني في تكريس قواه الإقليمية ودعم وكلائه، وحالة التحلل التام من أي اتفاق، وهي حالة وضعت إيران بها الخليج أمام وضعية اضطراب كامل، سواء تمثل ذلك في هجمات مباشرة في عمق دول خليجية أو ضد منشآت نفطية عملاقة، أو إطلاق اليد لدعم حروب الوكلاء والصواريخ البالستية وطائرات الدرون، وأخيراً الهجمات على السفن، وفي الموانئ، وتهديد الملاحة البحرية.

وتعرف دول المجلس أنها الآن وسط مرحلة انتقالية في النظام الدولي، غير واثقة تماماً من حدود الالتزام الأمريكي بأمنها الخاص، ويتعرض مجلس التعاون من داخله لتحديات كثيرة لا تجعل قراره موحداً، في ظل تصاعد احتمال الخيار الفردي مع إيران. وعلى جانب آخر، فإن ترك المنطقة بلا اتفاق -في أجواء انسحاب أمريكي- يعطي لإيران ميزة مضافة للاشتباك العسكري في منطقة فراغ، وهو ما يجعل منطقة الخليج ساحة لأي توترات مستقبلية بين إيران وخصومها من داخل وخارج الأقليم، لكل ذلك يبدو الاتفاق النووي الآن هو الأفضل من المنظور الخليجي.

د. معتز سلامة

مركز الاهرام للدراسات