مصاعب النووي الإيراني وواجبات فرنسية

مصاعب النووي الإيراني وواجبات فرنسية

عندما كانت فرنسا من أبرز المتحمسين لاتفاق نووي يكرس إعطاء المجتمع الدولي فرصة ذهبية لإيران، كي تنفتح على العالم باستخدام الطاقة النووية لأغراض علمية سلمية، كانت فرنسا تعبر بهذا النهج عن إيمان فعلي وفاعل بعودة إيران إلى سابق عهدها، الذي بلور صورة لامعة من العمق الفارسي، المتعطش للعلم والحريات الجماعية والفردية، وروح النقاش والمحاججة الموروث عن ممارسة متأصلة للمناظرة الفلسفية.
لم تنس الثقافة العالمية، والعربية خاصة، كيف استقوى الحكم العباسي بأعوان سلطة فارسيين، من أطباء وفلاسفة وأدباء، كما كان يعرف الأدب قديما علما وأخلاقا، هؤلاء الذين سيجد كتاب حقبتنا المعاصرة، كل الأريحية في نعتهم بالمفكرين.. وإذا غطسنا في الواقع الإيراني للحقبة المعاصرة ذاتها، لن نجد أي صعوبة في الإشادة بأعمال دعاة الحداثة الفكرية مثل، داريوس شاه يجان، أو أنصار تنظير الموازنة بين الدين والسياسة مثل، أبو الحسن بني صدر، أو داعمات تحرير المرأة مثل مرجان سترابي.

لفرنسا مع إيران تاريخ طويل طبعه الحلو والمر، لكنه رمز دائما إلى عدم اختصار الشريك الإيراني في صورة الشريك الاقتصادي المفيد

ثلاثة وجوه من بين وجوه أخرى متعطشة لبلورة حداثة ترتوي من الهوية الفارسية جذريا، وقفت إلى جانبها فرنسا، من بين وجوه أخرى .لفرنسا مع إيران تاريخ طويل طبعه الحلو والمر، لكنه رمز دائما إلى عدم اختصار الشريك الإيراني في صورة الشريك الاقتصادي المفيد، هذه ميزة أساسية يجب أن تلتزم بها دبلوماسية الخطوات القصيرة، التي تبقى عالقة بالذهن مراحل من التاريخ تتصل بمجد الأمم وعظمتها. إيران أجلّ من أن تحصر في مسائل تخصيب أو معادلات عقابية أو حسابات نفطية، لكن مرحلة لي الذراع التي دخلتها مع المجتمع الدولي، ودخلها المجتمع الدولي معها، لم ترق إلى مستوى الحوار المنتظر بين الأمم. ودخل الطرفان عهد الجولة.. كلمة مألوفة في مصطلحات الدبلوماسية الدولية التي تصبغ بها المفاوضات في مبناها ومعناها.. وبواسطتها أيضا تسلط بلا كلل ولا ملل بوارق الأمل على الجهد المبذول. توقفت الجولة السابعة، تم تبادل العتاب، استُعرضت العضلات، لكن الجميع اتفق على العودة إلى طاولة المفاوضات، في سياق يميزه الطلب الإيراني الأساسي لإدارة بايدن، بأن تلتزم بعدم استنساخ سلوك الإدارة السابقة إزاء اتفاق فيينا. لنا أن نحصر هذا الاتفاق، بل أن نحاصره عند جانبه التقني، فنختصر الحديث عند خرق مستويات التخصيب، مراوغة الالتزامات بتهريب النفط إلى الصين، شكوك في بيانات كاميرات مراقبة كرج… لنا أن نحصر، لنا أن نحاصر، لنا أن نختصر.. لكن لنا أيضا أن نبحث في منطق التاريخ الذي يحتم سباقا مع الزمن لا يمكن أن ينجح، من دون أن يكون رابحا من الجانبين. لكن هذا يتطلب مستوى أرفع من المعالجة.. ولفرنسا المقبلة على تولى رئاسة الاتحاد الأوروبي دور أساسي في هذا المجال.

القدس العربي