تُعد التطورات في تركيا في الأشهر الأخيرة من بين البنود المهمة على جدول أعمال المؤسسات والمراكز الفكرية الدولية.
وأصبح الجميع يواجه السؤال التالي، “هل بدأ حكم أردوغان يقترب من النهاية؟”.
بل إن الحديث عن مصير “حزب العدالة والتنمية” والرئيس رجب طيب أردوغان، يتردد بجدية ليس على المستوى الدولي فحسب، بل داخل تركيا أيضاً.
لهذا السبب، كان عنوان المقالة بأنه “قد يكون 2022 هو أصعب عام بالنسبة إلى حزب العدالة والتنمية”.
ولا تلوح في الأفق أي تطورات إيجابية تنتظر حكومة حزب العدالة والتنمية في عام 2022، فبينما ينشغل الرأي العام العالمي وحكومات الدول المتقدمة بشكل خاص بقضايا مهمة مثل جائحة كورونا، ومتحورتها الجديدة أوميكرون، وأزمة المناخ، والواقع الافتراضي، والعملة المشفرة، وغيرها… لا توجد في تركيا أي من هذه القضايا حتى على جدول أعمال الحكومة باستثناء الوباء.
فعلى الرغم من أن الدولة التركية لا تزال تواجه مشاكل في السياسة الخارجية ولا سيما مع الناتو والاتحاد الأوروبي وروسيا والولايات المتحدة، فإن أجندة الشعب التركي مختلفة جداً وواضحة.
فحديث الساعة لدى المواطن التركي هو الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في البلاد والتوتر الاجتماعي بين شرائح الشعب وسوء الإدارة التي تجعل هذه المشاكل أكثر صعوبة.
ويزيد هذا الوضع من الضغط والتوتر لدى حزب العدالة والتنمية ورئيسه أردوغان، ويجعلهم غير مطمئنين لانعكاساته على حظوظهم في الانتخابات المقبلة.
صحيح أنهم تدخلوا في تدهور الليرة التركية أمام الدولار، ولكن الثمن كان باهظاً على كاهل المواطن على المديين المتوسط والبعيد.
كما تعلمون، بدأت الليرة التركية قبل أيام في الارتفاع مقابل الدولار بين عشية وضحاها، بل في ليلة واحدة. نفهم من هنا أن الحكومة بدأت تغامر أو تقامر وتحرق السفن.
لم يفهم الجمهور في البداية الكثير مما كان يجري على الساحة الاقتصادية.
ومع ذلك، يمكن تلخيص التطورات في تلك الليلة على النحو التالي:
إن الخزانة خالية تماماً، ولا توجد فيها أموال، بل إن الاحتياطيات – (ناقص) 46 مليار دولار.
وكانت الليرة التركية تخسر قيمتها تدريجاً وبطبيعة الحال كانت اللائمة تُلقى على الحكومة.
فباعت الحكومة ودائع الجمهور من العملة الصعبة المودعة في البنوك. بمعنى آخر، باعت الدولة الأموال التي اقترضتها من الناس إلى أشخاص آخرين (وفي أغلب الاحتمالات باعتها إلى مقربين منها وموالين لحزبها).
لم تكن هذه الخطوة التي اتخذها أردوغان لصالح الاقتصاد التركي، بل كان همه الوحيد أن يلقي طوق نجاة إلى حكومته التي بدأت تفقد شعبيتها بأقصى سرعة.
وكان بعض المواطنين في السابق يؤيدون خطواته الاقتصادية، حتى ولو كانوا من الموالين لأحزاب المعارضة، ولكن الحال تغير أخيراً، فلم يعد يثق به حتى الموالون له.
وأستطيع القول إن ذلك التأييد انخفض إلى الصفر في العام الماضي.
وأدى ذلك إلى نزيف حاد في شعبية الحزب الحاكم. ولشرح ذلك أريد أن أقدم للقراء الأعزاء بعض البيانات الرسمية:
قبل أيام قليلة، نشرت وكالة التنظيم والرقابة المصرفية (BDDK)، التابعة لأردوغان، البيانات المتعلقة بودائع الدولار والتغييرات في احتياطي البنك المركزي لمدة أسبوع واحد.
وناشد أردوغان الشعب قائلاً “حوِّل أموالك إلى الليرة التركية… نحن نكافح من أجل حرب تحرير اقتصادي وطني… إذا كانت لديهم (الخصوم) دولاراتهم، فلنا ربُّنا، ولدينا الليرة التركية… لماذا تبحث عن الدولار أو اليورو إذا كنت تملك الليرة التركية!؟ الليرة التركية… الليرة التركية… ستتعودون عليها”.
فماذا كانت النتيجة؟ لا شيء! إذ كانت الودائع بالدولار قبل ثلاثة أسابيع تبلغ 163.8 مليار دولار، وبعد خطابات أردوغان انخفضت إلى 163.7 مليار دولار، أي إن الفرق مئة مليون دولار فقط.
وبلغت خسائر احتياطي البنك المركزي في الموجة الأخيرة 18 مليار دولار. لذلك، عندما ننظر إلى هذا المشهد نرى أنه حتى أعضاء حزب العدالة والتنمية لم يعودوا يأخذون أردوغان على محمل الجد، لأن الناس بدأوا يدركون كل شيء حتى لو كان قد فات الأوان.
إنهم يعلمون أن خطوة الحكومة هذه ستؤدي في الواقع إلى رفع الأسعار مرة أخرى وضرائب إضافية وقيود جديدة في العام المقبل.
فشل حزب العدالة والتنمية في تحقيق أهدافه التي أعلنها لعام 2023:
لقد قرأت كل أهداف حزب العدالة والتنمية لعام 2023، وحتى في المجالات المتعلقة باستثمارات البناء التي تبدو ناجحة نسبياً، فهم متأخرون كثيراً عما خططوا له.
وكانت الحكومة أدرجت ما يقرب من 100 بند تتعلق بأهداف اقتصادية وسياسية وبنى تحتية لعام 2023، التي تصادف الذكرى المئوية للجمهورية التركية.
وكان من بين أكثر هذه الأهداف طموحاً زيادة الناتج المحلي الإجمالي السنوي إلى تريليوني دولار، ليكون الاقتصاد التركي من بين أكبر عشرة اقتصادات في العالم، وزيادة نصيب الفرد من الدخل القومي إلى أكثر من 20 ألف دولار في السنة. فماذا حدث إذن على أرض الواقع؟
اقرأ المزيد
تركيا تجمد أرصدة 770 شخصا ومؤسسة مقرها أميركا
إيجابيات وسلبيات النموذج الاقتصادي الجديد الذي تبنته تركيا
هل تخرج تركيا من أزمة عملة إلى انهيار اقتصادي كامل؟
انهيار الليرة التركية يجعل الكتب والقراءة ترفا
عودة الليرة التركية إلى الهبوط مع توقف دعم “المركزي” عبر طرح الدولار
عندما تولى حزب العدالة والتنمية السلطة، كانت تركيا تحتل المركز الـ17 في العالم من حيث القوة الاقتصادية، وباتت اليوم في المركز الـ21. وبلغ الناتج المحلي الإجمالي 794 مليار دولار ونصيب الفرد منه ثمانية آلاف دولار، وهو مبلغ بعيد كل البعد عن الأهداف التي حددها الحزب الحاكم.
وكان وعد بتخفيض معدل البطالة إلى خمسة في المئة، بينما يبلغ الآن 12 في المئة.
ووعد الحزب بسد عجز الحساب الجاري، في حين أنه الآن آخذ في الاتساع.
وكأن ذلك لم يكن كافياً، فأضاف على كاهل الشعب عبئاً من الديون يقارب الـ500 مليار دولار.
وفشل على وجه الخصوص في تحقيق الأهداف التي وضعها تحت عنوان “الاقتصاد، والسياسة، والقضاء والقانون”.
وبفضل حكومة حزب العدالة والتنمية أصبحت التقارير الدولية المنشورة المتعلقة بهذه المجالات تصنف تركيا في فئة الصين وإيران وكوريا الشمالية.
وأخيراً، دخلت تركيا في فترة حرجة، إذ إنه في أنقرة، تركز كل من الحكومة والمعارضة على الانتخابات.
وليس مهماً ما إذا كانت الانتخابات ستُجرى في موعدها، في صيف 2023 أو في وقت مبكر، فإن كل التطورات تصب ضد الحكومة.
وكمثل مراقبين كثر، أعتقد أن أردوغان سيُهزَم في الانتخابات المقبلة.
وتشير استطلاعات الرأي أيضًا إلى أن الدعم لأردوغان وحزبه يتناقص باطراد، ومن غير المرجح أن يخرجوا منتصرين في الانتخابات التي ستُجرى في ظل الظروف الحالية.
ومع ذلك، يثق الجميع بأن أردوغان سيفعل كل ما في وسعه للحفاظ على سلطته بطريقة استبدادية.
نحن نعلم هذا بالفعل من انتخابات إسطنبول.
من ناحية أخرى، عندما ننظر إلى بيانات شركات الأبحاث، نرى أن الشباب التركي منزعج للغاية من التوترات السياسية والضغوط والمشاكل الاقتصادية والبطالة، وأن جزءاً كبيراً منهم يريد التغيير.
الجيل الجديد واعٍ للغاية ويعبر عن توقعاته ورغباته بوضوح شديد. إنهم على دراية بحالة الاقتصاد ولديهم مخاوف كبيرة ويأس بشأن المستقبل.
لست متأكداً بعدُ مما إذا كان أردوغان يدرك أنه يجب أن يأخذ هموم الشباب على محمل الجد. لا أعتقد أن الأمر مهم كثيراً بعد هذا الوقت.
لأن هناك ما يقرب من 20 مليون ناخب تتراوح أعمارهم بين 18-35، سيصوت نحو ستة ملايين منهم لأول مرة. الحجة المتبقية لأردوغان، الذي تتضاءل قدرته على المناورة، ستكون تأجيج الخطابات القومية والدينية، وأيضاً الحيلولة دون اتحاد صفوف المعارضة ضده.
وبالتالي، فإن رحيل أردوغان يعتمد في المقام الأول على الخطوات التي ستتخذها أحزاب المعارضة.
وعلى كل حال، سيكون عام 2022 صعباً للغاية بالنسبة إلى أردوغان وحزبه والإسلامويين السياسيين.
اندبندت عربي