بيئة العراق مدمرة بعد عقود من حروب وانبعاثات غازية وأدخنة تنفثها آبار نفطية

بيئة العراق مدمرة بعد عقود من حروب وانبعاثات غازية وأدخنة تنفثها آبار نفطية

نشر موقع، انسايد كلايمت نيوز Inside Climate News، الأميركي المعني بمواضيع البيئة والتلوث، تقريرا مطولا عن الوضع البيئي في العراق أشار فيه الى ان عقودا من حروب وفقر وحرق وقود من حقول استخراج النفط قد القت بتبعاتها على تدمير بيئة البلد وما لذلك من آثار صحية خطيرة على الاهالي فضلا عن تلوث الحياة البيئية بشكل عام.

وجاء في التقرير الذي نشره الموقع تحت عنوان (بعد الحروب التي شهدها العراق، كل شيء حي يحتضر) انه عند احدى آبار النفط شمالي العراق بدأت أعمدة الدخان تنفث من عشرات أبراج الحرق في الحقل. تلك الأبراج تبعد بمسافة 150 قدماً فقط عن منزل، كميلة رشيد 60 عاما، وهي تقف عند مدخل البيت.

أبراج الحرق هذه التي تنفث باللهب هي تستخدم من قبل مصافي النفط في كل انحاء العالم لحرق الغاز والوقود المصاحب اثناء عملية استخراج النفط الخام. مثل هكذا ادخنة تنفث بملوثات ضارة للصحة في الهواء بضمنها السخام الذي يعرف أيضا بالكاربون الأسود.

تقول رشيد “السخام يغطي جلدنا وبيوتنا بطبقة سوداء. كل اهل القرية يعمدون الى ابقاء الشبابيك والابواب مغلقة بقدر الإمكان”.

جارتها، بيلاح محمود 29 عام، تقول ان هناك حالات اجهاض بين النساء بسبب هذا التلوث، وقالت انه منذ ان بدأت شركة النفط بتشغيل هذا الحقل أصيبت ما يقارب من 300 امرأة بحالة اجهاض.

ويشير التقرير الى ان الأمم المتحدة ذكرت في تقرير لها عام 2005 انها تقدر وجود عدة آلاف من المواقع الملوثة في العراق. وبعد ذلك بخمس سنوات كشف تحقيق أجرته صحيفة التايمز اللندنية ان الجيش الأميركي خلف وراءه ما يقارب من 11 مليون رطل من مخلفات سمية تركها في العراق. اليوم البلد ما يزال تنتشر فيه مواد خطيرة مثل اليورانيوم المنضب والديوكسين اللذين لوثا التربة والمياه. وعلى قمة كل هذه الأمور، فان العراق يعتبر من بين اكثر البلدان تأثرا بالتغير المناخي الذي تسبب أصلا بقلة مناسيب المياه في البلد ومشكلة الجفاف المزمن.

واستنادا لاطباء عراقيين فان كثيرا من الحالات المرضية المتعلقة بالتلوث البيئي في العراق تنحصر بمعدلات السرطان العالية والتشوهات الولادية وامراض كثيرة أخرى. ودعم بحث اولي اجراه علماء محليون هذه المزاعم. وبينما اقرت الحكومة ان سبب التلوث ناجم عن الحروب وطبقت بعض البرامج العلاجية، فان قلة من المنتقدين ممن يعتقد بان هذه الإجراءات ستكون كافية لمعالجة مشكلة بيئية وصحية عامة تكون مكلفة.

الخبير البيئي الألماني، هويم زوينبيرغ، يقول “تاريخيا غالبا ما لا تعطي حكومات أولوية للأبعاد البيئية للحروب، مع ذلك فان آثار الحروب المدمرة للبيئة تظهر مستقبلا”. وكشف الخبير الألماني عن وجود تلوث في العراق ويشير الى ضرورة اجراء بحوث إضافية لغرض تنظيف البلاد من السموم المضرة وتوفير وتخفيف المخاطر الصحية التي يتعرض لها الأهالي القاطنون في مناطق شهدت معارك وحروبا.

ادريس فاروق، 27 عاما، يعيش قرب حقل نفطي، يقول “لو سافرت الى أية قرية في العراق ستجد تلوثا هناك وانبعاثات إشعاعية وحالات سرطان. انه موروث الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على العراق والحروب التي سبقتها وتلتها، وفي كل حرب يتم ترك مخلفات سمية”.

وبما ان العراق يحتل المرتبة السادسة كأعلى منتج للنفط في العالم، فقد تم تصنيف البلد عام 2020 من قبل البنك الدولي على انه يأتي بالدرجة الثانية بعد روسيا بكمية الغاز المصاحب الذي يحرقه في الهواء من حقوله النفطية مما يتسبب بتلوث الهواء الذي يستنشقه الأهالي.

التلوث الناجم عن حقول النفط ليس مقتصرا على الهواء فقط، بل هناك مواقع لدفن النفايات ترمى فيها مخلفات نفطية تحيط بها أراضي زراعية ومزارعين، جميعهم شكوا من معاناتهم من مشاكل صحية مختلفة بضمها امراض الشقيقة والتهاب الجلد الحاد وحالات اجهاض وسرطان ومشاكل بالجهاز التنفسي وصعوبة بالتنفس وحالات ربو.

خبراء يدرسون وضع التلوث البيئي المعقد في العراق يقولون ان المشكلة تكمن في المخلفات الحربية التي شنت في العراق منذ حقبة التسعينيات وتشكل تحديات صحية كبيرة بضمنها مادة اليورانيوم المنضب وحرق الغاز المصاحب وترك المخلفات الحربية وما لها من دور في اثارة الامراض.

باسم حمود، اخصائي امراض سرطان بمستشفى الناصرية ، يقول “ليست لدينا المنشآت والمعدات الخاصة للكشف عن مسببات حالات السرطان”.

إيمان، طبيبة بمستشفى الأطفال التعليمي في بغداد، تقول إن هناك حالات تشوهات بالأعضاء الجنسية للاطفال وتشوهات بالعمود الفقري وتضخم بالرأس وأورام. وفي الوقت نفسه حصول حالات اجهاض وتصاعد بحالات الولادات المبكرة قبل اكتمال الجنين بين النساء، خصوصا في المناطق التي شهدت معارك واستخدام قنابل اليورانيوم المنضب فيها.

واستنادا لتقرير نشر عام 2010 في صحيفة، اميركان جورنال للصحة العامة، اشارت فيه الى تشخيص حالات سرطان الدم لوكيميا في أطفال دون 15 عاما تضاعف عددهم في مستشفى واحد جنوبي العراق من العام 1993 الى العام 1999. والان وبعد مرور 20 سنة فانه من الصعب تحديد العوامل المساهمة بدقة في المشاكل الصحية المستمرة في العراق. وتقول الطبيبة ايمان انها تشك بالمياه الملوثة والافتقار الى التغذية الصحيحة بالإضافة الى الفقر، فهي عوامل مؤثرة أيضا بالإضافة الى العوامل الحربية الأخرى وخصوصا اليورانيوم المنضب المستخدم في المقذوفات الحربية خلال حرب الخليج والغزو الأميركي للعراق عام 2003.

ويقدر البرنامج البيئي للأمم المتحدة ان ما يقارب من 2,000 طن من اليورانيوم المنضب قد تم استخدامه في العراق وما يزال الكثير منه بحاجة لتنظيف وإزالة. ويقول الباحث الألماني، زوينبيرغ، ان بقايا ذخائر اليورانيوم المنضب منتشرة في اكثر من 1,100 موقع في العراق، وهذا من مخلفات مرحلة الغزو الأميركي للعراق عام 2003 فقط.

الى اليوم الحالي ما تزال مخلفات الدبابات والأسلحة الأخرى مرمية على طول الطريق الرئيس بين بغداد والبصرة، حيث الحطام الملوث ما يزال جزءا من حياة السكان القريبين اليومية. ويشير الخبير زوينبيرغ الى ان احدى عوائل البصرة يعاني كل افرادها من امراض السرطان واللوكيميا وسرطان العظم.

الفلوجة، المدينة التي شهدت معارك عنيفة بعد الاحتلال الأميركي عام 2003، تشهد ارتفاعا بحالات التشوهات الخلقية بين أولاد المدينة. واستنادا لمقال نشر على الجزيرة عام 2012، قدرت طبيبة الأطفال، سميرة العاني، ان 14% من ولادات الأطفال في الفلوجة يأتون مشوهين ولاديا، وهذا المعدل يفوق المعدل العالمي بالضعف.

الان قنوات المياه في العراق تواجه تهديدا آخر. واستنادا الى باحثين فان 70% من المخلفات الصناعية يتم رميها في النهر او في مياه البحيرات. ويقول الباحث، هاري استيبانيان، من معهد الطاقة في العراق، ان الأنهر والقنوات المائية المؤدية الى الاهوار جنوبي العراق تعاني من درجات تلوث عالية من المخلفات الصناعية ومياه الصرف الصحي والسفن الغارقة، وحطام معدات حربية أخرى غارقة في قعرها منذ ثمانينيات القرن الماضي.

المدى