واصلت الليرة التركية الخميس تسجيل خسائر فادحة أمام الدولار الأميركي لتُعطي بذلك خطة الرئيس رجب طيب أردوغان لإنقاذ العملة التركية – والتي دفع بها مؤخرا قبل الانهيار التام – نتائج عكسية.
أنقرة – تواجه خطة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لإنقاذ الليرة انتكاسة بعدما شهدت العملة تراجعا متسارعا منذ أربعة أيام، ما يُفاقم الضغوط المسلطة عليه ويدفعه للدعوة إلى انتخابات مبكرة.
وواصلت الليرة الخميس تسجيل الخسائر لليوم الرابع حيث قالت وكالة بلومبرغ إن سعرها تراجع بنسبة 5.6 في المئة إلى 13.41 ليرة لكل دولار أميركي.
ورغم ارتفاعها أكثر من 50 في المئة الأسبوع الماضي بعد تدخلات في السوق مدعومة من الدولة، فقدت الليرة 38 في المئة من قيمتها هذا العام.
وأكد البنك المركزي التركي الأربعاء أنه سيعطي أولوية للتدابير التي تهدف إلى تشجيع المودعين على الادخار بالليرة خلال عام 2022 بعد أن تراجعت إلى مستويات قياسية هذا العام بضغط من التخفيضات المتتالية لأسعار الفائدة من قبل البنك المركزي.
وعاودت الليرة التركية التراجع أمام الدولار بعد تعاف ملحوظ سجلته في الأسبوع الماضي بدعم من الآلية الجديدة التي تم إطلاقها لحماية المودعين بالليرة التركية من تقلبات سعر الصرف.
وتتيح الأداة المالية الجديدة للمودعين تحقيق نفس مستوى الأرباح المحتملة للمدخرات بالعملات الأجنبية عبر إبقاء الأصول بالليرة التركية.
وفي الوقت الذي يتصاعد فيه الحديث عن الليرة وسبل وضع حد لانهيارها، أعلن البنك المركزي التركي عن انخفاض تاريخي في احتياطياته من النقد الأجنبي.
انهيار الليرة أدى إلى تراجع الثقة في الاقتصاد التركي حيث كشفت بيانات معهد الإحصاء أن مؤشر الثقة تراجع بنسبة 1.8 في المئة خلال ديسمبر
وانخفض إجمالي احتياطيات البنك المركزي التركي من النقد بشكل عام بمقدار 5.7 مليار دولار، أي من 116.5 مليار دولار إلى 110.8 مليار دولار في أسبوع واحد، الممتد من السابع عشر إلى الرابع والعشرين من ديسمبر.
وفي نفس الفترة انخفض صافي احتياطيات البنك من العملات الأجنبية بمقدار 3.6 مليار دولار، أي من 12.2 مليار دولار إلى 8.6 مليار دولار.
وقبل ذلك بنحو أسبوع كان صافي الاحتياطيات الأجنبية في البنك المركزي التركي قد تراجع إلى 12.2 مليار دولار حتى السابع عشر من ديسمبر لأول مرة منذ مايو مقارنة مع 21.17 مليار قبل أسبوع، مما يعكس التدخلات التي تمت في الآونة الأخيرة في السوق.
وباستثناء العملات الأجنبية والذهب الذي يحتفظ به البنك كدين وقرض، انخفض صافي الاحتياطي بما لا يشمل المقايضات الجارية بمقدار 9 مليارات دولار من -46.7 مليار دولار إلى -55.7 مليار دولار الأسبوع الماضي.
ويدل الرمز ناقص (-) 55.7 مليار دولار على الانخفاض التاريخي.
وتُظهر الأرقام أنّ البنك المركزي التركي لعب دورًا في هبوط أسعار الصرف الأسبوع الماضي، من خلال التدخل السريع والمكثف.
وكان قد أعلن بالفعل تدخله المباشر خمس مرات في السوق هذا الشهر لوقف انهيار العملة، وقال مصرفيون إن حجم التدخل الإجمالي تراوح بين ستة وعشرة مليارات دولار.
ولم تصدر إعلانات عن تدخل البنك المركزي منذ السابع عشر من ديسمبر لكن مصرفيين قالوا إن انخفاض الاحتياطيات يشير إلى المزيد من دعم الدولة لليرة التركية.
وفي 2019 – 2020 انخفض صافي الاحتياطيات عندما باع البنك المركزي 128 مليار دولار لبنوك الدولة لتثبيت سعر الليرة التي واصلت تراجعها رغم ذلك.
وتسببت التصريحات التي أدلى بها وزير الخزانة والمالية نورالدين النبطي -والتي أذاعها على الهواء مباشرة على أربع قنوات تلفزيونية مختلفة خلال الأسبوع الماضي في العشرين من ديسمبر- حول انخفاض أسعار الصرف في إثارة علامات استفهام كثيرة.
وقال النبطي إنّه لم يكن هناك أي تدخل في النقد الأجنبي في تلك الليلة، مضيفا “هل تركيا بلد أخرق إلى درجة أنها ستجلس وتراقب الأحداث من تلقاء نفسها ولن تستخدم كل الأدوات التي لديها بشكل إيجابي؟”. وأشار إلى أنّ “المواطنين دخلوا في سباق وبذلوا قصارى جهدهم لتغيير عملتهم”.
وكانت عدّة بنوك حكومية تركية قد باعت الدولار بإفراط الأسبوع الماضي لتدعم بذلك الليرة بعدما أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان عن خطة لحماية الودائع تهدف إلى الحد من أزمة العملة.
وذكر مستشار مصرفي كبير أن تدخلات البنوك الحكومية بلغت خلال يومين إجمالا ثلاثة مليارات دولار. وقال مصدران آخران، ومنهما مسؤول تركي كبير، إن “التدخلات كانت كثيفة وممتدة نحو نهاية الأسبوع”.
ولم تعلق البنوك الحكومية الثلاثة، بنك زراعات وبنك الوقف وبنك خلق، على التدخلات المحتملة. ولم يتسنَّ الحصول على تعقيب من البنك المركزي.
يأتي ذلك ليزيد من تراجع الثقة في الاقتصاد التركي حيث كشفت بيانات معهد الإحصاء التركي الخميس أن مؤشر الثقة فيه تراجع بنسبة 1.8 في المئة خلال شهر ديسمبر الجاري.
رفع الأجور في 2022 والصعود الحاد للعملة وانهيار الليرة عوامل تشير إلى أن أردوغان ربما يرغب في التحرك قريبا بعد تراجع شعبيته لفترة طويلة
وقد يدفع هذا الانهيار الاقتصادي الرئيس التركي للدعوة إلى انتخابات مبكرة بعد أشهر، بعدما لاحظ مراقبون أن هناك عنادا إزاء هذه الخطوة التي لطالما طالبت بها المعارضة.
واستبعد أردوغان وكبار مسؤولي حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يتزعمه مرارا فكرة إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية قبل موعدها المقرر في منتصف 2023.
لكن رفع الأجور في 2022 والصعود الحاد للعملة وانهيار الليرة عوامل تشير إلى أن أردوغان ربما يرغب في التحرك قريبا بعد تراجع شعبيته لفترة طويلة.
وقال محللون إن إجراءات أردوغان تعيد إلى الأذهان مناورات سابقة قبل الانتخابات في الماضي. وقد تربك الانتخابات المبكرة تحالف المعارضة الذي لم يتفق أطرافه بعد على مرشح رئاسي.
وقال محمد علي كولات رئيس مؤسسة ماك للاستشارات “أعطت القرارات انطباعا بأن حزب العدالة والتنمية وأردوغان يديران الاقتصاد ببراعة”.
وأضاف كولات “بالنسبة إلى أردوغان تظهر قصة نجاح في اللحظة الأخيرة قبل كل انتخابات… نرى أنه سيتم تصوير هذه العملية على أنها من زعيم سياسي هزم الدولار وأحبط لعبة القوى الخارجية”.
لكن تأثير هذه الرسالة يعتمد على اتجاه الليرة والتضخم، وأثرهما على الأتراك الذين تقلصت قدرتهم الشرائية.
العرب