تعاني فئة البدون أو عديمي الجنسية في الكويت على مدى عقود من أوضاع إنسانية واجتماعية صعبة، جراء رفض منحهم أبسط الحقوق الأساسية. ويحاول نشطاء من هذه الفئة ومناصرون لقضيتهم التحرك لخلق رأي عام محلي ودولي ينتصر لحقوقهم المهدورة، لكن السلطات في الكويت لا تبدو مهتمة وتصر على الإبقاء على الوضع الراهن.
الكويت – مرت تظاهرة البدون في الكويت كما ترتاح لها السلطات، من دون تأثيرات في المشهد السياسي المتوتر من قضايا الصراع بين الحكومة والبرلمان، لكنها جاءت لتذكر بموضوع متراكم عجزت الحكومات الكويتية المتعاقبة منذ الاستقلال عن إيجاد حل له.
وشهدت ساحة الإرادة في العاصمة الكويت وقفة احتجاجية دعما لفئة البدون، أو مجتمع من لا يحملون جنسية. وأتت الوقفة بعد أيام قليلة على مأساة انتحار جديدة لأحد أبناء هذه الفئة، حيث أقدم شاب من البدون من مواليد 1994 على إلقاء نفسه من جسر الشيخ جابر، ليعيد التذكير بسلسلة من حوادث الانتحار التي جدت خلال السنوات الأخيرة، وارتبطت في معظمها بالأوضاع الاجتماعية القاسية التي تعانيها هذه الفئة.
فهد راشد المطيري: خطاب بعض مَن يدافعون عن البدون غير مواكب للقضية
وحملت الوقفة الاحتجاجية التي جرت قبالة مجلس الأمة الكويتي رسالة للنواب بضرورة إيلاء هذه القضية الإنسانية ما تستوجبه من اهتمام خلال دورته الحالية، وأن يكون هناك تحرك جدي لإنهائها والتوقف عن محاولة اتخاذها ورقة للمزايدة السياسية في المواجهة المفتوحة مع الحكومة.
ولا يخفى وجود انقسام داخل مجلس الأمة الكويتي في التعاطي مع قضية البدون، ففيما يصرح عدد من النواب بأهمية منح هذه الفئة حقوقها المدنية وبعضهم قدم مقترحات في هذا الشأن، يتبنى شق آخر موقفا متشددا حيالها، ولعل المداخلة الطويلة التي قام بها رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم في فبراير 2020 والتي حاول من خلالها التشكيك في كويتية هذه الفئة، حتى إنه اتهم عددا من أفرادها بالعمالة لصالح دولة جارة (العراق)، تعكس عمق الانقسام حيال منح هذه الفئة حقوقها.
وسبق وأن قدم الغانم مع أربعة من النواب مقترحا في العام 2019 أثار الكثير من الجدل، حيث نص ضمن بنوده على اعتبار البدون مقيمين غير قانونيين، وأنه يجب على السلطات إجبارهم على تعديل أوضاعهم من خلال مساعدتهم على اللجوء إلى بلدان أجنبية مقابل مغريات وحوافز مادية.
وتستغل الحكومة غياب إجماع داخل مجلس الأمة لإبقاء هذا الملف مفتوحا، مع السعي للترويج للمجتمع الدولي أنها بصدد اتخاذ خطوات عملية لحل هذه القضية نهائيا، مع محاولتها التقليل من شأنها، حيث تقول إن عدد البدون الذين لم يسووا أوضاعهم في الكويت لا يتجاوز الخمسة والثمانين ألفا، فيما تتحدث الأرقام غير الرسمية عن أن عددهم يتجاوز المئتي ألف.
وتعود أزمة البدون إلى نشأة الدولة الحديثة في الكويت في الستينات من القرن الماضي، حيث لم يتقدم الكثيرون من “أهل البادية” بطلب للحصول على الجنسية، إما لأنهم كانوا أميين وإما لا يستطيعون تقديم وثائق، وإما لم يعرفوا مدى أهمية المواطنة.
الوقفة الاحتجاجية للبدون حملت رسالة للنواب بضرورة إيلاء القضية الإنسانية ما تستوجبه من اهتمام خلال دورته الحالية، وأن يكون هناك تحرك جدي لإنهائها والتوقف عن محاولة اتخاذها ورقة للمزايدة السياسية
وحاولت السلطات على مدار العقود الماضية التملص من واجباتها حيال هذه الفئة كالادعاء بأن الكثير منهم جاؤوا من دول أخرى للعمل، وقام الكثير منهم بإخفاء هوياتهم الأصلية زاعمين انتماءهم إلى فئة عديمي الجنسية بغرض الحصول على الجنسية الكويتية وامتيازاتها.
ويشكو أبناء البدون في الكويت من حرمانهم من الكثير من الحقوق المدنية، ويطالبون بمنحهم الجنسية الكويتية كحل نهائي لمعاناتهم، لكن لا يبدو أن السلطات بصدد تغيير الوضع القائم، كما أن الدعوات من بعض الفاعلين في المشهد السياسي الكويتي لا تعدو كونها محاولة “تبرئة ذمة”، دون أن تكون هناك إرادة فعلية لممارسة ضغوط جدية لمنح هذه الفئة حقوقها.
يقول الدكتور فهد راشد المطيري، أستاذ فلسفة اللغة واللسانيات وأحد النشطاء المدافعين عن قضية البدون، في تغريدة على حسابه على تويتر “من المؤسف أنك حين تدقّق في كلام بعض مَن يدافعون عن البدون من السياسيين، تلاحظ أمرين: الأول خطابهم غير المواكب لمجريات القضية وكأنّ آخر علمهم بالقضية قبل 20 سنة، والثاني خطابهم يتضمّن عبارات توحي بأن البدون يشحذون منهم حقوقهم! مع كل ذلك، يبقون أقل سوءا من الصامتين صمت القبور”.
ويراهن المدافعون عن قضية البدون على محاولة خلق رأي عام داخلي وخارجي للضغط على السلطات، وكانت الوقفة الاحتجاجية التي نظمت مساء الثلاثاء ضمت عددا من نشطاء اجتماعيين وسياسيين مناصرين للقضية، من الرجال والنساء.
وقال محمد البرغش، أحد نشطاء البدون، باكيا أمام الصحافيين “أخاطب ضمير هذا الشعب… لكي يجد لنا حلا. إذا لنا حق أعطونا إياه… إذا ما لنا حق، قولوا لنا ما لنا حق… وخلوا جهة معينة محترمة تحل قضيتنا. أين الضمير الكويتي؟”.
ورفع المشاركون في التظاهرة لافتات كتب عليها “إلى متى بدون؟” و”المواطنة مطلبنا الوحيد”. وطالب المتظاهرون بمنح حق المواطنة للمستحقين من فئة عديمي الجنسية، بالإضافة إلى تأمين كافة الحقوق المدنية والاجتماعية لأبناء هذه الفئة.
وتقول منظمات حقوقية دولية إن وضع البدون يمثل عقبة أمام حصولهم على الوثائق المدنية والخدمات الاجتماعية، ويضعف الحق في الصحة والزواج والتعليم والعمل. وتوجد مجتمعات مماثلة في بعض دول الخليج الأخرى، التي تقدم مثلها مثل الكويت للمواطنين نظام رعاية اجتماعية سخيا، من المهد إلى اللحد، لكنه لا يشمل الأشخاص الذين يعتبرون عديمي الجنسية.
العرب