قال مركز “سترافور” الأمريكي للدراسات الأمنية والاستخباراتية (الذي يوصف بالمقرب من المخابرات الأمريكية) في تحليل له إن الأزمة الإنسانية في اليمن تتعمق مع استمرار الحرب الأهلية، وهي الأزمة التي وصفتها الأمم المتحدة بأنها أسوأ أزمة إنسانية في العالم. وتوقع المركز أنه سيصبح الوصول إلى تسوية سياسية أكثر صعوبة خلال عام 2022؛ ما يعني أن البلد الذي مزقته الحرب سيبقى مسرحا جيوسياسيا بالوكالة.
ومثلما يشير التحليل فقد دخلت الحرب في اليمن مؤخرا عامها السابع، ولا يوجد في الأفق نهاية واضحة لها؛ حيث لم يستطع أي طرف من الأطراف المتحاربة أن يحسم المعركة لصالحه ما يعني أن وقف إطلاق النار ما زال بعيد المنال.
ويؤكد التحليل أن ندرة الموارد أصبحت مشكلة عميقة بشكل متزايد في اليمن، وتوقع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في عام 2019 أنه إذا استمر الصراع حتى عام 2022، فإن اليمن سيكون أفقر دولة في العالم. وفي عام 2021، أفاد البرنامج أن 80% من سكان اليمن يعتمدون الآن بشكل كامل على المساعدات الغذائية والمالية. وشهدت العملة اليمنية مؤخرا انهيارا غير مسبوق مدفوعا جزئيا بأعوام من الحرب المستمرة.
ومن المتوقع أن يصل عدد الأشخاص الذين قتلوا في اليمن بشكل مباشر في أعمال العنف المرتبطة بالنزاع (أي القتال أو الغارات الجوية)، وكذلك أولئك الذين قتلوا بشكل غير مباشر بسبب تداعيات الحرب الأهلية المستمرة (مثل الجوع والأمراض التي يمكن الوقاية منها) إلى 377 ألف شخص بنهاية عام 2021، ويشكل الأطفال دون سن الخامسة 70% من تلك الوفيات، وفقا لتقرير للأمم المتحدة صدر في نوفمبر/تشرين الثاني.
ويشدد التحليل على أن الطائرات المسيرة الحوثية والهجمات الصاروخية المستمرة على الأراضي السعودية، تؤجج حلقة من التصعيد العسكري تجعل من الصعب على الأطراف المتحاربة التراجع. وأصبحت هذه الهجمات أكثر تواترا في الفترة الأخيرة. وعادة ما ترد السعودية على هذه الهجمات بضربات جوية انتقامية وتعزيز الهجمات البرية.
وبحسبه فمع تطور أسلحة الحوثيين وقدرتهم على تعويض مخزون المقذوفات، من المرجح أن تستمر السعودية في نهج الرد العسكري؛ ما يعني استمرار حلقة العنف والدمار.
وفي أوائل ديسمبر/كانون الأول، قال المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن إن السعودية تعرضت لـ375 هجوما عبر الحدود منذ الأول من يناير/كانون الثاني. ويعود الفضل في ذلك جزئيا إلى التطوير التكنولوجي الذي أدخله الحوثيون.
وينوه التحليل إلى أنه لا تزال الجبهات الأمامية الرئيسية مشتعلة؛ ما يجعل كل جانب متحفظا على الانسحاب. ولا يزال القتال شديدا على طول الخطوط الأمامية في محافظتي شبوة ومأرب وسط البلاد، وكذلك منطقة الحديدة الساحلية.
ويشير استمرار “خريطة السيطرة” على حالها إلى أن الأطراف المتحاربة على الأرض متكافئة نسبيا. علاوة على ذلك، فإن القيمة الاقتصادية والسياسية لبعض المناطق، وبالتحديد احتياطيات النفط في مأرب وميناء الحديدة والمنطقة الساحلية وأراضي شبوة ذات القيمة السياسية، تقلل من الحافز لدى الجانبين للتراجع عن الخطوط الأمامية.
ويرى أنه في حين أن استمرار الجمود أمر محتمل، فإن الخطوط الأمامية ستتغير إذا رأت السعودية أن الخسائر المادية والبشرية مكلفة للغاية، أو إذا بدأت جهود التجنيد التي يبذلها الحوثيون في التعثر.
وفي الأشهر الأخيرة، كان القتال في مأرب شديدا ما أدى إلى نزوح نفس المدنيين اليمنيين عدة مرات؛ حيث يتقدم مركز الصراع ويتراجع. وأشار تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في 12 ديسمبر/كانون الأول إلى أن العنف المستمر في مأرب أدى إلى نزوح 45 ألف شخص منذ سبتمبر/أيلول الماضي.
ويؤكد التحليل أن الحرب المطولة أدت إلى تفاقم الدوافع الأولية للصراع الأهلي؛ ما جعل حلها أكثر صعوبة. وكان عدم المساواة في الموارد وندرتها، وانعدام ثقة السكان المحليين في الجهات الفاعلة الخارجية، بما في ذلك السعودية وإيران، والانقسامات المجتمعية والطائفية والجغرافية بين المجتمعات اليمنية، من بين الدوافع لإشعال الصراع عام 2014. وقد تفاقمت كل هذه العوامل على مدار الحرب؛ ما يقلل من احتمالية التوصل إلى نهاية تفاوضية للصراع.
وأدى اتفاق الرياض لعام 2019 إلى تشكيل حكومة يمنية في أوائل عام 2021 ضمت زعماء شماليين وجنوبيين، مع استبعاد المتمردين الحوثيين. لكن انعدام الثقة بين الفصائل اليمنية الشمالية والجنوبية استمر في إعاقة تعاون أعمق يتجاوز الحفاظ على جبهة مشتركة ضد الحوثيين؛ ما منع الحكومة اليمنية من تقديم جبهة قوية وموحدة في مفاوضات السلام على الصعيدين المحلي والدولي.
وبالنظر إلى هذه العوامل، من غير المرجح، حسب التحليل، أن تتوصل الأطراف المتحاربة في اليمن إلى تسوية سياسية عام 2022. ما يعني أن اليمن سيظل مسرحا جيوسياسيا رئيسيا للسعودية وإيران والجهات الخارجية الأخرى التي لها مصالح في المنطقة.
وبحسبه يعد عدم الاستقرار المتزايد في اليمن أحد العوامل التي تدفع السعودية والإمارات حاليا إلى التفكير في التقارب مع إيران على أمل أن يؤدي التواصل الوثيق مع طهران إلى التخفيف من خطر امتداد الصراع في اليمن إلى أرض سعودية أو إماراتية.
ومع ذلك، من غير المرجح، حسب التحليل، أن نشهد في هذا العام تغيرا في الضرورات الاستراتيجية التي تجبر الرياض على الحفاظ على تدخلها العسكري الشامل في اليمن، أي الحاجة إلى ضمان وحدة أراضي اليمن ومنع حكومة شيعية أو ذات توجهات موالية لإيران أو متطرفة من تولي زمام القيادة في صنعاء.
ومع بقاء التحالف الذي تقوده السعودية على جانب واحد من الحرب وبقاء المتمردين الحوثيين على الجانب الآخر، من المرجح أن تنهار كل جهود وقف إطلاق النار في عام 2022 على طول خطوط الصدع التي أعاقت المحاولات السابقة للوصول إلى تسوية السياسية.
كما سيجبر الصراع المستمر الولايات المتحدة، حسب التحليل، على الاستمرار في المشاركة في اليمن من أجل حماية السعودية من التهديد المتزايد لصواريخ الحوثيين وضربات الطائرات بدون طيار.
ومنذ توليه منصبه، حاول الرئيس الأمريكي “جو بايدن” الحد من مشاركة الولايات المتحدة الصريحة في الصراع الأهلي اليمني من خلال تقليص نطاق التعاون الأمريكي مع التحالف الذي تقوده السعودية، لكن واشنطن لا تزال المزود الرئيسي للمملكة بالمعدات العسكرية، وأكملت مؤخرا بيع أسلحة دفاعية للرياض.
ويشير التحليل في الأخير إلى أن إيران تواصل تزويد المتمردين الحوثيين في اليمن بالأسلحة والمعدات الدفاعية، فضلا عن الدعم العسكري. ومع ذلك، لا يزال مدى الدعم الاقتصادي الذي تقدمه طهران للجماعة غير واضح. وفي المقابل، حظيت جهود الأمم المتحدة الأخيرة لوقف إطلاق النار في نوفمبر/تشرين الثاني باهتمام إعلامي كبير، لكنها لم تشهد سوى القليل من الزخم على الأرض بين الأطراف المتحاربة.
القدس العربي