دخلت دول الخليج وفي مقدمتها الإمارات عاما استثنائيا بحلول 2022 حيث ستسعى لاستكمال تحركاتها الرامية إلى سد الفراغ الذي تركه انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة.
وباعتبارها باتت تمثل قوة عسكرية ضاربة وسياسية متوازنة، تعمل الإمارات على تجميع الحلفاء في المنطقة التي تشهد تصاعدا للنفوذ الإيراني من جهة وأيضاً لحضور قوى متشددة مؤثرة سمحت لها الولايات المتحدة بالتوسع وبأن تصبح قادرة على استعادة المبادرة على غرار حركة طالبان التي تمكنت من السيطرة على أفغانستان في وقت سابق.
ولا تقود الإمارات بمفردها الجهود لتعويض الانسحاب الأميركي حيث تمثل السعودية عضوا طبيعيا في التحالفات التي هي بصدد التشكل بعمقها الجغرافي وإمكانياتها العسكرية ونفوذها المعنوي، بالإضافة إلى غضب الرياض الكامن من استخفاف إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بمقدرات ومصير المنطقة.
فرصة سانحة للإمارات
احتفت دولة الإمارات في ديسمبر الماضي بحلول الذكرى الخمسين لقيامها وسط تفكير في المستقبل في ظل الانسحاب الأميركي من المنطقة بعد أن سئمت واشنطن إهدار الدماء والثروات شرق قناة السويس.
وسبق للإمارات أن واجهت وضعا مشابها عند استقلالها عن بريطانيا في العام 1971، لكنها خرجت في وضع أفضل وأقوى حيث فكر آنذاك قادتها وفي مقدمتهم المؤسس الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في مستقبل البلاد.
وحتى قبل تنصيب بايدن في يناير 2021 رئيساً للولايات المتحدة، لم تُخفِ الإدارة الأميركية القادمة نيتها في “عمل القليل، وليس الكثير” في منطقة الشرق الأوسط. وعكس الانسحاب السريع والفوضوي من أفغانستان في شهر أغسطس الماضي ما تعنيه تلك العبارة.
ويرى مراقبون أن الانسحاب الأميركي من الشرق الأوسط سيتيح للإمارات فرصاً على غرار تلك التي وفرها الانسحاب البريطاني قبل 50 عاماً.
ويقول جوناثان جورنال وهو صحافي بريطاني إن “نفس الطريقة التي حرر بها انسحاب بريطانيا قبل 50 عامًا الإمارات وجعلها تفكر وتعمل من أجل مستقبلها، وفتح الباب على مصراعيه لمرحلة من التنمية الاقتصادية والاجتماعية لا مثيل لها، فإن تقليص المصالح الأميركية ونفوذها يمثل فرصة سياسيًة للإمارات للاستفادة من منطقة مجهزة تجهيزا جيدا”.
وتابع جورنال، الذي عمل سابقًا مع التايمز وعاش وعمل في الشرق الأوسط وهو الآن مقيم في المملكة المتحدة، أنه “لا شك في أن وجود الجيش الأميركي كان بمثابة غطاء أمان مُرحب به لدولة الإمارات ودول الخليج الأخرى، مثله مثل وجود الجيش البريطاني قبل نصف قرن لأسلاف سكان الخليج، وهو غطاء أمان للتعامل مع التهديد الذي يلوح في الأفق من الجانب الإيراني”.
وأوضح مستدركاً “لكن غطاء الأمان قد يكون خانقا، حيث أن الإمارات ازدهرت بصورة تفوق التوقعات بعد تحريرها من الحماية البريطانية، وبالتأكيد فإن مسؤولي الحكومة البريطانية في ذلك الوقت شككوا سراً في نجاح محمياتهم السابقة”.
وتعتمد الإمارات على سياسة داخلية وخارجية فعالة مكنتها من تحقيق ازدهار داخلي لا مثيل له وتطوير علاقاتها بمحيطها من خلال سياسة تصفير المشاكل مع القوى الفاعلة عكسها تطوير علاقاتها الدبلوماسية في العام الماضي مع دول مثل إسرائيل.
التعويل على الدبلوماسية
في مواجهة الفراغ الذي تركه الانسحاب الأميركي من المنطقة تعول الإمارات على الدبلوماسية كخيار لتوسيع دائرة الحلفاء وحلحلة المشكلات أيضاً بالرغم من أنها تملك قوة عسكرية ضاربة وقادرة على كبح التهديدات.
وفي السادس من شهر ديسمبر الماضي زار مستشار الأمن القومي الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد طهران لإجراء محادثات مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي.
ولم تأت هذه المبادرة الإماراتية من موقف ضعف، حيث أصبحت القوات المسلحة الإماراتية واحدة من أفضل الجيوش تدريباً وتسليحاً في العالم العربي. وقبل ثلاثة أيام فقط من ذلك الاجتماع، وقعت الإمارات العربية المتحدة صفقة بقيمة 19 مليار دولار لشراء 80 طائرة رافال من فرنسا.
جوناثان جورنال: الإمارات والسعودية مصممتان على التعامل مع طهران بشروطهما
ولم يكن التقارب الإماراتي – الإيراني بالمستبعد، وجاءت الزيارة في أعقاب ما تردد عن أربع جولات من المحادثات بين السعودية وإيران في بغداد. وفي غضون ذلك كانت المملكة العربية السعودية والإمارات وإيران متواجدة في قمة نظمها العراق وفرنسا بشكل مشترك في شهر أغسطس وكان غياب الولايات المتحدة عن تلك القمة لافتا للأنظار.
وفي الثالث عشر من ديسمبر الماضي قام رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت بأول زيارة رسمية تاريخية لرئيس وزراء إسرائيلي إلى الإمارات.
وربما تكون الحكومة الأميركية هي التي بادرت بـ”اتفاقيات أبراهام”، لكن من الواضح أن الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل هما اللتان وقعتا سلسلة من الصفقات التجارية بغرض تحقيق أقصى استفادة منها.
ويعتمد أثر ذلك على المنطقة على الجهود الجارية في فيينا لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015 مع إيران، ولا تعد الإمارات أو السعودية طرفا في المحادثات، على الرغم من قلقهما من أن أي اتفاق يجب أن يشمل أيضًا إنهاء دعم إيران للميليشيات المسلحة في جميع أنحاء المنطقة على غرار الحوثيين في اليمن وغيرهم.
ومع ذلك قال جورنال إنه “من الواضح أن السعوديين والإماراتيين مدعومين من مجلس التعاون الخليجي مصممون على التعامل مع طهران دبلوماسياً، بشروطهم الخاصة وفي إطار المصالح الأوسع للمنطقة”.
وأضاف أنه “كما كان عليه الحال في عام 1971، لا يستطيع أحد القول على وجه اليقين ما يخفيه العام 2022 لدول الخليج، ومع ذلك فإنه من الواضح أن الإمارات لم تكن أبدًا في وضع أفضل مما هي عليه اليوم لرسم ملامح مستقبلها، وهي مجهزة ومصممة على القيام بذلك”.
صحيفة العرب