إيران والورقة السعودية

إيران والورقة السعودية

في أحسن الأحوال فإن إيران ترى أن مشكلات المنطقة من فعل قوة مجهولة. هذا إذا لم تحمّل الإمبريالية الأميركية وإسرائيل والسعودية مسؤولية الانهيار الذي يشهده بعض دول المنطقة. كل المعطيات تشير إلى حقيقة أن إيران هي التي تقف وبشكل معلن وراء ضياع القرار السياسي فيها وتدهور أحوالها الاقتصادية وانفلات الوضع الأمني فيها.

ولأن إيران لا تحترم أصول العمل السياسي فإنها تمارس أفعالا هي أقرب إلى مكر النصابين منه إلى دهاء السياسيين. في مفاوضات النووي على سبيل المثال فإنها تماطل لتوحي بأنها تملك قدرا من الوقت لتضيعه وتلعب من خلاله على صبر الآخرين لتمييع رغبتهم في أن ينتهوا من ذلك الحوار العبثي بأيّ طريقة. تصر على أنها ستخرج رابحة من المفاوضات وإن كان ذلك الإصرار قائما على وهم لا أساس له في الواقع.

ليس المطلوب أن تخسر إيران أكثر. لقد خسرت بسبب الحصار الأميركي الكثير. غير أنه ليس المطلوب أيضا أن تخرج رابحة مثلما حدث عام 2015. هل يُعقل أنها لا تفهم ذلك أم أن هناك إشارات تصلها من مناطق خفية تعلمها بأن النهاية ستكون سعيدة؟ من الطبيعي أن يهتم النظام الإيراني بتسويق حالة الأمل الواسع لتكون جاهزة للاستهلاك المحلي في مقابل حقائق الانهيار الاقتصادي الذي قد يصل إلى مستوى الهاوية إذا ما تعثرت مفاوضات فيينا.

ولكنّ ذلك لا يتطلب تزييف الحقائق إذا ما أراد النظام تحسين علاقته مع دول الجوار وبالأخص المملكة العربية السعودية سعيا منه وراء أن يكون سجله نظيفا في المنطقة. صحيح أن ذلك النظام لن يستطيع لعب الورقة الإسرائيلية فاستبدلها بالورقة السعودية غير أن التفاهمات لن تجري في طريق مفتوحة إذا ما أصر النظام الإيراني على تمثيل دور الجاهل الذي يعرف كل شيء انطلاقا من جهله.

إيران ترغب في استعمال الورقة السعودية في مفاوضاتها في فيينا. ولكنها في الوقت نفسه تسعى لأن تسجن السعودية بحدودها الجغرافية كما لو أنها ليست أكبر الدول العربية وأن الأمن القومي العربي يمتزج بأمنها الداخلي

حين ترحب إيران بحوار مع دول الجوار لحل مشكلات المنطقة وهو نص ما ورد في تصريح وزير خارجيتها فإنها تعتبر نفسها جزءا من الجانب المتضرر بسبب تلك المشكلات وليست الطرف الذي يقف وراءها. وفي ذلك مغالطة كبيرة تمنع الآخرين من الإقبال على حوار جاد وإيجابي ومتفائل معها. ما تفعله إيران في فيينا تنوي أن تفعله مع السعودية علنا ومع إسرائيل خفية. والأمران مختلفان.

في مفاوضات النووي لا أحد يتضرر لو كذبت إيران. ذلك لأن الدول الكبرى تمتلك القدرة على كشف تلك الأكاذيب ومعاقبة إيران باعتبارها دولة مارقة حتى أن الولايات المتحدة يمكنها أن تزيد من عقوباتها لكن الكذب في الحوار مع دول المنطقة إنما يزيد المشكلات تعقيدا. فبدلا من حل تلك المشكلات عن طريق مواجهة الحقيقة الوحيدة وهي مسؤولية إيران عن كل ما يحدث ستجد السعودية نفسها في دوامة ليست لها علاقة بالأزمات التي تعصف بالمنطقة.

لقد رحبت السعودية بالحوار مع إيران. لم تغلق السعودية الباب أبدا. قالت ولا تزال تقول الشيء نفسه. فهي ترحب بإيران غير النووية، الدولة الجارة التي تلتزم بأصول الجوار وتتّبع في بناء علاقاتها مع الآخرين الأعراف المتفق عليها دوليا. ولكن إيران لا تتمتع بتلك المواصفات. إنها دولة لا تقيم وزنا للقوانين الدولية ولا تعترف بسيادة الدول من حولها كما أنها في سياق تصديرها لثورتها العقائدية ترعى منظمات إرهابية تمكّن بعضها من تعطيل عمل دول كما هو حال حزب الله في لبنان. وهو ما يعني أن السعودية وإيران تتكلمان لغتين مختلفتين.

إيران ترغب في استعمال الورقة السعودية في مفاوضاتها في فيينا. ولكنها في الوقت نفسه تسعى لأن تسجن السعودية بحدودها الجغرافية كما لو أنها ليست أكبر الدول العربية وأن الأمن القومي العربي يمتزج بأمنها الداخلي. لا تجهل إيران تلك الحقيقة، ولكنها تتعامل معها بغباء مقصود من أجل تمرير كذبة الرغبة في حل مشكلات المنطقة والتي يمكن أن تكون ورقة في مفاوضات النووي في مواجهة التهديدات الإسرائيلية التي تستند إلى مخاوف لا تختلف عن المخاوف السعودية.

يتمنى العرب لو أن إيران كانت صادقة في كلامها. وهو ما لا يفكر فيه الإسرائيليون. ربما لأن إيران لم تلحق بهم الضرر. بالنسبة إلى الإسرائيليين فإنهم لا يرغبون في إيران نووية فقط. أما بالنسبة إلى السعوديين فإنهم إضافة إلى ذلك يرغبون في أن تكتفي إيران بحدودها الجغرافية.

العرب