الحديث عن الحل السياسي في سورية لا يزال طويلاً وشاقاً، رغم الاجتماع الرباعي أمس في فيينا بين وزراء خارجية المملكة وتركيا وأميركا وروسيا، وما سيخرج عنه اليوم من بيان يظهر نتائج تلك المحادثات ومواقف الدول المعنية منها، خاصة بعد التصعيد الروسي العسكري، وعدم اكتمال تلك الأهداف على الأرض، وتحديداً تأمين منطقة دمشق/ الساحل.
المملكة تريد العودة إلى مقررات جنيف واحد بتشكيل حكومة انتقالية، وخروج الأسد، وإعداد دستور، وانتخابات، بينما تركيا تبحث عن حلول مرحلية ببقاء الأسد ستة أشهر ثم يغادر لضمان تماسك مؤسسات الدولة وانتقالها سلمياً، إلى جانب تأمين منطقة عازلة على حدودها، بينما روسيا لديها مصالح أكبر من بقاء الأسد في المرحلة الانتقالية أو رحيله لاحقاً وهي استمرار التواجد في قاعدة طرطوس على الساحل الدافئ للبحر الأبيض المتوسط، وتوازن القوى في منطقة الشرق الأوسط، ودعم توجهات الحليف الأكبر إيران، بينما شهد الموقف الأميركي تحولات متعددة من الأزمة؛ نتيجة التردد الفاضح من إدارة أوباما، ولكن الموقف لم يخرج عن أهمية أمن إسرائيل بالدرجة الأولى، ومكافحة الإرهاب -كما تدعي-، وتهدئة المنطقة لضمان مصالحها بعد أن تسببت في إثارة الفوضى فيها، وتحديداً بعد احتلال العراق العام 2003.
محادثات فيينا مهمة في توقيتها، ورؤيتها، ومشاركة المملكة فيها دليل على مكانتها، وقدرتها في التأثير الدولي، وقيادة الرأي العربي والإسلامي، كما تبقى صوت العقل المسموع في أشد الظروف والأزمات، لأنها باختصار تبحث عن الأمن والاستقرار في المنطقة، وتعزيز الوحدة العربية، وقطع الطريق على المشروع الفارسي بإثارة الفوضى والتقسيم ودعم التنظيمات الإرهابية وتصدير الطائفية.
الواقع أننا أمام تحرك سياسي مختلف في فيينا، ومتعدد التوجهات والمصالح، ولكن سيبقى مفتاح الحل بيد الروس هذه المرة وليس الأميركان الذين يعلمون جيداً هذه الحقيقة، ومع ذلك لا يخشون من تداعياتها على مصالحهم في المنطقة، خاصة وأن الضربات الروسية التي بدأت من 30 سبتمبر الماضي لم تحقق كثيراً من أهدافها، وبالتالي هي استنزاف للقدرات العسكرية والاقتصادية الروسية، وأحد وسائل المواجهة الذي تلعب عليه أميركا، خاصة مع تواتر الأنباء بدعم المعارضة السورية بحوالي 150 صاروخ “تاو” مضاد للدروع لمنع تقدم الروس وحلفائهم من بلوغ الأهداف الإستراتيجية على الأرض.
الروس حتماً لا يحتملون حرباً طويلة في سورية، وظروفهم الاقتصادية صعبة ومحرجة، خاصة بعد رفع الضريبة على قطاعات الغاز والنفط، ومع ذلك سيحاربون إلى آخر قطرة دم من الحرس الثوي الإيراني وميليشيات حزب الله؛ لأنهم لا يريدون أن يعيدوا خسائر أفغانستان التي ذهب فيها أكثر من 14 ألف جندي روسي، وانهار بعدها نظام الاتحاد السوفيتي عام 1991.
أتوقع أن تكون محادثات فيينا بداية الحل، والتعبير عن الأجندة التوافقية لكل طرف، ولكن لن تكون تلك المباحثات نهاية للحل إلاّ بعد أن تتضح ملامح نتائج العمليات العسكرية للروس على الأرض، وموقف المعارضة السورية منها، إلى جانب ردات فعل تنظيم داعش الإرهابي وموقف قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأميركية في الرد عليها، حيث ستكون الأشهر المقبلة كفيلة بتغليب أي وجهة نظر على الأخرى، ومن يقدم تنازلات عن مصالحه للآخر، وإن كنت أرى أن نفَسَ الروس في المفاوضات السياسية قصير جداً مقارنة بالجانب الأميركي، وعلى العكس تماماً بين البلدين في الجانب العسكري حين يكون الروس في الحرب أكثر نفَساً ورغبة في المواصلة، والتحدي، واستعراض القوى، والانتقام بشراسة من دون تفضيل لخيارات أخرى؛ ولذا أرجح أن الروس سيقبلون في النهاية بحكومة انتقالية من دون الأسد، وهو الخيار الذي تنادي به المملكة، ويقبل به الأميركان، والأوربيين، مع ضمان مصالح الروس في الساحل، حيث سيكون الوجه القادم للحكم في سورية أول المتعهدين بذلك.
أحمد جميعة
صحيفة الرياض