بيروت- قالت أوساط سياسية لبنانية إن قرار الثنائي الشيعي بالعودة إلى الحكومة بشكل مفاجئ لا علاقة له بالانتباه للوضع الاقتصادي الصعب كما ورد في بيانهما المشترك، وإن الأمر أبعد من ذلك، حيث تضاعفت الضغوط الخارجية على حزب الله وحليفه نبيه بري زعيم حركة أمل خاصة من فرنسا التي تدفع نحو وقف التعطيل وعودة عمل الحكومة من أجل أن تبدأ عمليات الإصلاح الاقتصادي العاجلة المطلوبة دوليا.
وكشفت الأوساط السياسية اللبنانية عن وجود ضغوط فرنسية وأميركية على نبيه بري بصفة خاصة من أجل أن يغادر مربع التعطيل، وهو ما قاد إلى قرار الثنائي بالعودة إلى الحكومة ولو بشكل ظرفي لتجنب هذه الضغوط.
وأكدت هذه المصادر أن فرنسا، التي تسعى لجلب المساعدات إلى لبنان خاصة من خلال علاقاتها الخليجية، ضغطت من أجل أن يتوقف الثنائي الشيعي عن التعطيل ويحقق انفراجة ولو بالحد الأدنى بما يسمح لها بمواصلة مساعيها، خاصة أنها اصطدمت ب
لاءات سعودية واضحة، ذلك أنه في ظل سيطرة حزب الله على المشهد السياسي فإنه لا سبيل إلى ضخ الأموال.
وقال حزب الله وحركة أمل اللبنانيان في بيان السبت إنهما سينهيان مقاطعة جلسات مجلس الوزراء ممهدين الطريق أمام اجتماع الوزراء بعد توقف استمر ثلاثة أشهر وشهد تدهور الاقتصاد والعملة بشكل أكبر.
وأضاف البيان أن قرار الثنائي الشيعي بالعودة إلى جلسات مجلس الوزراء “يهدف إلى الموافقة على ميزانية 2022 ومناقشة خطة الانتعاش الاقتصادي”. ويدعم الطرفان عدة وزراء في حكومة مؤلفة من أعضاء من مختلف الأطياف السياسية. لكنّ حزب الله وحلفاءه يحصلون على أغلبية تمنع انعقاد جلسات الحكومة من دون حضورهم.
وتساءل مراقبون لبنانيون عن مصداقية مزاعم الثنائي الشيعي في الحديث عن أن سبب العودة إلى الحكومة هو الوضع الاقتصادي المتدهور، وقد كان هذا الثنائي طيلة السنوات الماضية يحرص على تنفيذ أجنداته الخاصة بقطع النظر عن الوضع الاقتصادي والاجتماعي الصعب الذي يعيشه اللبنانيون، وهو ما أدى إلى انتفاضة أكتوبر والتي كشفت الشعارات المرفوعة خلالها بأن الجميع متهم بالمسؤولية عما وصل إليه اللبنانيون من معاناة.
وأشار المراقبون إلى أن العودة إلى الحكومة لديها مبرر آخر خاصة أن لبنان على أبواب الانتخابات، وبقاء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة على ما هي عليه سيقود إلى مقاطعة واسعة بما في ذلك من الجمهور التقليدي للثنائي الشيعي، وخاصة حليفه الرئيس ميشال عون الذي يعيش هو وحزبه التيار الوطني الحر أوضاعا صعبة في ظل خسارة تعاطف الحاضنة الشيعية وميل الناخبين وفق استطلاعات الرأي إلى سمير جعجع زعيم حزب القوات اللبنانية.
وجاء في بيان تبرير العودة ما يظهر مخاوف الثنائي الشيعي من تأثير موقفه المعطل على حظوظه، حيث برر العودة بمخاوف من “اتهامنا الباطل بالتعطيل ونحن الأكثر حرصا على لبنان وشعبه وأمنه الاجتماعي (…)“.
يذكر أن جلسات مجلس الوزراء توقفت عن الانعقاد منذ الثاني عشر من أكتوبر الماضي بعد طلب وزراء حزب الله وحركة أمل بتدخل الحكومة لكف يد القاضي طارق بيطار المكلف بالتحقيق في انفجار مرفأ بيروت، وقوبل طلبهم برفض عدد آخر من الوزراء ورفض رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية.
وسعى نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم السبت إلى إلقاء مسؤولية تعطيل المؤسسات الدستورية في لبنان على طارق بيطار بدلا من الوزراء الذين قايضوا بقاءهم في الحكومة بسحب القضية من يدي المحقق المكلف بالقضية.
نعيم قاسم: هل يعقل أن يبقى قاضٍ في منصبه وعليه إحدى وعشرون دعوة تنحية
وقال قاسم في كلمة ألقاها بمناسبة دينية شيعية إن “أداء هذا المحقق أساء كثيرًا إلى القضاء الذي يتخبط ويعيش أسوأ أيامه”.
وأضاف “هل يعقل أن يبقى قاضٍ في منصبه وعليه إحدى وعشرون دعوة تنحية وأحدث هذه البلبلة في الجسم القضائي والبلد، ولا تقدُّم في التحقيق وإعاقة وردٍّ إلى درجة أننا أصبحنا أمام أزمة تحقيق الحقيقة”.
ورأى أن “كلّ من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية منفصلة، لكل سلطة صلاحيات ولا يحق لأيّ سلطة أن تتدخل في صلاحيات السلطة الأخرى”، مؤكدا أن “حزب الله مقاومة شريفة حرَّرت لبنان وهذا مسطَّرٌ في الحاضر والتاريخ ومع الأجيال، وله تجربة سياسية مجبولة بالنزاهة والأخلاق والوفاء والصدق”.
وأشار إلى أن حزب الله “لديه التفاف شعبيٌ واسع في لبنان، ولا ينازعه أحد لأنه أقوى حزب سياسي على المستوى الشعبي والتأييد في لبنان، ولن تنفع الأكاذيب والبهتان في تشويه صورته”.
وكان بيطار خاض معركة ليّ ذراع مع حزب الله وأمينه العام حسن نصرالله بإصداره مذكرة اعتقال بحق وزير المالية السابق علي حسن خليل، وتعامل مع موضوع علي حسن خليل وبقية النواب المتهمين في القضية على أنه معركة شخصية في مواجهة ضغوط حزب الله وآلته السياسية والإعلامية الكبيرة.
وكان نصرالله اتهم في أكتوبر الماضي المحقق الرئيسي في انفجار مرفأ بيروت بأن تحقيقه منحاز ومسيّس.
وسأل نصرالله القاضي بيطار في كلمة تلفزيونية “أنت كقاض هل استمعت إلى الرئيس الحالي ميشال عون أو (الرئيس السابق) ميشال سليمان؟ منذ دخول الباخرة على لبنان تعاقب على رئاسة الوزراء عدد من الرؤساء، أنت فورا رحت عند حسان دياب لأنك استضعفته”.
وأضاف “عندما تذهب فورا إلى وزير معين وإلى رئيس معين بيكون فيه (يكون في الأمر) استهداف وتسييس… واضح الاستهداف. بتروح على وزراء معينين وأشخاص معينين واضح الاستنساب (التحيز)”.