عام على اتفاقية التجارة الحرة بين تركيا وبريطانيا.. توسيع التعاون التجاري وإشارات على تعاون دفاعي مهم

عام على اتفاقية التجارة الحرة بين تركيا وبريطانيا.. توسيع التعاون التجاري وإشارات على تعاون دفاعي مهم

ذ

بعد عام على التوقيع على اتفاق التجارة الحرة بين تركيا وبريطانيا لتنظيم التبادلات التجارية عقب خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، تبدي أنقرة ولندن رغبة كبيرة في توسيع التعاون التجاري وسط إشارات على التحضير لتعاون مهم في مجال الصناعات الدفاعية، سيكون بمثابة اختراق مهم للصناعات الدفاعية التركية الصاعدة بقوة مع دولة كبيرة بحجم بريطانيا.

وفي الأول من يناير عام 2021، دخلت اتفاقية التجارة الحرة بين تركيا وبريطانيا حيز التنفيذ، إيذاناً ببدء مرحلة جديدة من التعاون الاقتصادي بين البلدين، لضمان استمرار التبادل التجاري دون مشاكل، وبعد عام على بدء تطبيق الاتفاقية ينصب التركيز على توسيعها لتشمل قطاعات أوسع وزيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين.ورغم أهمية الاتفاقية، إلا أن تركيا تهدف بدرجة أساسية إلى التوصل لاتفاق أوسع للتجارة الحرة مع بريطانيا لا يكون نسخة من الاتفاق السابق إبان وجودها في الاتحاد الأوروبي، حيث كان اتفاق التجارة الحرة يقتصر على المنتجات الصناعية ولا يشمل المنتجات الزراعية والحيوانية، وهو ما تسعى تركيا لتوسيعه منذ عقود، فيما لا يزال الاتحاد الأوروبي يرفض توسيع اتفاق الاتحاد الجمركي ليشمل المنتجات الحيوانية والزراعية.

وتوسيع اتفاق الاتحاد الجمركي مع الاتحاد الأوروبي، واتفاقية التجارة الحرة مع بريطانيا، ليشمل المنتجات الحيوانية والزراعية إلى جانب الصناعية، من شأنه أن يرفع حجم التبادل التجاري بين الجانبين بشكل كبير جداً ويحقق مكاسب تاريخية غير مسبوقة للاقتصاد التركي، لكن في ظل تعنت الاتحاد الأوروبي، تأمل تركيا تحقيق اختراق مع بريطانيا في هذا الإطار.

وتقول بريطانيا إن اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا هي خامس أكبر وأهم اتفاقية جرى التوقيع عليها عقب الخروج من الاتحاد الأوروبي، فيما تعتبرها تركيا ثاني أهم اتفاقية تجارية عقب اتفاقية الاتحاد الجمركي الموقعة مع الاتحاد الأوروبي. كما تعتبر بريطانيا ثاني أهم شريك تجاري لتركيا في أوروبا بعد ألمانيا التي تحتل المرتبة الأولى، ومرشحة لتحتل المرتبة الأولى في حال توسيع اتفاقية التجارة الحرة بين الجانبين.

وتعتبر بريطانيا سابع أكبر شريك تجاري لتركيا، في المقابل تأتي تركيا في المرتبة السابعة عشرة كأكبر شريك تجاري لبريطانيا. وتستورد بريطانيا بدرجة أساسية من تركيا الذهب وقطع غيار السيارات وعربات النقل والكوابل والمنتجات الكهربائية، وتستورد تركيا من بريطانيا المحركات والمروحيات والمنتجات الطبية.

والشهر الماضي، وصف القنصل العام البريطاني في إسطنبول، كنان بوليو، تركيا بأنها قاعدة تجارية هامة في المنطقة، وبلد فعّال ومنافس في مجال الصناعة الإنتاجية، لافتاً إلى أن بريطانيا حلّت في المركز الثالث ضمن قائمة البلدان، صاحبة أكثر الاستثمارات الدولية المباشرة في تركيا، بين عامي 2002-2021 بقيمة إجمالية بلغت 12 مليارا و802 مليون دولار. معتبراً أن الشركات البريطانية، راغبة أيضاً في الاستثمار بتركيا بمجالات الدفاع، والصناعات الجوية والفضائية.

وبلغ حجم التبادل التجاري بين تركيا وبريطانيا 18.6 مليار جنيه استرليني (25.25 مليار دولار) في 2019، وتقول بريطانيا إنه خامس أكبر تبادل تجاري تفاوضت عليه الوزارة بعد اتفاقات مماثلة مع اليابان وكندا وسويسرا والنرويج، لكن أنقرة تضغط باتجاه رفع حجم التبادل التجاري مع بريطانيا إلى معدلات أكبر بكثير من ذلك، وهو الأمر الذي يمكن تحقيقه فقط من خلال توسيع اتفاقية التجارة الحرة التي تضغط باتجاهها تركيا من خلال الاتصالات المستمرة بين الجانبين.

والجمعة، جرى اتصال هاتفي بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، بحث سبل تعزيز التعاون بين البلدين، وأوضح بيان للرئاسة التركية أن “الجانبين بحثا الخطوات التي من شأنها تعزيز التعاون بين البلدين لا سيما في الصناعات الدفاعية والتجارة”.

فإلى جانب التجارة، ظهرت مؤخراً مؤشرات مختلفة على رغبة من الجانبين لتعزيز التعاون في مجال الصناعات الدفاعية، حيث تشير مصادر مختلفة إلى أن بريطانيا تبدي اهتماماً متزايداً بالحصول على مسيّرات تركية متقدمة، أو العمل على برنامج مشترك مع تركيا لصناعة مسيّرات قتالية. في المقابل لا تخفي أنقرة حاجتها للاستفادة من خبرة بريطانيا لتطوير قدراتها على صناعة المحركات، المعضلة الأكبر في مسيرة الصناعات الدفاعية التركية.

ويعتبر وزير الدفاع البريطاني بن والاس من أبرز المتحمسين لبرنامج الطائرات التركية المسيرة، وأقرّ في تصريحات صحافية بالابتكار التركي في مجال الدفاع، وأبدى إعجابه بالطائرات المسيّرة التركية ومدى فعاليتها على الأرض، معتبراً أن “العديد من الدول الغربية لم تحظ بالريادة في مجال تحديث الدفاع في حين أنها تراقب الآخرين يفعلون ذلك”.

وقال الوزير: “خذوا على سبيل المثال الطائرة التركية المسيرة بيرقدار، لقد كان استخدامها في سوريا وليبيا وأماكن أخرى مسؤولا عن دمار المئات من العربات المدرعة وحتى أنظمة الدفاع الجوي. جذور تلك الطائرات المسيرة ناشئة من الابتكار التركي، لقد ابتكروا وفعلوا ما اعتدنا على فعله نحن رغم منعهم من الوصول إلى برامج أجنبية”، وقال في تصريحات سابقة إن على بريطانيا أخذ الدروس والعبر من الدول الأخرى، في إشارة إلى تركيا.

وفي خطوة عملية بعد هذه التصريحات، كشفت مصادر صحافية أن بريطانيا تعتزم إطلاق برنامج جديد للطائرات المسيرة عقب تأثرها بالتجربة التركية. وقالت صحيفة الغارديان البريطانية، نقلا عن مسؤولين في وزارة الدفاع، إن بريطانيا تعتزم تخصيص جزء من ميزا نية الدفاع للسنوات الخمس المقبلة لتطوير الطائرات المسيرة.

وشهدت العلاقات التركية البريطانية تطوراً لافتاً في السنوات والأشهر الأخيرة بشكل خاص، كما دار نقاش عميق داخل بريطانيا حول مدى إمكانية امتلاك المسيرات التركية بدلاً عن الخوض في برنامج طويل المدى لصناعة مسيرات موازية وبتكلفة أكبر بكثير، إلا أنه لم تؤكد أي جهة رسمية أو إعلامية وجود توجه بريطاني حقيقي لشراء مسيرات تركية.

في المقابل، لا تخفي تركيا التي تعمل على برنامجين منفصلين لصناعة طائرات حربية من الجيل الخامس رغبتها في الاستفادة من خبرات بريطانيا في بعض مجالات الصناعات الدفاعية لا سيما ما يتعلق بصناعة المحركات، حيث يتوقع أن يتم تطوير اتفاقيات سابقة لم تدخل حيز التنفيذ بعد، من أجل الإنتاج المشترك لبعض المحركات والقطع الخاصة بمشروع الطائرة الحربية التركية.