كابل – بعد تفكك الاتحاد السوفياتي السابق في ديسمبر/كانون الأول 1991، بدأت تركمانستان جهودها لنقل الغاز إلى جنوب آسيا، لكن بدء المشروع تأخر إلى ما يقرب من 3 عقود مع تبدل 3 أنظمة حكم في أفغانستان.
بدأت المحادثات الرسمية مع تركمانستان في ظل حكومة حركة طالبان الأولى عام 1996، وكانت شركتا يونيكال الأميركية وبريداس الأرجنتينية في صدارة القائمة التي تفوز بالعقد، ولكن أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 غيرت الوضع الأمني والإستراتيجي في أفغانستان.
بعد وصول حركة طالبان إلى السلطة في منتصف أغسطس/آب الماضي، ركزت تركمانستان جهودها على مشروع نقل غازها إلى الهند، إذ تبادلت الزيارات بينها وبين أفغانستان حتى الآن مرتين على مستوى الوزراء بشأن بدء أعمال مد أنابيب نقل الغاز. ويقول مصدر في وزارة المناجم والبترول في تركمانستان للجزيرة نت إن بلاده “وافقت على دفع تكاليف بناء البنى التحتية ومد الأنابيب داخل الأراضي الأفغانية، على أن تخصم هذه المبالغ لاحقا من رسوم العبور التي تصل 400 مليون دولار سنويا”.
يقول وزير المناجم والبترول المولوي شهاب الدين دلاور للجزيرة نت “متفائل جدا بشأن المشروع، وإن زيارة الوفد التركماني التي هي الثانية من نوعها منذ وصول طالبان إلى السلطة، دليل على جدية تركمانستان في استكمال مشروع نقل الغاز إلى الهند عبر الأراضي الأفغانية”.
عبد السلام ضعيف، نائب وزير المناجم آنذاك، كان أحد المشاركين في الاجتماع الأول بشأن مشروع نقل الغاز في العاصمة عشق آباد، يقول للجزيرة نت إن “السبب الرئيسي في تأخير مشروع نقل الغاز هو التنافس بين روسيا والولايات المتحدة من جهة، وبين شركتي يونيكال وبريداس من جهة أخرى، وكانت روسيا تعارض أي نفوذ أميركي في هذه المنطقة، واليوم تغير الوضع كثيرا، بدل الشركات تريد الحكومات العمل والاستثمار في مجال الطاقة ولا توجد حساسية كبيرة حتى تعرقل هذا المشروع المهم بالنسبة لدول المنطقة”.
فكرة المشروع
كان من المقرر البدء بمد الأنابيب لنقل الغاز من تركمانستان إلى الهند عبر الأراضي الأفغانية في التسعينيات من القرن الماضي، لكن المشروع لم يكتمل بسبب الإطاحة بحكومة حركة طالبان، ويقول مصدر في وزارة المناجم للجزيرة نت “عندما رأت الولايات المتحدة أن الشركة الأرجنتينية تفوز بالعقد بدأت بعرقلة الأمر حتى أمر الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون في العام 1998 بقصف بعض المناطق في أفغانستان واعتقدت قيادة طالبان أن الأمر له علاقة بمشروع نقل الغاز”.
بعد سقوط حكومة حركة طالبان الأولى بعشر سنوات، اجتمعت تركمانستان وأفغانستان وباكستان والهند 3 مرات لبدء المشروع، ولكن الوضع الأمني لم يكن يسمح بذلك، يقول وزير المناجم بالوكالة شهاب الدين دولار للجزيرة نت “معظم الأراضي الأفغانية التي تمر منها أنابيب نقل الغاز كانت تخضع لسيطرة حركة طالبان، ولم يكن بإمكان أي أحد أن يستثمر في هذه المشاريع الكبيرة دون التنسيق مع حركة طالبان”.
تدرك الحكومة الأفغانية الجديدة أهمية مشروع نقل الغاز من تركمانستان إلى الهند، وتحاول أن تطمئن جميع من له علاقة بهذا المشروع، وأنها كانت تتفاوض باستمرار مع تركمانستان لتأمين مشروع “تابي” (TAPI) قبل وصولها إلى السلطة.
وتقول وزارة الداخلية الأفغانية إنه لا يوجد تهديد أمني لخط أنابيب الغاز في إطار مشروع تابي، ويقول المتحدث باسم الداخلية الأفغانية عاقل شاه عزام للجزيرة نت “قررت الحكومة تشكيل وحدة عسكرية خاصة تضم 30 ألف جندي لضمان أمن مشروع تابي في مناطق معينة تمر منها الأنابيب”.
مشروع إستراتيجي للمنطقة
ويمثّل مشروع تابي المسمى بالأحرف الأولى للدول الأربع المشاركة -وهي تركمانستان وأفغانستان وباكستان والهند- أهمية جيوسياسية واقتصادية كبرى للمنطقة وسينقل 33 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا، ومن المتوقع أن يؤدّي خط أنابيب الغاز دورًا مهما في تطوير اقتصاد أفغانستان من خلال توليد إيرادات بملايين الدولارات، وتوفير فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، فضلًا عن تطوير البنية التحتية.
يقول عبد السلام ضعيف للجزيرة نت “تكمن أهمية مشروع نقل الغاز التركماني بالنسبة لأفغانستان في 3 أمور، أنه يوفر فرص العمل للأفغان، وأن أفغانستان تستطيع تصدير غازها حيث لدينا كمية كبيرة من الغاز، وأن هذا المشروع يربط مصالح دول في المنطقة ويجعل هذه الدول تحترم بعضها بعضا وتراعي مصالحها، ولا شك في أنه سيؤثر كثيرا على الوضع الأمني الراهن في المنطقة”.
حفل إطلاق أعمال البناء لمشروع تابي بالقسم الأفغاني من خط أنابيب الغاز الطبيعي (رويترز)
وفقا لاتفاقية بين كابل وعشق أباد، ستحصل أفغانستان لمدة 30 عاما على 500 مليون متر مكعب من الغاز سنويًا في السنوات العشر الأولى، ومليار متر مكعب سنويًا في السنوات العشر الثانية ومليار ونصف المليار متر مكعب سنويًا في السنة الثالثة، إضافة إلى ذلك ستحصل أفغانستان على 400 مليون دولار سنويا رسوم مرور أنابيب الغاز التركماني عبر أراضيها.
تعد ولايات هرات وفراه وهلمند وقندهار من الولايات التي ستمر من خلالها أنابيب الغاز التي يبلغ طولها 1814 كيلومترا، سيمر منها أكثر من 800 كيلومتر عبر الأراضي الأفغانية.
وحسب أرقام وزارة المناجم الأفغانية، ستحصل باكستان والهند على 42% أو ما يعادل 14 مليار متر مكعب من الغاز، وأفغانستان 16% من الغاز التركماني.
أمّا بالنسبة لأفغانستان، فإنها ستمثل جسرًا بريا يربط آسيا الوسطى الغنية بالطاقة بجنوب آسيا التي تعاني من نقص الطاقة، ورغم أهمية المشروع من الناحية الجيوسياسية والاقتصادية، فإن العلاقات المتوترة بين باكستان والهند ستؤثر على مستقبل هذا المشروع.
يقول الخبير الاقتصادي مسعود كريم للجزيرة نت إن “الهند تخشى احتمال استخدام باكستان خط أنابيب الغاز للسيطرة على أمن الطاقة، في حين أن باكستان قلقة من علاقتها مع أفغانستان، بمعنى آخر أن تركمانستان وأفغانستان والهند تسعى لتحقيق أهداف اقتصادية، وهدف باكستان سياسي أكثر من كونه اقتصاديا”.
المصدر : الجزيرة